اللجنة الوطنية الجزائرية للتضامن مع الشعب الصحراوي تشارك في الندوة ال48 لل"إيكوكو" بلشبونة    الجزائر تؤكد أن مذكرتي الاعتقال بحق مسؤولين صهيونيين تمثلان خطوة نحو إنهاء عقود من الإفلات من العقاب    منظمة الصحة العالمية:الوضع في مستشفى كمال عدوان بغزة مأساوي    لبنان يجدد التزامه بالتنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن الدولي 1701    الرئيس الاول للمحكمة العليا: الجميع مطالب بالتصدي لكل ما من شأنه الاستهانة بقوانين الجمهورية    المجمع العمومي لإنجاز السكك الحديدية : رفع تحدي إنجاز المشاريع الكبرى في آجالها    انخراط كل الوزارات والهيئات في تنفيذ برنامج تطوير الطاقات المتجددة    اكتشفوا أحدث الابتكارات في عدة مجالات.. اختتام "زيارة التميز التكنولوجي" في الصين لتعزيز مهارات 20 طالبا    مخرجات اجتماع مجلس الوزراء : رئيس الجمهورية يريد تسريع تجسيد الوعود الانتخابية والتكفل بحاجيات المواطن    مستغانم.. فسخ أزيد من 20 عقد امتياز لاستغلال عقار صناعي    دراجات/الاتحاد العربي: الاتحادية الجزائرية تفوز بدرع التفوق 2023    إبراز جهود الجزائر في مكافحة العنف ضد المرأة    بومرداس.. ترحيل 160 عائلة من قاطني الشاليهات إلى سكنات جديدة    المهرجان الثقافي الدولي للكتاب والأدب والشعر بورقلة: تسليط الضوء على أدب الطفل والتحديات الرقمية الراهنة    وفد طبي إيطالي في الجزائر لإجراء عمليات جراحية قلبية معقدة للاطفال    تواصل اجتماعات الدورة ال70 للجمعية البرلمانية لمنظمة حلف شمال الأطلسي بمونتريال    كأس الكونفدرالية الإفريقية: شباب قسنطينة يشد الرحال نحو تونس لمواجهة النادي الصفاقسي    مجلة "رسالة المسجد" تنجح في تحقيق معايير اعتماد معامل التأثير والاستشهادات المرجعية العربي    كرة اليد/بطولة افريقيا للأمم-2024 /سيدات: المنتخب الوطني بكينشاسا لإعادة الاعتبار للكرة النسوية    حرائق الغابات في سنة 2024 تسجل أحد أدنى المستويات منذ الاستقلال    ملتقى وطني حول التحول الرقمي في منظومة التكوين والبحث في قطاع التعليم العالي يوم ال27 نوفمبر بجامعة الجزائر 3    رئيس الجمهورية يشرف على افتتاح السنة القضائية 2024-2025    الدورة الخامسة والأربعين لمهرجان القاهرة السينمائي : مشروع "غزة، من المسافة صفر" يفتك ثلاث جوائز    الحفل الاستذكاري لأميرة الطرب العربي : فنانون جزائريون يطربون الجمهور بأجمل ما غنّت وردة الجزائرية    افتتاح الملتقى الدولي الثاني حول استخدام الذكاء الإصطناعي وتجسيد الرقمنة الإدارية بجامعة المسيلة    الجَزَائِر العَاشقة لأَرضِ فِلسَطِين المُباركَة    عطاف يستقبل رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية لمجلس الشورى الإيراني    عين الدفلى: اطلاق حملة تحسيسية حول مخاطر الحمولة الزائدة لمركبات نقل البضائع    الوادي: انتقاء عشرة أعمال للمشاركة في المسابقة الوطنية الجامعية للتنشيط على الركح    "تسيير الارشيف في قطاع الصحة والتحول الرقمي" محور أشغال ملتقى بالجزائر العاصمة    الجامعة العربية تحذر من نوايا الاحتلال الصهيوني توسيع عدوانه في المنطقة    الابتلاء المفاجئ اختبار للصبر    وفاق سطيف يرتقي إلى المركز الخامس    الخضر أبطال إفريقيا    تعزيز التعاون بين جيشي البلدين    "طوفان الأقصى" ساق الاحتلال إلى المحاكم الدولية    مازة يسجل سادس أهدافه مع هيرتا برلين    وداع تاريخي للراحل رشيد مخلوفي في سانت إيتيان    المنتخب الوطني العسكري يتوَّج بالذهب    ندوات لتقييم التحول الرقمي في قطاع التربية    وكالة جديدة للقرض الشعبي الجزائري بوهران    الجزائر أول قوة اقتصادية في إفريقيا نهاية 2030    بوريل