صغيرا بكيتَ فرحا يا مامي :بوزيد حرز الله مامي هذا الطائر الغريد الذي سدوا أمامه كل فضاء.. هذا الذي دوت حنجرته بآهات الراي، فطار به في كل أصقاع الكون· مامي الذي جمعتني به المسيرات والأفراح، كان لقاؤنا طفوليا دافئا في حفل اختتام مسابقة ''ألحان وشباب'' يوم غنى ''ياذا لمرسم'' وتوقع الجميع فوزه بالمرتبة الأولى، كان ذلك في مسرح الهواء الطلق بسيدي فرج قبل ربع قرن، لكن قرار لجنة التحكيم كان لصالح الفنان محمد لعراف، ومنح مامي المرتبة الثانية·· بقي لعراف في بوسعادة وطار مامي في كل سماء. اليوم تشد خيوط التهمة بإحكام، ويزج بك في السجن، وتئن في القفص خفيض الجناح·· ألم يشفع لك كل هذا الفرح الذي زرعته لتحصد كل هذا الألم؟! ما كنتَ سيِّئا يا مامي ما كنتَ وماكنتَ لازلت جميلا يا مامي طفلا نسيت أن تكبر يا مامي·· داهمك العام الماضي· نبوءة الطفل كبوة الأمير :عبد الرزاق بوكبة لم يمنعني صغري من إدراك أنه الصوتُ الأميرُ الذي سيتربع على إمارة الأغنية الجزائرية، وهذا الذي كان فعلا، لذلك فقد أصبحت أسمع ''الشاب مامي'' اليوم بنكهتين·· نكهة الاستمتاع بفواكه صوته وأغانيه·· وهي فواكه باتت عابرة للقارات، ونكهة الاستمتاع بنبوءة الطفل الذي كنتُه·· وأكثر ما لفت انتباهي في تجربة ''الأمير'' أنه أحدث تحولا كبيرا في شخصيته الفنية، بالمقارنة مع البدايات·· حيث لا زلت أذكر حضوره الأول في الشاشة·· بسيطا·· في المظهر والمواكبة لجديد الموسيقى والأشياء·· ليصبح اليوم حساسية فنية قائمة بذاتها·· لقد أراد مامي أن يصبح أميرا في الأغنية الجزائرية فكان له ذلك·· لا أحد ينكر أن أغانيه ما زالت تشكل الحدث وتستقطب الآذان والقلوب، وإنني أجدني الآن في حرج كبير: أية دعوة يمكن أن أطلقها بخصوص وضعه؟·· هل أقول أطلقوا سراحه لأنه ليس شخصا عاديا؟·· فعلا مامي ليس شخصا عاديا· السجن ليس عارا :عبد الله الهامل من حي (بوخرص) الشعبي بولاية سعيدة، خرج إلى العالم بصوته القوي، الصوت الطفولي المسكون بأشجان الراي بكل ما فيها من آلام وأفراح ولوعة ·· الراي لغة الهامش، هامش اللذة المحرمة، والحب المعنف والعنيف ·· ما لا يعرفه الناس عن مامي أنه قضى فترة الخدمة الوطنية، مباشرة بعد نجاحه في حصة (ألحان وشباب)، بمدينة تندوف، ولا يزال البعض بهذه المدينة يتذكر عبوره من هناك، وخاصة بالمركز الثقافي الذي كان يسمى آنذاك (الفاج) وبه غنّى وصدح بصوته· مامي، ومن سجنه لا تزال سعيدة بعيدة، والأغنية التي لم يغنها بعد، لا تزال خاما في رأسه وفي روحه·· والسجن لم يكن عارا، ولن يكون في عرف الرايويين، السجن تجربة إنسانية كذلك، مثلما هو الخطأ تجربة إنسانية، وفي الراي الحقيقي كانت المرأة دائما هي أصل الحكاية·· وفي حكاية مامي هناك امرأة·· سيغني حكايتها مامي بعد خروجه من خلف القضبان· السجن أحب إليه مما ··! : عمار يزلي للمرة الألف، نقول أن مامي، ضحية مواقفه وضحية نزاهته أكثر من أية ضحية أخرى ملفقة ومعبأة بعباءة أخلاقية·· في بلاد أقل ما يمكن أن يعني عنده ''حسن الخلق''! مامي، كما أعرفه، أو كما عرفته منذ أن كان شابا يافعا، خجولا، لا يقوى حتى على التحديق في وجه محدثه، ، بقي ذلك الطفل البدوي المسكون بالعروبية وبريح سعيدة (بعيدة)··، لم يقبل أن يبقى سجين المتعهدين ورجال المال والأعمال الذين يشتغلون للسياسة أكثر ما يتاجرون بالفن!