يقود الدكتور فوزي أوصدّيق، المتخصص في القانون الدستوري الدولي، رئيس الحملة الدولية للدفاع عن مصور قناة الجزيرة المحتجز في غوانتنامو منذ أكثر من ست سنوات، و قد انتهزت الشروق اليومي التي ستنظم منتدى حول "حماية الصحفيين في الحرب" الشهر المقبل، فرصة وجوده في الجزائر و أجرت معه هذا الحوار. الشروق اليومي: مجيئكم إلى الجزائر يأتي في إطار الحملة الدولية للدفاع عن سامي الحاج، بحُكم رئاستكم لهذه الحملة، كيف تنظرون الى حرية الصحافة ولأوضاع الصحفيين في عصر ما يُسمى "الحرب على الإرهاب"؟ د.فوزي أوصدّيق: نعم. العمل الصحفي كما هو معروف مليء بالمتاعب، خاصة في استقاء المعلومة، و ما يتعرض له الصحفيون من عراقيل و ضغوط، و الواقع المعاش اليوم مرير في هذا الجانب، و هو مثبّط حقّا للعمل في هذه المهنة و لتطورها. و ما يعيشه اليوم عالمنا العربي على وجه الخصوص، لدليل على صعوبة الوضع الصحفي، فهناك اعتقالات تعسفية، و هي في تزايد مستمر، و هذا أمر مناف للمسار الديمقراطي، و المقصود بالاعتقالات التعسفية، احتجاز شخص بسبب قلمه، دون أن يعرف سبب احتجاز ولا المدة التي سيمكثها في مُحتَجزِه، و أشير هنا إلى أن تقارير الهيئات الدولية المختلفة تؤكد أن هذه السلوكات في تزايد و هي تدق بتقاريرها تلك ناقوس الخطر في كل مرّة. الشروق اليومي: الدولة الأقوى في العالم تقود العالم اليوم بالسّياط، بينما تتحدث في دستورها في مادته الرابعة عن حرية التعبير، هل نحن أمام انقلاب القوة على المبادئ؟ د.فوزي أوصدّيق: الولاياتالمتحدة تدعي الديمقراطية و الحريات، و حادثة احتجاز سامي الحاج تضرب ذلك الادّعاء في الأساس، فلأول مرة يُحتجز صحفي لأزيد من ستة سنوات في خليج غوانتنامو بِكوبا، و بدل أن تتجه الولاياتالمتحدة إلى الشرعية الدولية، و بالأخص إلى اتفاقيات جنيف الأربعة، و هي المرجعية في أي نزاع مسلح، و التي تحدد طرق التعامل مع كل طرف في أوقات الحروب، نجدها تلتف على هذه القوانين والاتفاقيات وتُعامل الناس على أسس و تصنيفات ليس لها أصل في المنظومة القانونية، سواء كانت المنظومة الدولية أو الأمريكية، فمثلا جاءت بتصنيفات من قبيل "المقاتل العدو" و هو المصطلح الذي لا يفهم معناه أحد من القانونيين. الشروق اليومي: ما هي الظروف التي اعتُقل فيها سامي الحاج، و ما هي التهم التي وُجهت له؟ د.فوزي أوصدّيق: سامي الحاج اعتقل و هو يحمل الكاميرا بين يديه و ليس رشاشا، كان يحاول أن ينقل صورة ما يحدث في أفغانستان بحجمها الحقيقي، دون أن يضيف لها أية مساحيق سياسية، ومن هنا وجد نفسه في غوانتنامو. أما التهمة التي يُواجهها فهي المساهمة في صفقات اتّجار بالأسلحة مع حركة طالبان، والمساهمة في تمويل مقاتلي طالبان. لكن مع مرور الوقت تساقطت هذه التهم تباعا، و لسنا نعلم لماذا يبقى سامي في ذلك السجن؟. الشروق اليومي: كيف يعيش سامي الآن، و هل لديكم اتصالات معه؟ د.