لا يزال شبح الاختناق بالغاز داخل المنازل قائما في الجزائر، فمع بداية كل موسم شتاء تكثر حوادثه، حيث تحصد الأجهزة الكهرومنزلية مئات الأرواح· وإن كان الموت واحد فإن أسبابه متعددة، تتأرجح بين غياب التهوئة والاستعمال الخاطئ للتجهيزات، أو ذلك ''البريكول'' لأصحاب المقاولات الخاصة وعدم تحليهم بروح المسؤولية عند تجهيز المنازل بغاز المدينة، وغالبا ما تحدث تسربات تؤدي إلى حوادث مأساوية، خاصة فيما يتعلق أدوات التدفئة وتسخين المياه· عندما يتحول الغاز من نعمة إلى نقمة هذه المرة كان الدور ل ''ليلى'' شقيقة مناصر شباب بلوزداد الوفي المعروف ب ''حسين ياماه'' الذي اغتالته أيادي الإرهاب خلال العشرية السوداء، ''ليلى'' توفيت يوم الخميس الماضي اختناقا بالغاز الذي تسرب عن طريق أداة تسخين المياه وهذا عن عمر يناهز 53 سنة، تاركة وراءها فراغا رهيبا لدى أفراد عائلتها وأحبابها، خاصة زوجها الذي كان معها بالمنزل أثناء الحادث وتعرض هو الآخر للاختناق وفقد الوعي لكن لحسن الحظ نجا..· ''الجزائر نيوز'' تنقلت إلى بيت المرحومة الكائن بحي ''الكونفور'' بالمدنية (العاصمة)، استقبلنا الزوج والابن الأكبر اللذان لا يزالان تحت تأثير الصدمة والفاجعة التي حلت بهم في لحظة غفلة، بحيث سردا علينا وقائع الحادثة الأليمة التي أفقدتهم الزوجة والأم الغالية، ففي حدود الساعة الثانية عشر قام الزوج المدعو ''كركوش'' وهو عامل بجريدة الهداف بالاتصال بزوجته من أجل إبلاغها بأنه قادم لتناول الغذاء فأخبرته المرحومة أنها طبخت ''الدوارة'' وأن أولادهما رابح وأمينة تناولا الغذاء وذهبا إلى الدراسة، وعند وصول الزوج إلى بيته الموجود بقبو العمارة رقم ,91 وعند دخوله وجد زوجته تستحم فتنقل هو إلى غرفة الجلوس لمشاهدة التلفاز في انتظارها، لكن عند خروجها من الحمام أخبرته بأنها تشعر بدوار ودخل هو الآخر من أجل الاستحمام، وعندها نادى عليها عدة مرات لكنها لم تجبه وعند خروجه من الحمام بحث عنها في أرجاء المنزل ووجدها أخيرا ملقاة على الأرض بالمرحاض فاقدة الوعي تماما، فقام بسحبها إلى غرفة النوم من أجل وضعها على السرير، لكنه لم يستطع حملها كونه هو الآخر كان يختنق بفعل الغاز المتسرب دون أن يشعرا وفقد الوعي هو الآخر وكان ذلك في حدود الثالثة ونصف بعد الزوال· بعد 20 يوما من الغياب شقيق ''ليلى'' يزورها ويحضر الفاجعة يوم الخميس على الساعة الرابعة ونصف مساء توجه شقيق ''ليلى'' من أجل زيارتها ودفعه إلى ذلك الشوق إليها، كونه لم يرها مدة 20 يوما، وصل إلى المنزل وقرع الباب مطولا لكن ليلى لم تفتح الباب، بعد ذلك اتصل بها وبزوجها هاتفيا، لكن لا أحد رد عليه وعندها ظن أن أخته عند أم زوجها بالطابق العلوي بنفس العمارة، تنقل للبحث عنها لكنه لم يعثر عليها، وأمام المنزل جلس على الأدراج في انتظار عودتها بعد أن افترض أنها في بيت العائلة ببلكور، في ذلك الوقت وصل رابح ابن أخته الأكبر صاحب 17 ربيعا، أخرج المفتاح من جيبه وحاول فتح الباب لكنه لم يتمكن كونه كان مقفلا من الداخل وبعدما راوده الشك حاول الدخول من النافدة وعندها شاهد والديه ملقين على الأرض قام بكسر النافذة وبعد دخوله اشتم رائحة قوية للغاز وكانت والدته لا تتنفس ووالده يصدر صوتا، فحاول رفع رأسه لكنه لم يتمكن فأسرع بفتح الباب لخاله الذي حاول هو الآخر إسعاف شقيقته كونه على معرفة بالإسعافات الأولية في مثل هذه الحالات، لأنه من رجال الحماية المدنية ويعمل بمسبح، فبواسطة الليمون الذي وضعه على أنفها عادت لحظة إلى وعيها وأمسكت بشقيقها ثم خرج من فمها ماء بني اللون وفقدت وعيها مرة أخرى، ليتم نقلهما مباشرة بعد حضور الإسعاف إلى مستشفى مصطفى باشا، حيث أدخلا الإنعاش وكانت ليلى قد توفيت كونها لم تتحمل باعتبارها مصابة بمرض في القلب، ارتفاع الضغط والسكري، أما زوجها فقد تم إسعافه وغادر المستشفى صبيحة يوم الجمعة بعدما أخبروه بأن ''ليلى'' زوجته فارقت الحياة وسيتم دفنها في ذلك اليوم، وكم كانت الفاجعة كبيرة بعدما أخبروه سابقا بأنها في حالة جيدة ونقلت