·· ولهذه الأسباب، سقط مامي·· فيما لم يسقط الآخرون! هذا نظريا وافتراضيا، لكن الواقع أن السقوط، هو سقوط الآخرين·· فيما بقي مامي شامخا من داخل غياهب السجن لأنه اختار الحرية والانعتاق باختياره السجن! لنجهر بقلنا: لا لبقاء مامي في السجن كأي مجرم··! السجن أحب إليه·· وسوف يخرج منه نجما بريئا، ''مذنبا''·· أكبر من ''مذنب هالي''·· ومن أي نجم في الأعالي! مامي·· هذه الأيقونة الغنائية :الحبيب السائح الشاب مامي لم يكن قد عاد شابا منذ اخترق الحدود· فقد صار، في أوج عطائه الفني، أيقونة غنائية ضمن جدارية الفن الغنائي العالمي· وكان لا مفر له من أن يدفع ثمن جنايته· وهو يخضع لذلك بأحد سجون فرنسا· إنه، نظرا إلى لحظات الفرح والنشوة والاغتباط التي صنعها لمحبيه وغيرهم في الجزائر وفي العالم بقاراته الخمس، أصبح في وضع أن يطلب الآن أن يتم تذكره، أن يتم الاستماع إلى صوته الآخر، الذي يتردد داخل زنزانته في عزلة كابسة، أن يأتيه رجع صدى أغانيه من أصوات الملايين في شكل رسائل على صفحات الجرائد وعبر شبكة الأنترنيت· ذلك أقل ديْن على محبيه أن يؤدوه تجاهه· وذلك أبسط واجب من المثقفين والفنانين تجاه فنان موهوب لمواساته في محنته· يكفي أن نتذكر أن محمد خليفاتي، مامي، هذا الفنان الجزائري الساحر، خرج من غياهب الزمن ليشق للملايين بصوته المتفرد طريقا إلى الحلم والفرح والحب· لست وحدك :احميدة عياشي عزيزي مامي··· أكتب إليك وعنك وأنت وراء القضبان هناك·· أتذكر حنجرتك، صفاءك الطفولي، طهرك الفياض الذي جعلك تنفذ إلى أعماقنا وتتغلغل كالصوت الهادر الشفاف في مغاور روحنا·· كنت نجمتنا في تلك السماء المتزاحمة النجوم، كنت قمرنا في ذلك الليل الداجي، حيث صمتت الأصوات، واختفت الأغاريد وجنحت الشحارير نحو غابة السكوت وأدغال الخوف·· لقد جررت جرّا إلى الخطيئة·· لم تكن النية بالطبع طيبة·· وحتى وإن كنت سقطت في الفخ الذي نُصب لك، فحنجرتك ظلت سامية ومتشامخة وقوية وفياضة وكالسرمد ظلت تسكننا جميعا·· كنت الخطوة النوعية التي تجلت بها أغنية الراي، وكنت الرمز الفصيح والدلالة البلاغية للنجاح يا ابن سعيدة الجميلة·· لست وحدك يا ابن بلدي وإن كنت هناك وحدك·· لست وحدك في حزنك ووحدتك·· نحن معك·· نحن مع كل البراءة التي فجرتها فينا، نحن مع كل ذلك الصفاء الذي أثارته فينا حنجرتك وروحك المبدعة يا مامي·· نحن نحبك يا مامي·· لماذا نحاول أن ننساه؟!·· : سمير قسيمي لا يتعلق الأمر بإعادة محاكمة مامي، بتجريمه أو بتبرئته، إنما بوقفة يستحقها سفير الفن الجزائري بامتياز.. وقفة اعتراف لحر قابع في سجون فرنسا.. وقفة لتذكر هذا الذي لسجنه تحاول ''الأيادي الوسخة'' أن تجعلنا ننساه، وكأن لأحدنا القدرة على ذلك. رغم أنني لا أميل ل''الراي'' ولا أحبه، إلا أنني لا أنكر أنه جزء من فننا الأصيل، كما لا يمكنني أن أنكر فضل مامي في نقل صوتنا من خلال ''الراي'' إلى كل أصقاع العالم، في وقت كان الواحد منا لا يسمع حتى صوته، لذلك قلت أنه سفير الفن الجزائري بامتياز، فإن لم يشفع له شيء عند ذاكرتنا، المطياعة للنسيان، فلتشفع له عندها سفارته