لم يكن التصريح الذي أدلى به الدكتور مصطفى الفقي رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشعب، (والمدير السابق لمكتب الرئيس مبارك للمعلومات)، يوم الثلاثاء بتاريخ 12 جانفي الماضي، للمصري اليوم ضمن سلسلة الحوارات التي تجريها الصحيفة حول مستقبل الحكم في مصر، لم يكن ليمر دون أن يثير جدلا واسعا في الأوساط السياسية والإعلامية بشكل غير مسبوق، ذلك لأن الحوار المطول الذي أجراه الفقي مع الصحفي محمود مسلم، كان سيعتبر عاديا وخاضعا للتحليل السياسي العادي ككافة الحوارات التي أجريت ضمن ذات السلسلة، لولا تلك العبارة التي صكها بقصد أو دونه بين متون الحديث، معتقدا أنها قد تمر دون توقف· تلك العبارة المتعلقة بمستقبل الحكم، أو الرئيس المرتقب لمصر حيث قال: ''لا أعتقد أنه سيأتي رئيس لمصر وعليه فيتو أمريكي أو اعتراض إسرائيلي للأسف''! وهي العبارة التي لم تكن لتمر أمام العين المدققة لشخصية مثل محمد حسنين هيكل، الذي كاتب ''المصري اليوم'' بعنوان ''شاهد ملك'' طارحا أسئلة ضرورية حول مقولة الفقي، ومؤكدا في الوقت ذاته على أن تلك العبارة جملة كاملة، وجملة معبرة، وجملة مسؤولة بلا سهو أو خطأ باعتبار أن صاحبها يعلم ما يقول، ويقول ما يعلم، فقد تولى منصبا رفيعا في الرئاسة لسنوات طويلة وهو منصب سكرتير الرئيس للمعلومات ثم إنه تصدر لمهمة كبيرة لايزال عليها، وهي رئاسة لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشعب القائم''! حسب قوله· وبطريقة محترفة لتطويع السياسي لصالح المهني من الأسئلة، قال هيكل في رسالته: ''إن أسئلتي ليست سياسية، وإنما مهنية، فأنت تعرف كما أعرف أن أركان الموضوع في أي خبر لا تستوفي حقها إلا أن تجيب عن أسئلة ضرورية لاستيفاء عناصره، فهناك فيما أورده الدكتور مصطفى الفقي ''خبر كبير''، وفي حين أكد أن الفقي قد أجاب عن سؤال واحد من أسئلة الخبر، وهو السؤال ب: ماذا، أي ماذا حدث، وقد لخصه عنوان ''إن اختيار الرئيس القادم في مصر يحتاج إلى موافقة أمريكا وعدم اعتراض إسرائيل''· لكن حق المهنة وواجبها يستدعي بقية من أسئلة لابد لها من الإجابة عليها حتى يستوفي الخبر أركانه· هناك السؤال عن: متى؟ (أي متى وقع الخبر؟ ومتى أصبح اختيار الرئيس في مصر بموافقة أمريكية، وعدم اعتراض إسرائيل؟!)· وهناك السؤال عن: كيف؟، وهناك السؤال عن: أين؟ وهناك السؤال عن: من؟، وهناك السؤال عن: لماذا؟، وأخيراً هناك السؤال عن: ثم ماذا؟! والملاحظة الأولى التي يمكن تسجيلها في رسالة هيكل أنه استخدم عنوان ''شاهد ملك'' وهو مصطلح قانوني، يعني ''الشخص الذى يعفى من جريمة اشترك فيها بالعلم أو بالفعل مقابل تقديم شهادته والاعتراف بالجريمة والإبلاغ عن باقي الجناة''· وبالتالي فهناك إشارة واضحة من الأستاذ ''هيكل'' إلى توافر عناصر خبر ما أو جريمة ما إن أردت، وأن أحد أطرافها الفقي نفسه باعتباره مسؤولا سابقا بالرئاسة، ثم رئيساً قائما للجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان الحالي، وهو الوصف الذي دفع ''الفقي'' إلى التعقيب فورا بالقول ''إنني تركت موقعي في مؤسسة الرئاسة منذ ثمانية عشر عاماً، وبذلك فلست، بأي حال من الأحوال، مصدراً لمعلومات أو أخبار عنها، كما أن موقعي الآن هو دور برلماني، ولا يتجاوز ذلك، لهذا فلست أنا ''شاهد ملك'' ولا ''شاهد رئيس'' في وضعي الحاي! حسب قوله· مبررا أن كل ما قاله لم يكن ناتج معلومات أو أخبار قطعية بقدر ما هو ''تحليل سياسي '' لأستاذ جامعي وأكاديمي متابع للشأن العام· والواقع أن الأزمة التي تلاحقت بعد أن رمى شرارتها ''الأستاذ'' وأصبحت يوما إثر آخر تكبر كلما تدحرجت ككرة الثلج تماما·· قد كشفت عن صراع على مستويات أخرى حتى داخل تيارات الحزب الوطني التي ترى في ''الفقي'' أنه ''متهور وصريح أكثر مما ينبغي'' وأنه يجر عليها وبال الغضب الشعبي عبر تصريحات غير مسؤولة، حسب رأيها·