أظن أن تحرير المرأة يبدأ من تحرير المجتمع بأكمله، فالمجتمع العربي كله مستعبد الرجل والمرأة· الرجل مستعبد اقتصاديا وسياسيا· فالزوج يتعرض للإهانة في الخارج، اهانة نظام سياسي حرمه حقه حتى في الكلام واهانة نظام اقتصادي يعمل على تفقير الطبقة الوسطى أكثر فأكثر، وهذا الزوج نفسه يستعبد زوجته كنوع من إثبات الرجولة والفحولة المسلوبة خارج البيت، انه ظالم ومظلوم في الوقت نفسه· ولتوضيح هذه الفكرة نعود إلى ما كتبه الدكتور هشام شرابي ( 1927 ) 2005 - وخصوصا كتابه النظام الأبوي وإشكالية تخلف المجتمع العربي ، انه كتاب ومن خلال المفاهيم الموظفة يقدم وصفا وتحليلا مذهلا لإشكالية تخلف المجتمع العربي وكيف عملت الأبوية والأبوية المستحدثة على استعباد أفراد المجتمع ( رجال ونساء ) لصالح أب متعالي عن النقد والمحاسبة ممثلا في النظام السياسي بداية من رئيس الدولة إلى شيخ القبيلة إلى رب الأسرة، أبوية تضطهد المرأة في المستوى الأدنى للاضطهاد بوسائل جد ذكية لأنها قادرة على إعادة إنتاج نفسها بشكل لا مرئي حيث تعمل آليات الأبوية على جعل المرأة هي من تساهم في اضطهاد المرأة، الأم تقمع وعي ابنتها حين تشربها قيم الخضوع والتسليم بالمكتوب وتقديس الرجل ( الأب / الأخ / الزوج / الحمو) قائمة طويلة من الرجال الذين يجب أن تخضع لهم المرأة، هذه المرأة نفسها تكون في وضع المتسلط حين تبلغ مكانة معينة، تلك المكانة التي يوصلها إليها الزمن وليس قدراتها الذهنية ولا وضعها الاجتماعي، عندما تكون أما وحماة فهي تمارس قمعها وأبويتها بذهنية ذكورية لا معلن عنها على بناتها وزوجات أبناءها، من خلال قيامها بدور حارسة القيم ، قيم الشرف والأخلاق التي تستعبد المرأة باسمها ( ونتيجة هذا التوظيف الذكي لمبررات القمع من خلال ربط القمع بالمحافظة على الأخلاق والقيم النبيلة، يخضع له الأفراد دون قدرة ولا رغبة في التمرد عليه، لأن من يتمرد على الأخلاق والشرف وكل القيم النبيلة سيكون في نظر المجتمع مارقا وهي تهمة كفيلة بتحطيم حياة الإنسان العربي المسكون بحضور الجماعة بداخله)· فالمرأة على اعتبار أنها حاملة قيمة الشرف بالنسبة للعائلة والعشيرة تحمل مسؤولية حفظ الشرف، ونحن حين نقارب مفهوم الشرف نلاحظ فرقا مهما فيما يتصل بهذا المفهوم لدى كل من الرجل والمرأة، وهو أن الشرف قيمة معنوية بالنسبة للرجل يتمثل في النبل والشهامة والأخلاق القويمة في حين نجد أن الشرف يتجلى كقيمة مادية بالنسبة للمرأة تتمثل أساسا في عذريتها وهي بنت وفي فرجها عموما وهي امرأة· ازدواجية القيم، هذه هي آليات استعباد تنتج ويعاد إنتاجها عن طريق تلك الأبوية المحدثة التي تكلم عنها الراحل هشام شرابي · وقد أنتجت هذه الأبوية التي تتحكم في الواقع الاجتماعي والقيمي للمجتمع العربي مجموعة قيم مغلوطة يتم قبولها بتسليم سلبي من طرف أفراد المجتمع، حيث أن أهم ما يميز الفرد العربي في علاقته بالجماعة ( المجتمع ) هو غياب المعارضة كفعل تغييري اتجاه الواقع، إن عنصر المعارضة مفقود أيضا بسبب موانع ترجع إلى الشعور الجمعي، كالأخوّة الكاذبة، والتديّن التمظهراتي، والاتجاه الأخلاقاوي الساذج، والقائم على تقسيم الناس إلى فاعلين ومنفعلين وسادة ومسودين وفقا للرؤية الأبوية، سواء في المجال السياسي الذي يعتبر مثالا يحتدا بالنسبة للمجالات الأخرى، أو في المجالات الأدنى المقتدية بالمجال السياسي في تبني ممارسات قمعية و اقصائية اتجاه الأغلبية· ومن هنا فإن فقدان المعارضة الحقيقية على المستوى السياسي في هرم السلطة هو نتاج لغياب المعارضات داخل الأسرة، والاضطهاد السياسي الذي يعانيه أفراد المجتمع العربي بشتى إشكاله من خلال غلق المجال السياسي واحتكاره من طرف عصبة معينة، ما هو إلا انعكاس للاضطهاد الحاصل على المستويات الدنيا للممارسة /السياسية/ في الأسرة وفي مؤسسات التنشئة الاجتماعية التي تهمش المرأة (رغم استحضارها الدائم كديكور) وتسطح وعي الأفراد من خلال تشريبهم قيم الخضوع والتسليم بما يفرض عليهم وما يقدم لهم دون معارضة· وغياب المعارضة ناتج بالأساس عن غياب النقد، وهذا الغياب للوعي النقدي ناتج عن قصور العملية التربوية والتعليمية، فباعتبار المدرسة واحدة من المؤسسات الإيديولوجية للدولة ووسيلة هيمنة توظفها الفئات المهيمنة والمتسلطة، فإن التعليم قد ساهم ومن خلال مناهجه (المنتقاة بعناية) في تسطيح الوعي النقدي لدى أفراد المجتمع، لأن الوعي النقدي يعني أساسا انخراط الفرد في عمليات التحويل والتغيير في مجتمعه، من خلال تفكيك تلك القيم والمفاهيم المغلوطة واستبدالها بقيم ايجابية تساهم في رقي المجتمع دون إقصاء أو تهميش·