تلك.. ألم نكن قبل عام فقط نفخر أنه جزائري.. نفخر أنه منا، ونحلم أن نصيب فقط عشرا من حظه وحب الناس له، فلماذا إذن نحاول اليوم أن نغرق ذاكرتنا بنسيانه ونحاول من غير جدوى أن نلعن أيام حبنا له.. وكأننا نقدر حقا على ذلك. ثمن النجاح :عادل صياد أمام الشنائع التي ارتكبها صنّاع الرأي والذوق في فرنسا والتي كانت العدالة الفرنسية تجد لها المخارج والفتاوى المناسبة، فإن ما يتعرض له مامي هو نوع من الأخذ بالثأر والتحرش برمز فني جزائري لم ينصهر في فرنسا، وظل قلبه خافقا بحب وطنه وانتمائه له· ورغم اعتراف مامي ببعض ما نسب إليه من تهم على أمل الحصول على الإفراج المشروط، أو في أسوأ الأحوال، السجن مع وقف التنفيذ، على اعتبار القضية قابلة للحلول بالتراضي، إلا أن العدالة الفرنسية أصرّت على معاملة مامي كأي شاب منحرف، ولعلّ ما تناقلته إحدى الصحف الفرنسية التي تسللت إلى زنزانته وأخذت له صورة وهو يغطّ في النوم إلا دليل على التحرّش الموصوف بهذا الفنان الجزائري الكبير· ورغم كل شيء، سيبقى مامي شامخا في أذهان كل محبيه ليس في الجزائر فحسب، بل في كل العالم، لأنه لم يكذب، وتحمّل مسؤولياته كاملة في قول الحقيقة والإعتذار عما بدر منه في لحظة يأس· حان الوقت :بشير مفتي يبدو الأمر مستغربا بالنسبة للفنان الجزائري الشاب مامي وللصمت المدهش من طرف النخبة في الغرب التي لم تجد للفنان أي عذر أو تفهم، أقول هذا الكلام مع الاعتراف بأنني كأي معجب بصوته ومتابع لتألقه العالمي في الغناء، قد صدمت بما اقترفه أو بما جرى له، وبما أوقعته فيه شهرته من مأزق لا أجد له من جهتي أي تبرير أخلاقي أو منطق عقلي أفهمه به، إلا أنه كان ضحية لوضعيته كفنان كبير يمتلك سلطة ما أغرته أو أنسته الأشياء الأساسية التي يقوم عليها أي فن عظيم وهو احترام الإنسان أولا وقبل كل شيء· ومع ذلك هل نصمت ككتاب جزائريين على سجن هذا الفنان الجزائري العالمي الشهرة العبقري الصوت؟ هل نقبل بأن يبقى في زنزانته الآن يدفع ضريبة شهرته قبل خطأه؟ لقد غاب صوت مامي عنا منذ فترة هي فترة سجنه، ولا أخفي بأنني أشعر بحزن لصاحب تلك الحنجرة الذهبية· لقد تعلم مامي الدرس بالتأكيد، وحان الوقت للضغط من أجل إطلاق سراحه· يا ذا المرسم عيد لي ما كان : الخير شوار عندما اضطرته الظروف الأمنية للهجرة نحو فرنسا وكان يغني في الدول المجاورة أغنية مأخوذة من لحن الأغنية الشعبية الشهيرة ''قولوا لشهلة لعيان''، ليقول: ''بلادي هي الجزائر·· وعليها راني حاير·· ورجعت نروح لها زاير''، ولا يستطيع التحكم في دموعه ومعها تنسكب دموع الجزائريين المستمعين له· وتحيل صورته تلك بدورها إلى صور مأخوذة من ثمانينيات القرن الماضي، أولاها تلك التي كان عليها الطفل المسمى محمد خليفاتي وهو يصارع خجله ليتقدم أوركسترا برنامج ''ألحان وشباب'' وهو يعني ''يا ذا المرسم عيد لي ما كان''، وفي الوقت الذي برز فيه كمطرب ''ملتزم'' وفق الثقافة الرسمية لذلك الوقت، يختفي الفنان الطفل محمد خليفاتي إلى الأبد، ويظهر من خلال ملامحه وب''لوك'' جديد مطرب رايوي متمرد اسمه ''الشاب مامي'' يغني تارة وحده ''سهران غير وحدي'' وتارة مع الشابة الزهوانية ''باليمين''، وسرعان ما اكتسح الساحة ونافس أباطرة الراي·