يدعو من بيروت لوقف فوري للإطلاق النار    الرياضة جزء أساسي في علاج المرض    دورات تكوينية للاستفادة من تمويل "نازدا"    باكستان والجزائر تتألقان    تشكيليّو "جمعية الفنون الجميلة" أوّل الضيوف    قافلة الذاكرة تحطّ بولاية البليدة    هلاك شخص ومصابان في حادثي مرور    على درب الحياة بالحلو والمرّ    سقوط طفل من الطابق الرابع لعمارة        قرعة استثنائية للحج    حادث مرور خطير بأولاد عاشور    سايحي يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الجلفة إنفو" تحاور ابن مدينة سيدي عامر الكاتب الجزائري-الإيطالي "الطاهر لعمري" ...و حديث عن الصناعة الثقافية و دور المثقف في المجتمع
يعتبر أحد الفاعلين في المشهد الثقافي الإيطالي

من مدينة بولونيا وعبر القطار السريع كانت وجهتنا نحو مدينة رافينا التي تقع في إقليم "إميليا رومانيا" شمال إيطاليا، وقد كانت عاصمة الإمبراطورية الرومانية الغربية منذ عام 402م حتى انهيارها في عام 476م ، لم يكن مقصودنا لوحاتها الفسيفسائية الذهبية ولا زيارة قبر الشاعر العظيم دانتي أليغييري صاحب كتاب The Divine Comedy، ولا حتى تذوق أطباق رومانيولي التقليدية أو كعكة رومانيا الكلاسيكية، بل وجهتنا للقاء أحد مثقفي وأدباء مدينة رافينا وهو الجزائري-إيطالي سي الطاهر لعمري، كاتب مسرحي له عدة مؤلفات و شارك في العديد من المؤتمرات والندوات الفكرية والأدبية التي تقام حول الأدب الأجنبي وأدب المهجر بإيطاليا، وفي هذا الحوار سنتعرف اكثر على ابن مدينة سيدي عامر "الطاهر لعمري".
من هو الطاهر لعمري ؟
الطاهر لعمري مولود يوم 24 ديسمبر 1958 بالجزائر العاصمة وبالتحديد بالمدنية (وليد صالومبي كما نقول بالجزائر) ولكن العائلة تنحدر أصلا من نواحي بوسعادة وبالضبط من نواحي سيدي عامر بمعنى أولاد نايل ، وكل الطفولة عشناها متأثرين بفخر وعادات أولاد نايل.
كيف كان تعليم الطاهر لعمري ؟
التعليم كان أولا في الكتاب القرآني، كنت صغيرا جدًا وكنت دائما ما نهرب من الكتاب، وعليه كنت أخذ "الفلاقة" باستمرار، واستمريت إلى غاية دخول التعليم الابتدائي سنة 1964 بنفس المدينة وبنفس الحي (المدنية)، درسنا بالفرنسية آنذاك ثم بالعربية ، أما التعليم المتوسط والثانوي فقد درست بالقبة في ثانوية الأخوين حامية وبعدها واصلت الدراسة بجامعة الجزائر ببن عكنون تخصص قانون ولكني هاجرت إلى ليبيا بعد العام الاول من الدراسة بالجامعة.
كيف كانت علاقتك في هذه المرحلة من حياتك مع الأسرة وزملائك ؟
كانت علاقات جد عادية، فبعد حرب التحرير والاستقلال كانت الحياة في السنوات الأولى للاستقلال بالجزائر مختلفة عما هو الحال اليوم، فاغلب الشباب والشعب الجزائري كان مازال متأثرا بالحرب، حتى أن الجدران مازالت تحمل أثار الرصاص والقنابل ومليئة بكتابات الأحزاب التي كانت من قبل في وقت الثروة مثل: votez FLN، ALN ، PPA وانا أتذكر جيدا هذه الفترة أين كان يأتينا الرئيس بن بلة لحيّنا (حي المدنية) في العيد إلى المقبرة ، وأتذكر انقلاب 19 جوان 1965 الذي قام به الرئيس الراحل بومدين ... كيف خرجنا في الليل نتساءل بيننا ما الذي حدث !! ، وأتذكر أيضا لما جاء تشي غيفارا للجزائر وأيضا الثوار والقادة التاريخيين وكل الحركات التحررية في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية حيث كانت الجزائر قبلتهم،. لا انسى ابدًا حضور لبلاك بانترز إلى الجزائر العاصمة.. كل هذا صنع ذاكرة واسعة للطفولة ..ولكن يمكنني القول على العموم انها كانت طفولة جد عادية، ففي الصيف نذهب للبحر وبالضبط للصابلات - اليوم شاطئ الصابلات اصبح شيء اخر لما انظر اليه عبر الصور - الذي نقصده للسباحة فقط وبالطبع لم نكن نذهب مع الكبار.