فوزي أوصدّيق: سامي الآن في إضراب عن الطعام، و قد شن هذا الإضراب للمطالبة بمحاكمته محاكمة عادلة، و كما تعلمون، المحاكمة العادلة هي أول و أبسط حق من حقوق أي سجين. أما عن اتصالاتنا به، فالخيط الوحيد الذي يربطنا به هو محاميه، وهو الشخص الوحيد المسموح له بالاتصال بسامي. و أنتهز الفرصة للمطالبة بمحاكمته محاكمة عدالة لا محاكمة الجهة المحتجِزة و محاكمة الدولة القوية. الشروق ليومي: من أجل حرية سامي، أطلقتم حملة دولية و كنتم أنتم على رأسها، كيف بدأت هذه الحملة و إلى أين وصلتم؟ د.فوزي أوصدّيق: هذه الحملة بدأتها اللجنة العربية للدفاع عن الصحفيين، و التي يرأسها صحفي الجزيرة تيسير علوني، الذي يخضع للإقامة الجبرية في إسبانيا، و نسعى في المرحلة الأولى إلى جمع مليون توقيع عبر العالم لصالح سامي الحاج، و قد انطلقنا في جمع التوقيعات منذ ثلاثة أشهر و اخترنا أن نبدأ من السودان كونه البلد الأصلي لسامي. و قد ذهبت مع الأستاذ يوسف الشولي، و هو صحفي في قناة الجزيرة إلى السودان أيامها لنطلق حملة جمع التوقيعات، فحظينا باستقبال جماهيري كبير دل على مدى تأثر السودانيين بمحنة ابنهم سامي في غوانتنامو، و أحسسنا أن الجماهير السودانية تبنت القضية. لقد وصلتنا إلى اللحظة الكثير من التوقيعات، و بدورنا أرسلناها إلى الهيئات الدولية على اختلافها؛ الجامعة العربية و منظمة الاتحاد الإفريقي و لجنة حقوق الإنسان في الأممالمتحدة ومنظمة العفو الدولية. ما نريد أن نوصله للعالم أجمع، أننا جميعا سامي الحاج، و أن هذه المأساة يجب أن تتوقف، فاليوم يُقاد الصحفيون و الناس إلى غوانتنامو، ثم بدأنا نسمع عن سجون سرية في العالم و غدا لا نعلم إلى أين ستصل الأمور..لابد من التحذير بأنه إذا كان الاعتقال اليوم يخص الصحفيين و تنتهك حقوقهم، فعلى كل شخص أن ينتظر دوره... الشروق اليومي: ماذا عن الحملة هنا في الجزائر، ألا ترون بأن الجزائر قد تشكل قاعدة مهمة من قواعد إطلاقها؟ د.فوزي أوصدّيق: الحقيقة أن الرقعة الجغرافية للحملة آخذة في التوسع، و البلدان تتوالى لاحتضانها، أما في الجزائر، فالبداية ستكون بمنتدى نُنظّمه بمعيّة الشروق اليومي في شهر أوت المقبل، و سيدور موضوع المنتدى حول حماية الصحفيين في زمن الحرب، و سينطلق هذا المنتدى في أوربا في سبتمبر المقبل، و سيكون بمشاركة منظمة صحفيون بلا حدود، و القاسم المشترك طبعا هو الدفاع عن القيم الإنسانية. أما عن حملة الدفاع عن سامي في الجزائر، فأتمنى أن تنطلق قريبا جدا، ولست أنسى بأننا تربّينا على مقولة العربي بن مهيدي "إرموا بالثورة للشارع..يحتضنها الشعب" الشروق اليومي: كخبير قانوني، هل بالإمكان أن نعرف منكم سبب اختيار الحكومة الأمريكية "رمي" معتقلي ما يسمّى "الحرب على الإرهاب" في خليج غوانتنامو، بدل احتجازهم في سجونها الداخلية؟ د.