من أجل مراقبة ارتفاع نسبة السكر في دمها· ''ليلى'' كانت في انتظار أبنائها من أجل الذهاب لرؤية أختها القادمة من العلمة عيون تدمع وحزن كبير خيم على عائلة ''ليلى'' التي تسكن ببلوزداد، بعد يومين من فراقها تقول شقيقتها أنها قدمت من ولاية سطيف حيث تسكن، وفي اليوم المشؤوم كانت ليلى آتية من أجل رؤيتها رفقة ابنها رابح وأمينة التي تبلغ من العمر 13 سنة، لكن القدر لم يشأ ذلك فهذه الأخيرة لم تكن بالمنزل وعند وصولها أخبروها بالذهاب مباشرة إلى المستشفى لأن ''ليلى'' وزوجها هناك، وبسرعة كبيرة قصدت المستشفى ووجدت أختها جثة هامدة وكل العائلة متواجدة هناك، وكم كانت حسرتها كبيرة على فراق أختها التي عاشت حياة صعبة في قبو لا يصلح للسكن في ظروف جد مزرية تصارع الظروف رفقة زوجها، في انتظار أن يستفيدا من مسكن لائق يريحهما، لكن الموت كان أسبق. ويقول شقيقها أنه عاش أسوأ لحظتين في حياته يوم قتل أخوه ''حسين ياماها'' ويوم وفاة أخته ليلى التي كانت ضحية من ضحايا هذا المجتمع الذي حرمنا من حقوقنا كجزائريين· ------------------------ الاختناق بالغاز··· أو عندما يغرق الضحايا في نوم أبدي تحصي الجزائر سنويا مصرع نحو 120 شخص بسبب الاختناق بالغاز وانبعاث غاز أحادي أوكسيد الكربون، فخلال العام الماضي، أحصت مصالح الحماية المدنية 218 شخص لم يستفيقوا من موتهم العميق بسبب تسرب الغاز، والكثير منهم لم يكشف أمرهم إلا بعد مرور بضعة أيام فقط، ومنذ بداية العام سجلت مصالح الحماية المدنية عبر مختلف ولايات الوطن 23 تدخلا تتعلق بتسربات للغاز، وتم تسجيل ثلاث حالات وفاة بسبب الاختناق بالغاز · شرعت الشركة الوطنية للكهرباء والغاز ''سونلغاز'' في حملة وطنية للوقاية من حوادث الاختناق بالغاز بالتوازي مع حلول فصل الشتاء الذي يبدو أنه سيكون قارسا، وبسبب الارتفاع المذهل لعدد حالات الوفيات بسبب انبعاث غاز أحادي أكسيد الكربون من المدفئات بسبب الغش في الأجهزة الكهرومنزلية، واستفحال ظاهرة التقليد، فخلال العام الماضي حجزت مصالح الجمارك العشرات من الأجهزة الكهرومنزلية ممثلة في المدافئ المقلدة، التي يقف وراءها بعض بارونات الاستيراد، بالإضافة إلى بعض مسخنات الماء المقلدة أيضا، والتي غالبا ما تفتقد لوسائل التهوية أو عدم القيام بأشغال تجهيز المنازل بوسائل التهوية وغياب مخارج التهوية· ثلاث حالات وفاة هذا العام وشقيقة ''ياماها'' آخر الضحايا أحصت مصالح الحماية المدنية ثلاث حالات وفاة اختناقا بالغاز منذ بداية العام الجاري، من بينها حالة وفاة بتيزي وزو وأخرى بولاية أم البواقي، والحالة الأخيرة تم تسجيلها بالعاصمة ممثلة في شقيقة المناصر السابق لشباب بلوزداد ''ياماها''، وبالرغم من أننا في بداية العام، إلا أن مصالح الحماية المدنية سجلت عبر مختلف ولايات الوطن 23 تدخلا ، بعض الحالات كانت خطيرة واستدعت الرعاية الطبية المركزة للجرحى والمصابين· وخلال العام الماضي، سجلت مصالح الحماية المدنية رقما مذهلا، حيث توفي حوالي 218 شخص من خلال 514 تدخل، وقد سجلت أثقل حصيلة بين شهر جانفي ومارس، حيث أحصت مصالح الحماية المدنية ما يناهز 176 حالة وفاة وحوالي 312 تدخل، وقد سجلت أعلى نسبة في صفوف النساء، إذ شكلت النساء حوالي 60 بالمائة، أما الأطفال فتشكل نسبتهم حوالي 24 بالمائة· عندما يغرق المواطنون في نوم عميق ترجع أسباب الاختناق بالغاز بصفة رئيسية بالغاز إلى نقص التهوية في المنازل، وغياب التنظيمات والمعايير القانونية اللازمة في عمليات التهوية، خاصة في المطابخ أو الحمامات، ومع انبعاث الغازات المحترقة التي تملأ كل المنزل، لا يستيقظ النائمون، بل سيواصلون نومهم العميق، وغالبا ما يستمر هذا النوم لمدة تفوق ثلاثة أيام، حتى يكتشف المواطنون أمرهم، مثال على ذلك وفاة صحفية جزائرية خلال العام الماضي رفقة طفليها في الحمام، ولم يتم اكتشاف أمرها إلا بعد مرور 24 ساعة كاملة، وتنبعث هذه الغازات من منتوجات لمصانع تحمل علامات تجارية عالمية مقلدة تسوق عبر مناطق معروفة كالحميز والرويبة وبراقي·