ربما اكثر سؤال متوقع : لماذا اختار الطاهر قرار الهجرة بدل البقاء ؟
أنا لا اعتقد شخصيا أنني اخترت قرار الهجرة ولكن الهجرة هي من اختارتني، فانا لما كنت في السنة الأولى في الجامعة في بن عكنون لم يكن عندي اي واحد في المهجر ليدعمني ماديا على غرار زملائي، وكما هو معلوم فالجزائر كانت اشتراكية واغلب لباسنا هو لباس "الصونيتاكس" ونحن كشباب في ذاك الوقت كنا نحب المودة ونرى بعض أقراننا يلبسون ارقى الثياب وافضلها من جينز وغيره ..، لهذا قررت أن اذهب إلى ليبيا في 1979 وأرى ان كان بإمكاني أن أعمل 10 أيام أو شهر، ثم أرجع وأكمل دراستي، ولم يكن لدي اي فكرة عن البقاء أو الهجرة طويلا على الرغم من وجود الحديث آنذاك لدى الشباب حول الحرقة ...ولأنّ أول قرار اتخذه الرئيس السابق الشاذلي بعد وفاة الرئيس الراحل هواري بومدين هو الغاء رخصة الخروج l'autorisation de sortie التي كانت مفروضة لخروج الجزائريين للخارج وهو الأمر الذي رحب به الشباب لاعتباره مسهّل للهجرة.
كم بقيت في ليبيا ؟
تقريبا 5 سنوات في ليبيا من 1979 إلى 1984، وبعدها انتقلت إلى فرنسا وبقيت لمدة سنة واحدة حتى جاءتني فرصة عمل وإقامة بسلطنة عمان لكن قراري تأثر بعد لقائي بزوجتي الأولى الإيطالية حيث قدمت معها لإيطاليا، إلا ان هذا الحب لم يعمّر طويلا وأعدت الزواج بامرأة أخرى من رافيينا بإيطاليا - من طبيعة الحب البشري ككل الأشياء يعيش ويموت- ، لم يكتب لي ربي ان أتزوج جزائرية لأنه مع مرور الوقت يقول الواحد في نفسه : آه بنت بلادي أفضل ، ومن يعيش في الجزائر يقول: لو تزوجت أجنبيه لكان افضل ولهذا الانسان لا يقنع ابدًا.
ماذا تعني لك سيدي عامر ؟
ربما سيدي عامر تعني جزء بعيدا نوعا ما في الذاكرة القديمة جدا، أنا كتبت عليها دون ان اسميها ، اليوم سيدي عامر أظن انها مدينة أخرى ولكنها في وقت طفولتي كانت شيء اخر تماما : شوارع ترابية دون أسفلت، بيوت من طين ، نعاني من لسعات العقارب القاتلة، لا توجد كهرباء ولا إنارة ...حياة جد قاسية.
أتذكر اني كنت أمشي كل يوم مع عمي احمد لنجلب الماء من البئر، ويوم السوق كنت اعمل مع عمي عزيّز "عبد العزيز" في مطعمه الصغير في السوق الشعبي يوم الجمعة.
لماذا "رافيينا" بالذات وليس اي مدينة إيطالية أخرى؟
رافيينا بالذات لأنني لما التقيت في باريس مع شريكة حياتي كانت تصر لمدة طويلة و تحاول إقناعي للحضور لرافيينا، فلم يكن لدي اي فكرة حول إيطاليا وقتها إلا انني في الأخير قررت ان اذهب وارى هذه المدينة.
