هو شيخي الأول الذي تعلمت علي يديه مبادئ القراءة والكتابة والقرءان والعربية، هو الشيخ الزاهد في الدنيا بن عابد عابد المعروف بسي بن عابد بن افطيمية بن يحيى بن عابد من رفقة أولاد الكاكي عرش أولاد سي أحمد. ولد الشيخ بن عابد سنة 1933، بمنطقة الغيشة التابعة لبلدية الزعفران من أب فلاح و بها نشأ وترعرع، وكان والده رحمه الله محبا للعلم و العلماء والقرآن الكريم، ومن أجل تعليم أولاده جلب لهم مدرسا يعلمهم كتاب الله يُدعى الشيخ "بوبكر" فقام بمهمته على أكمل وجه، إلا أن الشيخ لم يكن يحفظ سوى نصف القرآن، فدعته عفته و علمه إلى أن ينصح بجلب معلم آخر، وما كاد الوالد بجلب معلما آخر حتى سمع سي بن عابد بزاوية الشيخ "سي عبد القادر" بمنطقة زنينة (الإدرسية حاليا) فدعاه شوقه للالتحاق بتلك الربوع، فكان له ما أراد، فنهل من علم الشيخ ومن علم المعلمين الموجودين بها، وكان صاحب جد واجتهاد فحفظ القرآن الكريم، ودرس متن ابن عاشر في الفقه المالكي وكتاب جوهرة التوحيد وغيرهما... ومكث الشيخ بن عابد حوالي سبع أعوام متواصلة بزاوية الشيخ طاهري مما أهله إلى أن يضع فيه شيخ الزاوية "سي عبد القادر" الثقة فأرسله للتل لإمامة المصلين في صلاة التراويح لشهر رمضان، ولقبه ب"بمعطى الله". وفي هذه المرحلة من حياته اشتغل الشيخ بالعمل السياسي، فكان من المؤسسين لفرع حزب الشعب الجزائري بالإدريسية، ثم سافر إلى الجزائر العاصمة للعمل سنة 1951م، فعمل بالميناء، ثم عاد إلى بلدته و امتهن حرفة الخياطة، وكان يدرّس بين الفينة و الأخرى وينشر العلم، وعند اندلاع الثورة التحريرية اشتغل بجمع التبرعات وخياطة الراية الجزائرية مما تسبب له في دخول السجن سنة 1959، ثم ليطلق سراحه فيما بعد. وبعد الاستقلال انتقل الشيخ بن عابد إلى مدينة "عين بوسيف" بالمدية معلما للقرآن العظيم فعمل بها ثلاث سنوات، وفي سنة 1965 رجع إلى مدينة الجلفة، حيث كان يشتغل بالخياطة صباحا، وفي المساء يجمع حوله الطلبة فيعلمهم القرآن الكريم و اللغة و الحساب. أذكر أنني درست عنده القرءان سنة 1969 بمسجد المنير بحي الضاية بعاصمة الولاية قبل أن ينقل المحضرة إلى بيته، وفي سنة 1979 التحق بوزارة الشؤون الدينية فعمل معلما للقرآن الكريم، فكان يعلم القرءان صباحا ومساء في بيته بحي الضاية، وبعد خروج التلاميذ كان يدرسنا النحو والحساب، وأذكر أننا درسنا عنده كتاب "النحو الواضح" من تأليف"علي الجارم ومصطفى أمين"، ومما أذكره أن بيته في بداية تعليمه للقرءان كان به غرفتان، خصص واحدة منهما لتعليمنا، ولما زاد عددنا نقلنا إلى مقدمة منزله بعدما بنى غرفة أخرى، ولما كثر الطلبة واتسع الحال نقلهم إلى الطابق الأعلى... ومما يذكر أن الشيخ بن عابد هو الذي تولى بناء أغلب مرافق بيته بنفسه، وكان يؤم جماعة الحي في شهر رمضان ويصلى بهم صلاة التروايح في بيته، وفي سنة 2008 أحيل على التقاعد، وبقي على سابق عهده فلم يبدل ولم يغير، وقد كانت له حلقة في بيته مع رفيقه الشيخ سي محمد شراك والشيخ سي بورنان، وكان الشيخ الجابري سالت يزوره في بيته. ومن الأعمال التي تركها مصحفا مسجلا بصوته وصوت سي محمد شراك وعدد كبير من الطلبة. توفي رحمه الله يوم 30 أفريل 2016. ودفن بزاوية القيشة رحمه الله رحمة واسعة. (*) مراسلة خاصة: علي لكحل نماذج من احصاء تلاميذ الشيخ بن عابد عابد