انعقد ايام 18 و19 و20 ماي 2016 في مستغانمالمدينة الساحلية الجميلة الواقعة في الشمال الغربي الجزائري الملتقى الدولي في التصوف تحت عنوان: دور المرجعية المحمدية في معالجة قضايا العصر، بدعوة من الاتحاد الوطني للزاويا الجزائرية الذي يرأسه الدكتور شعلال محمود عمر، وقد سبق للاتحاد ان دعا الى ملتقيات علمية آخرها ملتقى التصوف من الشيخ عبد القادر الجيلاني الى الامير عبد القادر الجزائري سنة 2014 يشارك في ملتقيات الاتحاد شيوخ الزوايا والطرق الصوفية المنتشرة في كل أرجاء الجزائر والتي شهدت انشطتها في السنوات الاخيرة حركية تمثلت في دعوتها الى ندوات ومؤتمرات وملتقيات تمحورت حول الحياة الروحية وأثرها في الحفاظ على الهوية والشخصية الجزائرية وذلك نظرا للدور الايجابي الذي لعبته هذه المؤسسات الاهلية ابان الهيمنة الاستعمارية التي عملت بكل ما اتويت على مسخ الشعب الجزائري وفرنسته وحتى تنصيره، وما استلزمه ذلك من محارية الاسلام واللغة العربية حيث منع الاستعمار بناء المساجد والمدارس فكانت الزوايا هي الملاذ الذي احتمى به أبناء الشعب الجزائري، اذ وجدوا فيها الرعاية والعناية الشاملة، فتخرجت منها اجيال من الحفاظ لكتاب الله العزيز المتمكنين من مبادئ اللغة العربية والثقافة الاسلامية بمختلف فروعها، واشتهرت بعض هذه الزوايا وذاع صيتها خصوصا تلك التي اشرف عليها شيوخ علماء، جمعوا لمرتادي هذه الزوايا بين التربية السلوكية والاخلاقية والتمكن من العلوم الشرعية في العقيدة والفقه والكتاب والسنة (مثل زاوية الشيخ محمد بالكبير في أدرار)... وكان خريجو هذه الزوايا بمنأى كامل عن التشدد والتعصب يجسدون السماحة والوسطية والاعتدال ولم ينخرطوا في حركات التطرف التي اجتاحت البلدان العربية والاسلامية، واكتوت بنيرانها الجزائر طيلة عشرية سوداء ذهب ضحيتها عشرات الالاف من ابناء وبنات الجزائر الابرياء، فطبيعي اليوم ان يقع الالتفات الى الزوايا والاستعانة بها من اجل نشر ثقافة التسامح والتعايش والتوازن والاعتدال، وطبيعي ان يستعان بها لسد الفراغ الذي تشهده الساحة الدينية... وفي هذا الاطار دعا الاتحاد الوطني للزوايا الجزائرية الى الملتقى الدولي للتصوف وكان محور هذا اللقاء: دور المرجعية المحمدية في معالجة قضايا وتحديات العصر وقد شاركت في اشغاله شخصيات علمية ودينية من مختلف البلدان العربية والاسلامية والبلدان التي توجد فيها جاليات مسلمة في اوروبا وآسيا وافريقيا، قدمت عروض كانت مشفوعة بمناقشات ثرية أكدت على ضرورة العودة الى المرجعية المحمدية باعتبارها المنبع الصافي الذي صلح به أول هذه الامة فهي العاصم من كل ضلال وانحراف وتحريف. اذ المرجعية المحمدية قوامها هذا الكتاب الخالد، حبل الله المتين القرآن الكريم، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، المحفوظ بعهد من الله سابق (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)، وقوامها السنة النبوية والسيرة والشمائل المحمدية العطرة التي في الاقتداء بها وجعلها أسوة حسنة تتحقق مرضاة الله ومحبته (قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) (ولكم في رسول الله اسوة حسنة)... *فالمرجعية المحمدية هي سلوك الصراط المستقيم (اهدنا الصراط المستقيم) الوارد في فاتحة الكتاب التي يتلوها المسلم في كل ركعة من ركعات صلاته المفروضة والنافلة (لا صلاة الا بفاتحة الكتاب) *المرجعية المحمدية هي التي بها تتجسم الوسطية التي أرادها الله لأمة الاسلام لتكون شاهدة على غيرها من بقية الامم (وكذلك جعلناكم امة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا) *المرجعية المحمدية هي التي تتحقق بها الخيرية الفضلية العملية الواردة في الاية الكريمة (كنتم خير أمة أخرجت للناس تامرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله) *المرجعية المحمدية أساسها وحجر الزاوية فيها الحب الخالص الذي لا تشوبه أية شائبة لمن ارسله الله للناس كافة بشيرا ونذيرا وسراجا منيرا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم القائل ربه في حقه (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)، والممتن به على عباده المؤمنين (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم) علاقة المسلم بالحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ليست مجرد اتباع واقتداء شكلي خال من كل روح والمسلم لا يتذوق حلاوة ايمانه إلا اذا كان الله ورسوله احب اليه مما سواهما، ولا يكون المسلم مسلما حقا الا متى كان الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم أحب اليه من ماله وولده ونفسه التي بين جنبيه (الآن آمنت يا عمر) *وهذه العلاقة الحميمية بين المسلم والحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام يقويها ويمتنها ما أمر الله به عباده مبتدأ بذاته العلية ومثنيا بملائكته من الصلاة والسلام عليه في كل آن وحين لا يفتر عنها اللسان حتى تتوقر في الجنان ويعمر بها ويطمئن (ان الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) *المرجعية المحمدية هي الدواء الشافي لعلل الامة وأمراضها وهي وحدها الكفيلة بحل كل القضايا والتحديات التي تواجه المسلمين في هذا العصر وبدونها يظل المسلمون يعانون ويلات التمزق والتنازع والاختلاف الذي وصل اليوم الى حد الاقتتال وسفك الدماء وإزهاق الارواح *المرجعية المحمدية في صفائها واشراقها وجمالها وكمالها هي التي ينبغي ان يتنادى اليها المسلمون ان كانوا جادين في الاصلاح وسلوك سبل الرشاد *المرجعية المحمدية هي سفينة النجاة فيها مرضاة الله الذي لا يقبل من الاعمال إلا ما كان خالصا لوجهه الكريم لا تشوبه أية شائبة من حظوظ النفس الامارة بالسوء *والصوفية الملتزمون بهذا المنهج هم دون سواهم من جعلوا من الاخلاص حجر الزاوية في كل ما يأتون وما يذرون (وما أمروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) (ألا لله الدين الخالص) (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا)، فعلى ايديهم ومن مشربهم العذب الصافي النقي السليم القويم يمكن ان يكون الخلاص (*) الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي، خبير في مجمع الفقه الاسلامي الدولي بجدة، مدير مجلة جوهر الإسلام البريد الإلكتروني: [email protected] الموقع الإلكتروني: www.mestaoui.tn