صورة من الأرشيف بعد توزيع الاستبيان على تلاميذ 05 ثانويات و03 متوسطات، من طرف مركز الجلفة انفو للدراسات بالتعاون مع جمعية الإبداع الشباني حول ظاهرة الغش المدرسي، بحيث لم يتم التركيز -قصدا - على التفرقة بين الجنسين وبين مختلف المستويات والأقسام لمعالجة الظاهرة عموما، تم استرجاع 496 استمارة قابلة للاستغلال، وبعد استخدام برنامج الحزم الإحصائية للعلوم الاجتماعية "SPSS" وتفريغ البيانات تم التوصل إلى النتائج التالية: - بخصوص التفكير في الغش لدى التلاميذ، أظهرت النتائج أن نسبة 37% من التلاميذ فكروا في الغش أحيانا بينما يلجأ الى هذا التفكير قرابة 20%، في حين يتساوى نسبة من لم يفكر أصلا وبين من يفكر فيه نادرا ب 20% بينما امتنع حوالي 3% المتبقون عن الإجابة على هذا السؤال. التفكير في استخدام الغش وفي هذا دلالة صريحة بأن مجموع من لا يمانع –ولو على مستوى الفكر- اللجوء الى ظاهرة الغش يشكلون غالبية معتبرة، أي أن 77% من التلاميذ يفكرون ولو نادرا على الاقل في الغش، و 57% يفكرون في استخدامه أحيانا وغالبا، وهي نتائج تنبؤ عن تفشي الظاهرة واستصاغتها لدى التلاميذ، بل واعتبارها فكرة غير مستبعدة في ترتيب أولوياتهم في النجاح. - وعن سبب الغش، ترى 30.4% بأن عدم المراجعة هي من يبرر للتلميذ الغش، بينما ترى 25.6% منهم بأن التلميذ يلجأ الى الغش لأنه يرى الجميع يغشون، في حين ترى 23.2% منهم بأن الغش يوفر عنهم التعب الذي ترتبه المراجعة والمثابرة، ليعتبر 19.6% منهم سبب الغش مرتبط بعدم فهم التلميذ الدروس والواجبات المطلوبة منه. وفي هذه النتائج دلالة على ان أغلب الأسباب التي تقاسمت آراء التلاميذ هي أسباب ذاتية تتعلق بالتلميذ وجهده لذلك يصوغ لنفسه اللجوء الى الغش، فهو إمّا لم يراجع وإمّا يقلد الغشاشين ويتأثر بهم، أو لا يريد أن يبذل جهدا في المراجعة، وبدرجة أقل لم يبذل جهدا في فهم دروسه، وبالتالي لا يوجد مبرر موضوعي واحد يضطر التلميذ الى الغش، بمعنى أنه يغش بإرادته وباختياره. - وعن نظرة الأسرة للغش، أجمع 45.8% من مجموع المبحوثين على احتقار أسرهم للغش بل إن 23.8 % آخرون اعتبروا الامر جريمة بالنسبة لأسرهم، بما يفيد أن حوالي 70% من الاسر تستهجن الظاهرة في مقابل 22% تتعامل معها باللامبالاة وعدم الاهتمام، بينما يقرّ 8.2% من التلاميذ أن أسرهم تشجعهم على إستخدام الغش. وفي هذا دلالة على أن أعراض هذا المرض حديثة وليست متجذرة في مجتمعنا، وهو ما يبرر الاستنكار العام لسابقة 2007 المشؤومة. - لكنه وبالنظر الى استفحال الظاهرة مثلما وضحنا في بداية التحليل فإن التلاميذ أصبحوا يرون بأن الغش أمر عادي بغالبية 48.2% بل إن قرابة 16 % منهم يعتبره حقا مكتسبا لهم، أي أن مجموع يفوق 64% من التلاميذ لا يستهجنون الغش بل يؤصلون له، في مقابل نسبة 34% تعتبره سلوكا شاذا وأمرا غير مقبول. * وما يثير الانتباه ويستوجب النفير العام من طرف إدارة الامتحانات نتائج الاستبيان التي أوضحت أن غالبية عظمى، أي حوالي 78% من مجموع الاجابات أجمعت أن أغلب الحراس في الامتحانات يساهمون في الظاهرة، إمّا بشكل متعمد بنسبة 26%، أو بعدم مبالاتهم بالموضوع بنسبة 52% وعدم بذلهم عناية المراقبة بتوفير الجو الملائم للامتحان للتلاميذ الجادين والتخلي عن مسؤولياتهم أمام الله والتاريخ والأمة، ليكونوا جزء من الحدث –حدث الغش- أو صامّي آذانهم عما يحدث في عهدتهم وبحضورهم، وهي نسبة تفوق نصف