قرأت عددا من مواضيع مجلة العربي الكويتية الصادرة في شهر أغسطس (أوت) 2014، وقد شدني إلى القراءة موضوع حول الديمقراطية عنونته المجلة ب "قصة الديمقراطية"، فقد تعرّض صاحب المقال إلى قصة الديمقراطية بدءا من جمهورية أفلاطون إلى طرحه نفس السؤال: هل الديمقراطية أفضل نظام للحكم؟ ثم أية ديمقراطية نعني؟ فالموسوعة الفلسفية تُصنف الديمقراطية إلى عدة ألوان من الديمقراطيات، ف "ديموكراتيا" باللغة اليونانية تعني سلطة الشعب، وهنا أتناول هذا المصطلح من حيث أنه سلطة الشعب، فهل هذه السلطة يخولها الشعب لنفسه، أو يخولها لغيره، أو غيره يخولها له ؟؟؟ فإذا كان البرلمان أو مجلس الشيوخ مثلا ينوب عن الشعب، ومنتخب بطريقة صحيحة وشرعية، فعليه أن يعود من حين لآخر للشعب لينقل همومه واهتماماته، وأن يكون على صلة دائمة بالشعب، لا أن يتخلى عنه بمجرد فوزه في الانتخابات، وبما أن الشعب حتى وإن انتخب ممثله في غالب الأحيان لا يحكم وليس له سلطة مباشرة، إذن فالديمقراطية غير موجودة إلا في الشعارات ، فالديمقراطية حسب التصنيف المعجمي هي : 1 الديمقراطية بمفهومها العام 2 الديمقراطية الاشتراكية 3 الديمقراطية الشعبية 4 الديمقراطية القومية لقد عرّف المعجم الصنف الأول بأنه "شكل من أشكال السلطة يعلن رسميا خضوع الأقلية لإرادة الأغلبية، ويعترف بحرية المواطنين والمساواة بينهم" . وليعلق على هذه الجمل : إن خضوع الأقلية لإرادة الأغلبية فيه التباس، فأية أقلية يعنيها هذا المفهوم المعجمي وأية أغلبية؟ فهل الأقلية الواعية المتعلمة المستنيرة تخضع للأغلبية الجاهلة الأمية المغلقة في الظلام؟! إذا كان هذا ما تعنيه الديمقراطية فلننتظر البلاء الأعظم، وإذا كان الوصف الذي تعنيه الديمقراطية هو أن تخضع الأغلبية غير المتعلمة إلى الأقلية صاحبة الحظوة في التعليم؛ لأنه " لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون" فإن الأمر يختلف. ومع ذلك، هل كل متعلم يمكنه أن ينجح في القيادة؟ ومقابله : هل كل متعلم غير ناجح في القيادة ؟ هناك فروق كبيرة بين متعلم يملك رصيدا من المعارف المختلفة إلى جانب حبه لأمته وبلده، ويملك مع كل هذا فهما بالشأن العام وإحساسا بالمسؤولية، وبين متعلم لم يخرج عن دائرة محو الأمية ولم تكن له المعرفة بمشاكل الناس وفهم قضاياهم، فالأوّل يظل ملتصقا بالشعب متابعا له راصدا لحاجاته ومشاكله حريصا على خدمته. عندما يكون هذا النوع هو الذي يحكم فالشعب يحكم نفسه بنفسه، وما هذا الشخص إلاّ أداة تنفيذ. صحيح أن مثل هذا النمط لا نجده حتى في كثير من الدول المتقدمة؛ وصحيح أيضا أن تجسيد الديمقراطية لا يكون إلاّ بمثل هذا القائد؛ لأن الشعب لا يمكنه أن يتولى القيادة وألاّ عمّت الفوضى وقد أخلت المسؤوليات، على حدّ قول المثل : "إذا كثر الملاحون غرقت السفينة" . فهل الديمقراطية أفضل نظام للحكم ؟ إن الإجابة عن هذا السؤال تحتاج إلى طرح أسئلة فرعية، وهي هل الديمقراطية صالحة لكل المجتمعات؟ أم أن لكل شعب نظام في الحكم؟ قد تكون الديمقراطية صالحة لمجتمع مثقف مستنير يشارك مسؤوليه وقياداته في الحكم، ويشارك مسؤولوه في المشورة والرأي، أي أن هناك سلطة مشتركة بين الجميع. ثم هل ينفع النظام الديمقراطي مع الغوغاء والجهلة والذين لازالت تسيّر شؤونهم العامة القبلية والجهوية ؟ ثم بعد كل هذا، أليس لنا تاريخنا، ثم بعد كل هذا أليس في حضارتنا الإسلامية ما يغنينا عن هذه الديمقراطية الوافدة والتي وضعت لمجتمعات تختلف قيمها عن قيمنا وتاريخها عن تاريخنا، ومرجعياتها عن مرجعياتنا، ألم يقل أحد علماء الاجتماع قوانين بلد لا تصلح لبلد آخر. وإذا كان هؤلاء أحرارا في أن يختاروا النمط الذي يعجبهم فإننا نحن كمجتمع مسلم له مبادئه وقيمه أيضا أحرار في أن نختار ما يعجبنا لا ما يعجب غيرنا، فلماذا يريد هؤلاء أن يفرضوا علينا نمطا حياتيا معيّنا ؟! أليس في هذا ما يدعو إلى التساؤل . ليس الأمر بريئا، وإنما وراء الأكمة ما وراءها . لقد تناول الكاتب الكبير العقاد موضوع الديمقراطية المسوّق لها في عالمنا العربي والإسلامي والتي يراد منها إلاّ السير وراء ما ينظره لنا الأجانب، والعدوّ لا يرينا إلا ما يرى، ولا يريد بنا إلاّ ما يهدم مجتمعنا ويفكك لحمتنا ويبعدنا بالتالي عن عظيم قيمنا. (*) الأستاذ يحيى مسعودي : أديب و شّاعر و كاتب