فوزي أوصديق، عميد كلية الحقوق بالبليدة سابقا ورئيس منتدى القانون الدولي الإسلامي في منظمة المؤتمر الإسلامي، ومؤسس قسم الحريات في قناة الجزيرة، وناشط حقوقي في تخصص حقوق الإنسان وأحد أبرز الوجوه التي أدارت حملة سامي الحاج معتقل ''الجزيرة في غوانتانامو''·· يتطرق بالتحليل والمعطيات في حواره مع ''الجزائر نيوز'' إلى كثير من مجلات اختصاصه حول راهن الجزائر والدول العربية· القانون الدستوري أحد اهتماماتك والجزائر أقرت تعديلا دستوريا قبل أشهر، ما رأيك فيه؟ نعم حقيقة، لقد شاركت في إعداد دستور دولة قطر في ,2002 لكن بالنسبة للدستور الجزائري أود أن أقول أن هذه الوثيقة التي تسير عليها هيئات ومؤسسات الدولة تفتقد لعنصر الهوية وهذا ليس وليد اليوم، بل ظل الدستور الجزائري فاقدا لها منذ الاستقلال، فلا هو برلماني بحت ولا هو رئاسي خالص، فهو يمزج في كثير من الأحيان بين النظامين، وهو ما أطلق عليه عادة في الجزائر النظام ''البرلماسي''· أما عن مضمون تعديل الدستور الأخير في الجزائر، أعتقد بأنه تجميلي أكثر منه مؤسساتي، في حين تحتاج الجزائر إلى وثيقة أساسية تتضح فيها الصلاحيات بشكل كبير وتبين العلاقات بين السلطات ولا تؤزم العلاقات بينها، ومشكلتنا الكبيرة مع دساتيرنا أن هذه الأخيرة تأتي دوما لتعالج مشكلات ظرفية، وسرعان ما تتحول الأزمة فيما بعد إلى أزمة دستور في حد ذاتها· هناك من يقرأ هذه التعديلات على أنها إثراء للمجال والقانون الدستوري، ويدل على حركية القانون المرافق لتطور المجتمع، لكن في الحقيقة الأمر ينم عن وضع دستوري غير صحي، إذ يجب أن يكون الدستور صالحا للعديد من الأجيال ويضم مبادئ سير المؤسسات والهيئات في الدولة التي لا تتغير منطقها· ماذا عن تحديد العهدات في الدستور أو فتحها؟ لم يكن يوما تحديد العهدات الرئاسية أو فتحها مشكلا بالنسبة للمتخصصين في القانون الدستوري أو حتى كانعكاسات على الأنظمة، وخذ لك مثالا على ذلك الولاياتالمتحدةالأمريكية، فقد حددت العهدات الرئاسية لكنها حققت ديمقراطية مشهودة عبر كامل المجالات، وفرنسا التي يضمن دستورها عهدات مفتوحة تمكنت هي الأخرى في إقرار ديمقراطية للفرنسيين، وبالتالي لا تعد العهدات مرجعا أساسيا في تقييم أزمات الأنظمة· أعتقد أن المشكل الأساسي الذي يعرقل أي تطور دستوري أو أي تطور للأنظمة، هو عندما يقصى الدستور أو التعديل الذي يطاله الانفتاح السياسي والإعلامي، وتتحول المدارس إلى مجرد مدارس تكوين من أجل التكوين دون استغلال الكفاءات التي يتم إعدادها لخدمة مؤسسات الدولة· وحسب رأيك، أي النظامين أفضل للجزائر في هذه المرحلة؟ أعتقد أن الفترة الحالية التي تمر بها الجزائر تحتاج إلى نظام رئاسي واضح الصلاحيات غير مغلق، يكون فيه الوزير الأول كبير المستشارين لدى رئيس الدولة، وكانت الجزائر باستطاعتها أن تصيغ دستورا لائقا أكثر مقارنة بالدستور الحالي الذي وإن أعيد تعديله مرة أخرى كالتغييرات العميقة المفترضة، يمكن للجزائر أن تعتمد على قاعدة رجالاتها في هذا المجال والذين يملكون الكفاءة الكافية لصياغة دستور أكثر استجابة لكل شرائح المجتمع، فالجزائريون شاركوا في استشارات للحكومة الصومالية الانتقالية في أزمتها الدستورية، حيث شاركتُ فيها وشاركتُ أيضا في إعطاء استشارات لحكومة جزر القمر· اليوم هي الذكرى الأولى للعدوان الصهيوني على غزة (الحوار أجري الأحد الماضي)، وأنت نشط حقوقي في منظمات عربية مؤثرة، كيف تقيم الوضع بعد سنة من العدوان؟ أعتقد أنه لأول مرة يظهر العرب والمسلمون بشكل مفضوح في أنهم لا يتعاملون مع القضايا العربية الحقيقية إلا بالعاطفة، غير مرجحين العقل فيها، وقد قام مقامهم هذه المرة في مشهد مؤسف ويدعو لكثير من الحسرة الإعلام الغربي وحتى الحكومات الغربية، رغم أننا نحن المعنيون الأوائل بالقضية، وقامت وسائل إعلام ومنظمات حقوقية بعمل توثيقي كبير لإدانة جرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل في عدوانها على غزة، وكان التقرير الشهير لغولدستون المرفوع في وجه دول العالم صفعة كبيرة للعرب العاطفيين، وهذا ليس مجرد كلام بل حقيقة ملموسة، وانظر كيف ألغت رئيسة الوزراء السابقة تسيبي ليفني أجندتها إلى بريطانيا بسبب تحرك محكمة ويسمنستر ضدها بإصدرها مذكرة توقيف في حال دخولها تراب المملكة، كونها اقتنعت بالدلائل المقدمة ضدها لدى الهيئات القضائية في إنجلترا· ويعتبر المبدأ القانوني الذي يعطي حرية الاختصاص لدور القضاء الدولية عندما يتعلق الأمر بملفات جرائم الحرب، مبدأ حي التطبيق والتنفيذ، بينما هو غير معمول به في كثير من الدول لطغيان المصالح، وكان رئيس الوزراء البريطاني ''غوردن براون'' قد أعرب عن نيته في تغيير جزء من المنظومة القانونية على خلفية تعرض ''ليفني'' لتهديد بالاعتقال في بريطانيا· أنت مسؤول في قسم القانون الدولي الإسلامي لمنظمة المؤتمر الإسلامي·· ماذا قدمتم لغزة؟ قمنا بتوثيق الأحداث توثيقا علميا وهذا أهم شيء، كونه يدين العدو الصهيوني، وقد ارتكز عمل العديد من المنظمات على إبراز جرائم الحرب من خلال نقاط جد حساسة، لأنها منعت من إيصال الإغاثات الإنسانية والطواقم الطبية والإسعافية والاعتداء المفضوح على الصحفيين، وأدى هذا العمل إلى تحالف نحو 360 منظمة عالمية لتجسيد هدف إدانة إسرائيل ونقل حقيقة ما حدث في غزة إلى كل الجهات·· لكن كل الأسف بعد ذلك، كون الخذلان جاء مرة أخرى من العرب، وهذه المرة من الفلسطينيين أنفسهم بتأجيل المصادقة على تقرير غولدستون، حيث يكون هذا التصرف مليئا بالحسابات· سُجل حضورك أيضا على النطاق الإعلامي، كيف ترى الحرية الإعلامية على المستوى العربي، ثم الجزائري؟ قناعاتي أن هناك هامشا لا بأس به من الحريات في الدول العربية، لكنه متفاوت الدرجات ويعتمد تقييم مدى حرية التعبير والرأي على محورين أساسيين· الأول ألا تعتبر القوانين الجنائية في تشريع الدول حرية الرأي والتعبير جرما، والثاني هو ألا تضع المنظومة التشريعية أمام الصحفيين عراقيل تضييق وتعيق أداء مهامه· بالمقابل أصبح تكوين الصحفي هشا جدا ولا يستطيع النزول بتحصيله العلمي من مدارس التكوين مباشرة إلى الميدان، وفي كثير من الأحيان يخضع نفسه في ممارسته الإعلامية إلى الرقابة الذاتية، رغم أن من المتعارف عليه اعتراف الدول العربية قاطبة بالمادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، إلا