لماذا مصير كل جذوة متقدة هو الموت في أي لحظة بقطرة ماء آسن؟ ففي كل عام تمر ذكرى وفاتها في إغماضة عين من الصحافة و الأصدقاء، في كل عام تمر ذكرى جنازتها الباهتة وتتكرر حكاية الموكب الجنائزي ''في أواخر شهر جانفي سنة 1989'' وفي صباح رصاصي ممطر ومهيب إستقبلت مدينة عين الصفرة نعش الكاتبة والصحفية صافية كتو أو بالأحرى زهرة رابحي إسمها الحقيقي كان الموكب محدودا وإذ ذاك حان موعد الدفن فكثرت وشوشات وغمغم النزر القليل من الحضو بأصوات غير مفهومة و ما إنفكت أن تحولت الى لغط وجدال وصل بالبعض الى الدعوة الى عدم الصلاة عليها وكادت الشاعرة ألا تدفن وألا يعرف لها قبر وشاهدة· هذه الواقعة ذكرتني بحادثة وقعت قبل قرنين من الآن للشاعر العظيم إدغار آلن بو حيث إستغرق وقت جنازته ثلاث دقائق! بعد 200 عام إستفاقت أمريكا هذه السنة لتعيد مراسم دفن تليق بالشاعر الذي مات من شدة البرد طريدا شريدا في شوراعها· لم تكن الطريقة التي دفنت بها صافية كتو في أحداثها'' الجنائزية المؤلمة'' بعيدة عن ما عانته في حياتها جراء نضالها كصحفية شرسة وشاعرة وقاصة فالمرأة كانت تمثل معادلة نسوية في الساحة الأدبية الجزائرية على تلك الخمرية ذات الشعر الفحمي الأتية من عمق مدينة تحفها الكثبان مدينة عين الصفراء·· ذلك المكان الذي شكل التناقض بين الحب والألم في غربتها المستعصية كما في أشعار الإسباني بيثنتي ألكسندري فلطالما كانت مدينة عين الصفراء مبعث فخرو إعتزاز للشاعرة كأصل متجذر منذ الولادة· و بين المدينة العاصمة التي فتحت لها صدرها ووفرت لها حضورها الأدبي و إنطلاقتها في الحياة لكن وشائج المكان المتغير بين المدينة والريف لعبت على أوتار قيثار جعلته صديقا حميما فأهداها ذات يوم ألحانا من الفرح وأغنيات للحرية ووصف الوطن المشجى· كانت الشاعرة كتومة تعمل بصمت ولا يعرف عن أخبارها إلا النزر القليل الى غاية موتها سنة 1989 التي قال عنها الروائي واسني الأعرج:'' إن سقوط شاعرة بحجم صافية كتو ليس من السهل أن يمر علينا هكذا كسحابة صيف عابرة إنه يشكل إرهاصا لما حدث فيما بعد، تماما كما الكائنات البرية التي تتحسس عمق الأرض ترقبا لحدوث زلزال وشيك'' رحلت صافية كتو بالطريقة التي رحل بها عبد الله بوخالفة بعدها بسنة··· رحل عبد الله شاكري وبختي بن عودة ··· وهل من مؤرخ لهادية رجيمي الشاعرة التي إنطفأت ما أن كادت تشتعل فرحا؟