العينة بما يدق ناقوس الخطر، ويآزر الحملة التي شنتها السلطات على شبكات الغش والمتاجرة بأبنائها، دون أن ننسى الفئة القليلة المخلصة والتي أشار إليها 21.2% من مجموع التلاميذ، التي تحارب الظاهرة ولم ترض أن تتواطئ على مستقبل أبنائنا وقيمة العلم والوطن. * - ورغم ما أوردنا من أرقام مذهلة، فإن نسبة 53.2% التي عبّرت عن ندمها عن ممارسة الغش تعتبر شريحة مهمة ومؤشرا جادا، حيث أن الأمر لم يتفلت كليا من أيدينا، وأنه باستطاعتنا كتلاميذ وأولياء وأساتذة وإدارة تدارك الكارثة والعودة بأمور الامتحانات الى نصابها المنطقي، خاصة وأن نسبة 34.9 % فقط هي من أصرّت على عدم الندم ومواصلة الغش وهي شريحة يمكن استرجاعها وضمّها الى صف الإنضباط إذا ما وجدت إرادة جادة لدى مختلف الشركاء في هذا المنحى، لأن قرابة 77% من التلاميذ يحاول التكفير عن ذنبه في مسألة الغش، إمّا بمحاربة الغش أو بمضاعفة الجهد، أو على الأقل طلب العفو ممن غشّ وخان. وبتحليل الجداول المتقاطعة لأبعاد الظاهرة تتجلى لنا حقائق معتبرة أخرى، أهمها : 1- إنّ حوالي 57% ممن يفكرون في اللجوء الى الغش "غالبا أو أحيانا" يلجؤون إلى هذا التفكير بسبب استسهال النجاح وعدم التعب (60%)، وعدم المراجعة (قرابة 50%)، واستصحابا لقاعدة إذا عمت خفت لدى (50%) منهم أي "أني مثل زملائي الذين يغشون". 2- أن حوالي 57% ممن يفكرون في اللجوء الى الغش "غالبا وأحيانا" يفعلون ذلك خلسة عن أسرهم، الغائبة عن مراقبة أبنائهم لأن 50% منهم تحتقر الغش و 26% تجرّمه. 3- أن قرابة 70% ممن يقرّون بأن أسرهم تجرم الغش أو تحتقره على الأقل، يؤكدون على أن تلك الأسر لا تحرص على تهيئة المناخ الدراسي الملائم لنجاح أبنائهم، وذلك بنسب معتبرة (52.5%) لم يراجع، (36%) لم يفهم، (39%) لا يريد أن يتعب. وخلاصة ما يمكن التوصل إليه من نتائج من خلال ما تم عرضه باختصار، هو أن الظاهرة مستفحلة وهي بمثابة الورم الخبيث الذي طرأ على جسد الأمة، رغم عدم تجذره فيها، لكن مؤشرات الشفاء بأيدينا اذا أردنا إستئصاله، ونحن وحدنا المسؤولون عن تأجيل الفحص وتشخيص عللنا، سواء تعلق الأمر بتربية أبنائنا وتأثرهم السلبي بالعادات الدخيلة السيئة.. أو بالانضباط الإداري المطلوب من إدارة التربية بكل تفرعاتها، من مدير التربية الى كل مسؤول في مؤسساتنا التربوية.. أو بمستوى تحمّل المسؤولية من طرف أساتذتنا وكافة الطاقم التربوي الموكل إليه مسؤولية تقييم ومتابعة جهود أبنائنا.. أو من المجتمع المدني وأعيان المنطقة و"ولاد البلاد" – مثلما يحبذ بعضهم وصفهم بها – في الحفاظ على سلامة هذا الجسد التربوي، والرمز المقدس الذي يحمله "الطالب" سواء كان تلميذا أو مدرسا أو "الشيخ" سواء كان أستاذا أو مديرا، وعدم ترك هذا الوباء ينخر جسد الأمة والوطن ويفتح باباً لأطماع الكائدين بهذه الأمة، ويُسيل لعاب المتربصين بهذا الثغر المجيد.. أو من وسائل الإعلام لتضع يدها على الجرح الحقيقي للتعليم في منطقتنا وليس مجرد الأرقام ونسب النجاح.. أو من سلطات محلية وممثلي الشعب لتتبع مسيرة أبنائنا والانتقال من التكريمات الفلكلورية الى الأعمال الوقائية المستعجلة لانقاذ الموقف، ودعم الجهود الجادة للتغير الايجابي المنشود، وبزّ جيراننا بالمستوى الحقيقي لتعليمنا، وتقدير نجاحاته، ومعالجة إخفاقاته بحكمة وصرامة.. إلى كل هؤلاء نقول بصوت عالٍ : لننجح بشرف .. لنساهم معا في الرفع من نسبة النجاح الحقيقية..