لحظة وصولك لإيطاليا ، ماهو أول انطباع راودك عن المجتمع الإيطالي ؟ هل شعرت بالاختلاف والغربة ؟
أنا منذ سنة 1978 وعمري 19 سنة وانا في سفر وهجرة، اي انني لم اشبع حقيقة من الجزائر وما زاد الأمر صعوبة هو انني لم استطع العودة في كل هذه الفترة بسبب الخدمة الوطنية وقد عدت للوطن بعدما تحصلت على الجنسية الإيطالية. وكنت وكأني دائم السفر ، حتى اليوم مازلت أعيش نفس الشعور بالسفر على الرغم من استقراري المادي والاجتماعي والنفسي إلا انني روحيا مازلت اشعر بالسفر الدائم مثل الشعور الذي يكتسي البدو الرحل. فالهجرة بالنسبة لي في رافيينا أو في ليبيا أو فرنسا أو الهند ...لديها نفس الشكل، كل هذا يجعل مني مسافر دائم.
هل لديك أولاد هنا ؟
نعم لدي ولد واحد عمره 22 سنة، أكمل دراسته الجامعية هذا العام.
سي الطاهر انخرطت في صناعة المشهد الثقافي بإيطاليا وخاصة بمدينة رافينا، كيف تقيّم صناعة الثقافة بإيطاليا بشكل عام وفي مدينة رافينا بشكل خاص؟
صناعة الثقافة في إيطاليا بشكل عام هي على طبقات مختلفة وتشكل فيما بينها وحدة متناسقة، لأنها صناعة بالمصطلح الصناعي الحقيقي فنجد فيها عدة صناعات تكاملية فيما بينها، مثل صناعة المهرجانات وصناعة دور النشر وصناعة السينما وصناعة المسرح وغيرها... أنا شخصيا، عملي منصب تقريبا مع المسرح و هي صناعة صعبة نوعا ما لأنها لا تحقق كل أهدافها، فمرات تصيب ومرات تخطيء.
ماهي خصوصيات هذه الصناعة بالضبط؟ هل هناك ما يميز المشهد الثقافي الإيطالي عن باقي المشاهد الثقافية الأخرى ...في اوروبا مثلا ؟
لا ، على باقي اوروبا و الغرب عادة لا يوجد تمييز لأنه من الممكن أنّ الميزة الخاصة بإيطاليا هي في الفنون الجميلة لان هذه صناعة خاصة بإيطاليا لا تجدها في أماكن أخرى..
كيف ذلك؟
لان إيطاليا بالنسبة للغرب هي المكان الذي فيه اصل كل شيء، أصل اللغة، أصل الفن، اصل حتى الأكل، حتى اصل المسرح.. نعم اصل المسرح في إيطاليا و نجد صورته تنعكس في البلدان الأخرى، ربما تكون بشكل اكثر متطور عن إيطاليا لكن هذه الأخيرة تبقى هي الأصل.
هل ترى ان البيئة الثقافية بإيطاليا سهلة الاندماج بالنسبة للمهاجرين؟
لا .. متحجرة (شوية) بل بمكن القول انه من الصعب الولوج داخل المشهد الثقافي الإيطالي لان المشهد الثقافي الإيطالي غير متفتح على العالم الأخر، خصوصا عالمنا نحن... ممكن متفتح على أمريكا و على المانيا أو السويد فهو متحجر لأنه فيه عبئ التاريخ.... الذي يمثل ثقل على الإيطاليين و على المشهد و على الصناعة الثقافية الإيطالية.
كيف ترى دور المثقف في المجتمع الإيطالي؟ بمعني اخر كيف يساهم هذا المثقف في توعية المجتمع ونشر الثقافة ؟ هل هناك مبادرات ؟ كيف تقيم المثقف الإيطالي داخل مجتمعه ؟
أنا اعتقد أنّ المثقف الإيطالي مهتم بنفسه أكثر ويعطي أهمية لثقافته ولإبداعه الشخصي اكثر من اندماجه في مجتمعه.... فهو غير المثقف الفرنسي l'intellectuel الذي يساهم في توعية الناس ....عندنا أمثلة كثيرة منها جان بول سارتر.. ، الخ، إيطاليا بحاجة لهذا النوع من المثقفين.
هل يمكن القول أن المثقف الإيطالي منطوي على نفسه؟
نعم المثقف الإيطالي منطوي على نفسه....فهو لا يلعب الدور الاجتماعي الكافي لتوعية الناس، للأسف لا يوجد هذا النوع مثلما هو الحال في فرنسا.... مثلا يوجد مثقفين في إيطاليا يتطرقون لمواضيع الهجرة والمهاجرين لكن بطريقة غير منتظمة فمثلا لو اتيحت لهم الفرصة في ندوات أو لقاءات تجده يتكلم قليلا على الظاهرة ثم يأخذ كل الحديث حول نفسه وإنجازاته.