أن درجات التفاوت هذه في حرية الإعلام العربية لا تزال تعطي الانطباع بأن الوضع مزري، وقد يرجع السبب في اعتقادي إلى انعدام وجود قوي للنقابات التي تدافع عن مبادئ المهنة والصحفيين، ولأن كثيرا من النقابات تحركها أجندات سياسية أكثر مما يحركها شيء آخر· والمؤسف أيضا في بعض الدول العربية أن يكون التعامل مع الإعلام بمنطق الدولة القمعية والبوليسية، التي محكوم عليها بواقع العولمة الشاملة أن تنفتح بإرادتها أو دون إرادتها أمام الزحف الرهيب لتكنولوجيات الإعلام الحديثة، حيث لن تقوى على العزلة وسط نظام عالمي اتصالي باستمرار· وبالنسبة للجزائر أرى أن حرية التعبير ولو أنها أيضا تخضع لمنطق الدرجات المقارنة، إلا انها أخذت ولم تعط، وهي الميزة التي تطبعها عن باقي حريات التعبير في العالم العربي· إلى سامي الحاج الآن، أين وصلت معركته بعد خروجه من غوانتانامو؟ لقد أسسنا ''مركز غوانتانامو للعدالة''، مقره في العاصمة البريطانية لندن من مهامه إعادة تأهيل معتقلي غوانتانامو وإدماجهم بشكل طبيعي في حياتهم الاجتماعية والمهنية، وهذا يتطلب مجهودا كبيرا، كون أساليب التعذيب التي تعرضوا لها خطيرة جدا، فسامي الحاج مثلا كان ينزعج كثيرا من الضوء والظلام الذي كانت تعتمد فيه القوات الامريكية تقنيات تعذيب، كما ينزعج كثيرا من صوت الباب أثناء فتحه أو غلقه، فمعتقل غوانتانامو يعتبر مركزا نازيا، ومن أهم الأدلة على ذلك هو اعتياد إدارته تسمية المعتقلين بأرقامهم وليس بألقابهم· كما يحاول المركز استرجاع الاعتبار لكل المعتقلين المعنيين به، وذلك من خلال أربعة اهداف محددة: التوثيق، التأهيل، التعويض والاعتذار· وتقتضي هذه الأمور الأربعة معارك متواصلة وليس من السهل نيلها· أوباما وعد بغلقه مباشرة بعد اعتلائه سدة الحكم، لكنه لم يغلق إلى الآن، ومع ذلك نال نوبل للسلام؟ بالنسبة لي فقد حسمت في قناعتي خلفية هذا الحدث، وأنا أهنئ في الرئيس الأمريكي أوباما النوايا وليس الأفعال والتصرفات، لأن بينهما فرق كبير· وأظن أن استثناء طبعة نوبل للسلام هذه المرة لم يكن تتويجا على ما تم فعله من قبل الرئيس، بل كان تتويجا ربما لما قد سيفعله خلال أربع سنوات قادمة، قد نستطيع من خلالها الحكم على أهليته واستحقاقه وجدارته بهذه الجائزة، وهذا يجعل أوباما واقعا في مصيدة كبيرة كون رهانه على تحقيق السلام لا بد أن يكسبه مقارنة باستباق تكريمه، حتى لا تفقد الجائزة مصداقيتها من خلال تساؤل مهم هو ''هل تمنح نوبل للسلام لمن يعمل على السلام أم لمن يغطي عليه وعلى ممارسات سيئة؟''· لو نعود إلى الجزائر، ما رأيك في حادثة حرق الراية الجزائرية من قبل رجال قانون مصريين؟ في اعتقادي أن مجموعة المحامين التي تنقلت إلى سوريا لحضور دورة المكتب الدائم لاتحاد المحامين العرب، عادت صفر اليدين، في وقت كان ينتظر فيه الجزائريون نتائج أكثر صرامة، فلا تكفي سطور من الإدانة في بيان ختامي مقابل اعتداء على رمز مقدس في دولة من الدول، وبصراحة فإن مسألة فتح تحقيق في التجاوزات التي حدثت كما جاء في البيان في كلا الطرفين أمر مخذل لا ينسجم مع ما كان يطمح إليه الجزائريون·