فوزي أوصدّيق: غوانتنامو مخادعة كبرى و تحايل على القانون. فبعض القانونيين يعتبرون هذا السجن غير خاضع للسلطات القضائية في الولاياتالمتحدةالأمريكية، و قد أصدرت المحكمة العليا الأمريكية بصفة صريحة، حكما يعطي الحق للمحاكم الأمريكية في محاكمة معتقلي غوانتنامو، و هو ما يعني إضفاء الشرعية على أحكام غوانتنامو و على وجوده كسجن، بعد أن هاجمته المنظمات الدولية واتهمته بالعمل على انتهاك حقوق الإنسان، لذلك كثرت الدعوات اليوم للتسريع بإغلاقه. ثانيا، أن السلطات التنفيذية في الولاياتالمتحدة لجأت إلى إنشاء لجان لمحاكمة المعتقلين، و سُمّيت تلك اللجان ب"لجان مراجعة وضع القتلى"، و هنا خطأ قانوني فادح، إذ لا يجوز لسلطة تنفيذية أن تنشئ لجنة أو لجانا قضائية، و ذلك بحكم قانون الفصل بين السلطات الذي يقضي به الدستور الأمريكي. إن هناك أدبيات على المستوى الدولي، تتعلق بالاعتقالات في أوقات الحروب و الأزمات على كل الدول أن تحترمها و هو ما لم يحصل في حالة الولاياتالمتحدةالأمريكية في أفغانستان، ومع حالة سامي الحاج كمثال. و أجدني هنا في حاجة إلى تلاوة بعض التقارير و القوانين الدولية لتي تحضر الاعتقالات التعسفية و تدين مرتكبيها، فالتقرير النهائي لنتائج القمة العالمية المنعقدة في 2005، و في البند 85، تنص على ضرورة ضمان امتثال الدول للتدابير التي تتخذ لمكافحة الإرهاب وفقا لالتزامها بالاتفاقيات الخاصة بالقانون الدولي الإنساني، واحترام حقوق اللاجئين و حقوق الإنسان. كما أن هناك إعلان الأممالمتحدة بخصوص حماية الإنسان و حماية حقوقه الأساسية في سياق مكافحة الإرهاب. كما تُحضر بموجب القرار 1566لسنة 2004 و القرار 1624 لسنة 2005، كل التدابير التحكيمية و المزاجية و الارتجالية في سياق مكافحة الإرهاب، كما يُحظر التعذيب الجسدي و النفسي حظرا مطلقا. و تشدد القوانين الدولية على أن تكون تدابير مكافحة الإرهاب وفق الشرعية الوطنية و الشرعية الدولية، و لقد صدر إعلان في 2005 بشأن حرية التعبير و الإعلام في وسائل الإعلام في إطار مكافحة الإرهاب. و كما هو ملاحظ، فإن النصوص القانونية موجودة، بل هي جيدة و ممتازة، لكنها غير محترمة، و تفسر و تطبق وفق فهم و مصلحة و رغبة كل طرف. أريد أن أعود إلى معتقل غوانتنامو لأقول، إنّه إذا كان لهذا المعتقل آثاره السلبية الكثيرة، و على رأسها عدم الاعتراف بالقوانين الدولية و بحقوق الإنسان، فإن له جانبا إيجابيا آخر و هو، المساهمة في ازدياد الوعي و تكوين رأي عام دولي، بشأن ضرورة الدفاع عن الكرامة الإنسانية و حقوق الإنسان. الشروق اليومي: هل من كلمة أخيرة تودّون قولها؟ د.فوزي أوصدّيق: أودّ القول بأن غوانتنامو سيبقى وصمة عار في جبين الديمقراطية الأمريكية، و ستذكر الأجيال الأمريكية المقبلة هذه الإدارة بسوء. الدكتور فوزي أوصدّيق 43 سنة، خبير في القانون الدستوري الدولي، من مواليد الجزائر، خريج قانون و عميد كلية القانون في جامعة البليدة سابقا، انتقل إلى قطر و يعمل الآن أستاذا للقانون الدستوري في جامعاتها، عمل كخبير قانوني في لجنة إعداد دستورها، و يرأس الآن كلاّ من؛ المنتدى الإسلامي للقانون الدولي الإنساني، و هو لجنة تابعة لإحدى مؤسسات منظمة المؤتمر الإسلامي، و يقود الحملة الدولية للدفاع عن الصحفي سامي الحاج، كما أنه من المؤسسين للجنة العربية للدفاع عن الصحفيين. حوار/م.هدنه