نعم، هل ترى أنّ الفنون الجميلة -التي تقول أنّ اصلها إيطالي- تنعكس على التنمية مثلا أو واجهة المدينة ؟
طبعا الحس الجمالي واضح عند الإيطاليين وواضح أكثر على المستوى الفردي (au niveau individuel)، أما بالنسبة للمدن ، فنجد أنّ الحس الجمالي يظهر خصوصا في المدن التي تمتلك إمكانيات ، حيث أنّ اغلب مدن شمال إيطاليا عندها إمكانيات... لأن الثقافة بلا إمكانيات وبلا مشروع لا يمكن ان تحقق أهدافها لا على مستوى التنمية ولا على مستوى الحس الجمالي. و لو يكون لديك مشروع ثقافي ولا تملك إمكانيات لا يمكن ان تفعل شيء !
عذرا على المقاطعة، هل المشروع هذا الذي تقصده تتبناه البلدية أم جمعيات محلية أم ماذا ...؟
أعطيك مثالا على ذلك، عندنا في مدينة مانتوفا "Mantova" وهي بلدة ليست ببعيدة من هنا، حوالي ساعتين بالسيارة، نجد عندهم مهرجان اسمه (Festivaletteratura) وهو مهرجان الأدب، من اكبر المهرجانات في العالم، نجد فيه أنّ البلدية تمنحهم 60 الف أورو في العام، لكن المصاريف أكثر من هذا وعليه يقوم المنظمون بالاتصال بالممولين (les sponsors) وهم من الشركات الخاصة التي تدعم المشاريع الثقافية... و لولا القطاع الخاص المندمج في تمويل الأنشطة الثقافية وهي ميزة في إيطاليا لكانت المشاريع الثقافية كلها قد توقفت.
هل يمكن الاستفادة من اي تجربة في المجال الثقافي في إيطاليا ؟
هي ليست تجربة واحدة في حد ذاتها، بل تجارب متعددة ونحن يمكن ان نأخذ التجارب التي تدخل في الصميم مثلا التجارب الثقافية المتعلقة بالجهوية، فالجزائر لا يجب ان تخاف من الجهوية، لا يجب أن تخاف من الخصوصية الجهوية في مجال الثقافة..
كيف ذلك؟
مثلا نقولو أولاد نايل، أولاد نايل طبعا ليست جهة واحدة، فهي كقبيلة منتشرة في اكثر من جهة في الجزائر ، متواجدين في بوسعادة، الجلفة، بسكرة، سطيف، عنابة، ورقلة حتى في الغرب الجزائري والصحراء ...هناك منطقة كبيرة و فيها أكثر من جهة ..فنفس القبيلة التي هي أولاد نايل تتفرع و عندها خصوصيات لما تكون في طولقة أو عندما تتواجد ببوسعادة أو حتى في الجلفة عندها خاصيات تتعلق بالبيئة وخصوصية المنطقة. فالجزائر اليوم، حسبما أطالع لأنني لا أعيش بها -وهي نظرة من الخارج- أظن انها وصلت لمرحلة النضج .
هل تقصد النضج الفكري و الثقافي؟
عندها نضج ثقافي ….لماذا أقول هذا الكلام ؟ لأنه من حوالي عشر سنين في منطقة القبائل وفي بني ينِّي بالتحديد قام شخص واحد بإطلاق مهرجان سمّاه (raconte art)، حيث انطلق فيه بوسائل بسيطة جدا فهو يستضيف الفنانين من كل أنحاء العالم ويقوم بإسكانهم في بيوت اهل المنطقة، صدقني هذا المهرجان صار معروف عالميا ويحضره فنانين من أمريكا ومن أوروبا... ولكن أتعلم ماذا ؟ هو غير معروف لدى غالبية الجزائرين لأنه منغلق داخل منطقة القبائل.
صاحب الفكرة اسمه مطرف، فهو شخصيا آمن بالفكرة وآمن بالمشروع و جسدها كمكان وملتقى للسياح تأتي الناس لتحكي فيه القصص و الفنون و الموسيقى ...الخ . هو أراد أن يعطيه الطابع القبائلي ويحصره فيه، لكن العولمة أخرجته من هذا القالب وجعلته مهرجان عالمي.
هو لا يملك الإمكانيات، ولكن المشاركون هم من يدفع تكاليف السفر والإقامة لكي يعيشوا التجربة هذه عند الناس مع الأصدقاء من مختلف العالم وداخل منازل تقليدية في مناطق جبلية... تخيّل معي لو تعمم تجربة مثل هذه، مثلا لدى أولاد نايل، أولاد سيدي الشيخ، وكل منطقة في الجزائر.
تأكد أنه لو كل منطقة تبرز خصوصيتها لن يشكل هذا أي خطر ثقافي على وحدة الجزائر، لان وحدة الجزائر، خاصة الوحدة الثقافية و حتى الوحدة الجغرافية ...خلاص الجزائريين عندهم النضج.. عرفوا بان دم الشهداء سقى كل ارض الجزائر.. و لا يوجد اي واحد يفرط في وحدة الجزائر.
ممكن أن أحدهم يقول لك نحن نحب ان يكون عندنا "autonomie" استقلالية ! طبعًا استقلال ذاتي أو استقلالية الحكم الذاتي ليس مثل "autonomie culturel"استقلالية ثقافية، أعطيك مثالا على ذلك : في فترة سابقة في الجزائر كان هناك تخوّف من الأمازيغية، ولكن اليوم الأمازيغية أصبحت لغة رسمية في الدستور وتدرس في المدارس...الخ. هل حدث شيء ما ؟ هل انقسمت البلاد ؟لا لم يحدث شيء. لان هذا مكون من مكونات الجزائر بمعنى أنّ الجزائر عندها خاصيات اكثر من إيطاليا و لكنها غير مستغلة ، لدينا مثلا البعد الأفريقي في الطريقة التيجانية، عندنا سيد احمد التيجاني ولد بالجزائر و عاش في بالجزائر ولكنه مات فقط بفاس، فتجد إخواننا المغاربة يصنعون تظاهرة الحج لفاس، و يسوقون لفكرة أمير المؤمنين هو أمير كل الأفريقيين... الجزائر لم تستغل هذا المقصد الديني والسياحي والثقافي بعين ماضي فلا تجد اين يقيم هؤلاء من فنادق ومنتجعات بل أبسط شيء لا نقوم بتسويق التيجانية عبر هذا المكان .وهذا مثال صغير على البعد الأفريقي .
البعد العربي و البعد الإسلامي موجود أيضا، بل لدينا علماء بالكاد هم معروفين في الجزائر. ممكن معروفين في بلدان أخرى. حتى المخطوطات التي في الصحراء وفي بعض مناطق الجزائر لا تستغل وغير معروفة ..هل تعلم انهم في أسبوع ثقافي للجزائر بطهران تم إحضار مخطوطات بالفارسية من المكتبة الوطنية وبمجرد عرضها تفاجأ بها الإيرانيون ، للأسف مازلنا في الجزائر لا نعطي اهتمام لمثل هذه الأمور. لقد تجولت معي في رافينا ورأيت بعينيك كيف يحضرون التلاميذ من المدارس للمتاحف ويعطونهم أدوات للرسم والكتابة وهي صناعة ثقافية للأجيال، في الجزائر بدأت مؤخرا بعض البرامج السياحية في الصيف لأبناء الجنوب لزيارة الشواطئ وتعريفهم ببلدانهم لكنّها مازالت سياسة مبتدئة وغير متواصلة.
ماهي المشاريع الثقافية التي انت منخرط فيها حاليا؟
انا عملت على مشروع مسرحي كبير وحتى اني مثلت فيه، اسمه " Il Volo - la ballata dei picchettini " ممكن تلقى عليه معلومات في الأنترنت ، نحكي فيها قصة عمال ماتوا في الباخرة هنا في رافينا، لأنه ليس ببعيد علينا يوجد الميناء "la porta"، وكان به مصنع وورشة تصليح البواخر ….انا كنت وقتها قد حضرت لتوي لبلدة رافينا واصطدمت بعمال يموتون كالفئران داخل المصنع لأنه لم تكن تتوفر به ادنى شروط السلامة، وهو ما نقض الفكرة التي كانت في مخيلتي حول انني ذاهب لبلد الحضارة و الثقافة ...لقد اثّر في استغلال العمال. و لقد عدت للتو من مدينة "جنوة" بعد عرض هذا المشروع في كل إيطاليا.
أنت كاتب مسرحي، ولكن هل لديك مؤلفات أخرى ؟
نعم لدي كتاب اسمه "أسماء الحب الستين"، و لكن انا في المسرح أكتب احسن، ومردوده المادي بالنسبة للكاتب افضل لأنه مباشر، أما المشروع الحالي الذي اعمل عليه وفيه ممثلة رئيسية .اسمه "مريم" كتبه صديق إيطالي و قمت انا بترجمته للعربية وعملت بعض"السينوغرافيا" ليسقط بعض الأحداث والخصوصيات العربية، و هو يتطرق بالأساس لازمة سوريا. الموضوع عبارة عن 3 فلسطينيات يتحاورن مع السيدة مريم و السيدة مريم تجاوبهم، الممثلة الرئيسية والوحيدة هي التي تؤدي كل الأدوار.
هل فكرت يوما في مشروع توأمة ثقافية يعني تجسيد توأمة ثقافية بين "رافينا" و مدينة جزائرية؟
انا فكرت في هذا الأمر عدة مرات، لكن المشكلة انه لا يوجد لمن تتوجه له بالضبط في الجزائر، فقد كان القنصل الذي سبق هذا في ميلانو - جغرافيا رافيينا تتبع ميلانو- يستدعيني دائما ...لأنه كان على علم بما فعلناه، خصوصا بالنسبة للجزائر من خلال المشروع الكبير الذي اطلقناه للتعريف بالجزائر في إيطاليا وكان الاف الإيطاليون يأتون للتعرف على الجزائر.
ممكن تعرفني بهذا المشروع ؟
كانت عندنا جمعية اسمها "معا من اجل الجزائر"Insieme per l'Algeria"، أسست في عام 92 بتمويل ذاتي، حيث نخصص دائما 3 أيام ثقافية في الأسبوع للتعريف بالجزائر.
ماذا تعرضون بالضبط وكيف تسوقون الجزائر؟
كنا نعمل توأمة ثقافية وعلمية في كل مرة بين الجزائر و بلد اخر، في احد المرات عملنا توأمة بين الجزائر و فلسطين وشارك معنا مثقفين وأدباء وفنانين من فلسطين و من خلالها تكلمنا على الثورة الجزائرية و عرضنا فيلم la bataille d'Alger، بالإضافة إلى مسرحيات و موسيقى جزائرية ومسرح للأطفال شارك فيه حتى أولادنا وأنشدوا فيه أشعارا جزائرية لمفدي زكريا وغيره.
ولكن اهم شيء قدمناه من خلال هذا المشروع كان في 2004 بين الجزائر و ساردينيا. حيث كان هناك المشروع الخاص بتمرير أنبوب الغاز "GALCI" بين الجزائر و ساردينيا، فأردنا ربط المشروع ثقافيا بين البلدين، خاصة انه ظهرت تيارات معارضة داخل سردينيا لمشروع غالسي ، فاردنا المساهمة لان الأمر في صالح الجزائر و في صالح سردينيا، وعليه التقينا بالوجوه الثقافية والفنانين و الموسيقيين بسردينيا وقمنا بعمل توأمة واستطعنا إقناع الساكنة والمجتمع المدني بأهمية المشروع، أتذكر انه حضرت معنا حصة "Sans Visa" التي تبث على قناة "Canal Algérie" وعملت فيلم حول ما قمنا به ابتداء من التحضيرات إلى غاية اختتام الفعاليات.
اسماعيل زحوط يحاور طاهر العمري بحديقة Rocca Brancaleone برافينا، إيطاليا
بالعودة لسؤالنا السابق، هل تفكر في توأمة ثقافية بين مدينتين ؟
انا فكرت في هذا و لكني أتخوف دوما من المشاكل والبيروقراطية التي نعاني منها في الجزائر، فمثلا عندما حدثتك عن المشروع الذي قمنا به سنة 2004 طلبنا من السفير الجزائري آنذاك أن يمدنا بأعلام وطنية كبيرة للجزائر لنضعها في المعارض ولكن على الرغم من انه حضر التظاهرة إلا انه لم يمدنا بما احتجناه، هذا أبسط شيء حول عدم توفر الإمكانيات، فبدونها لا يمكن ان نصنع المشهد الثقافي و خاصة لما يكون عدد المشاركين قليل فهذا يستلزم إمكانيات اكبر، و لكن مؤخرا تأسست جمعية في السفارة بروما اسمها " همزة وصل" اتصلوا بي لنعمل لقاء ولكنه لم يحدث بعد. اعتقد ان هناك امل افضل مع جمعية مثل هذا النوع وممكن تأتيني أفكار لعمل توأمة ثقافية .
هل ممكن أن نرى توأمة بين الجلفة أو أولاد نايل و رافينا؟
ان شاء الله، أولاد نايل؟ أولاد نايل اكبر من رافينا، ربما يكون تمازج افضل مع المقاطعة ككل اي في "لارومانيا" لان الساكنة هنا يفتخرون كثيرا بكونهم فلاحين ومن جهة أخرى فأولاد نايل أيضا معروفين بالفلاحة وعلاقتهم بتربية الماشية.
هل هناك حراك ثقافي لدى الجالية الجزائرية في المهجر؟
لا يوجد للأسف، تقريبا يمكن القول "عايشين وخلاص"، لكن هناك تحركات فردية داخل جمعيات، ممكن مع جمعية "همزة وصل" ستكون الأمور افضل، هناك أيضا بعض الكتاب الجزائريين بإيطاليا... عندنا هنا ما شاء الله مثل "كريم مطرف" يسكن في تورينو. يوجد رسامين من بينهم من اقام عرضا في الجزائر ولكنها دائما كفاءات فردية.
هل انت متابع للأحداث الثقافية في الجزائر؟
نعم أتابعها عبر الأنترنيت وخاصة اليوتيوب و الفيسبوك.
كيف تقيّم الصناعة الثقافية في الجزائر ؟
انا اعتقد انه لا توجد صناعة ثقافية في الجزائر بل يوجد أحداث ثقافية ضخمة لا ترتقي للصناعة المتكاملة. لان الصناعة يلزم أن تكون متكاملة، و يجب ان تكون في شكل شبكة. على سبيل المثال استطاعت الموسيقى الأندلسية في الجزائر بوسائلها الخاصة أن تعمل شبكة في الموسيقى وهي تحاك بشكل منسجم ومنظم وهي توحي بصناعة واعدة في الجزائر خاصة مع المهرجانات، ولا سيما و أن هناك تكوين ومدارس للصغار في هذا الفن، وسوف تفرض نفسها قريبا حسبما أرى.
أما المسرح الجزائري، الذي كان معروف سابقا إضافة أنه لدينا شهداء سقطوا في العشرية السوداء من اجله مثل عبد القادر علولة و غيره، هو تقريبا مشتت، نعم هو موجود ولكنه ليس كما كان في السبعينات، أما السينما تقريبا ماتت لم يبق شيء اسمه السينما، أما الكتابة فهي معزولة ومختصرة في بعض الأسماء المعروفة فقط خارج الجزائر مثل واسيني الأعرج وأحلام مستغانمي ...الخ وان كان الكاتب من طبعه يكون فردي ويكون حتى أناني...
للأسف لا اعتقد ان هناك صناعة، حتى في وقت الوزيرة السابقة خليدة تومي التي كانت تحاول ان تصل لمرحلة الصناعة الثقافية ولكنها اتبعت منهج الاشتراكية في عهد الرئيس الراحل بومدين اين تم اتباع نموذج "الصناعات المصنعة" وهو ربما صناعة من نوع اخر ولا يتواءم مع الخصوصيات الثقافية للجزائر.
الوزير الحالي عزالدين ميهوبي حسبما أتابع هو شاعر ومحسوب على الطبقة المثقفة، ربما سيسعى لوضع استراتيجية ثقافية للجزائر.
كيف ترى المثقف الجزائري و مساهمته في المجتمع وفي صناعة الراي ؟
إسمحلي ولكن المثقف الجزائري بطبعه "مشنف"، وهو يعتقد أنّ "التشناف" هو ثقافة ، فانا لا اضن انه يجب على المثقف أن يكون موالي للسلطة مثلما هو الحال للمثقفين في المغرب حيث يوالون للمخزن و هذه أمر غير محبب عند الجزائريين. و لكن بالمقابل لا يجب ان يكون المثقف عدو للسلطة بالضرورة ويظهر انه "مشنف" ، بمعنى انه معارض فهو مثقف. وهذا ما يبعده عن دائرة صناعة الثقافة ، بالإضافة إلى أنّ الجانب المادي أثر كثيرا في المثقف الجزائري الذي يريد الغنى والشهرة بسرعة.
لما تنظر إلى صالون الكتاب في الجزائر وهو من اكبر الصالونات التي فيها إقبال للزوار، تجد ان الجمهور متعطش للثقافة و لكن المثقف بعيد جدا عن هذا الجمهور.
ماذا يتبادر في ذهنك عندما تسمع هذه الكلمات:
-النخبة: لا ادري
-الفشل: الوهن
-التطوع: الجمال
-المقاومة: المراة
-الهجرة: الضياع
-الحب: التشتت
-الفن: الجمال، قلتها مرة و لكن أعيدها.
كلمة أخيرة؟
نوصيك يا حارث الدوم و الدوم كثروا انفاعه *** الدم ما ينفع الدم يا ويل من خانه درعه


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.