خدمات الحالة المدنية لوازرة الخارجية كل يوم سبت.. تخفيف الضغط وتحسين الخدمة الموجهة للمواطن    الذكرى ال70 لاستشهاد ديدوش مراد: ندوة تاريخية تستذكر مسار البطل الرمز    انتصارات متتالية.. وكبح جماح تسييس القضايا العادلة    مجلس الأمن يعقد اجتماعا حول وضع الأطفال في غزّة    تمديد أجل اكتتاب التصريح النهائي للضريبة الجزافية الوحيدة    فتح تحقيقات محايدة لمساءلة الاحتلال الصهيوني على جرائمه    التقلبات الجوية عبر ولايات الوطن..تقديم يد المساعدة لأزيد من 200 شخص وإخراج 70 مركبة عالقة    خدمات عن بعد لعصرنة التسيير القنصلي قريبا    وزير البريد والمواصلات السلكية واللاسلكية يشدد على نوعية الخدمات المقدمة وتعزيز استعمال الدفع الإلكتروني    بلومي يباشر عملية التأهيل ويقترب من العودة إلى الملاعب    ريان قلي يجدد عقده مع كوينز بارك رانجرز الإنجليزي    الجزائر رائدة في الطاقة والفلاحة والأشغال العمومية    رحلة بحث عن أوانٍ جديدة لشهر رمضان    ربات البيوت ينعشن حرفة صناعة المربى    35 % نسبة امتلاء السدود على المستوى الوطني    حزب العمال يسجل العديد من النقاط الايجابية في مشروعي قانوني البلدية والولاية    قافلة تكوينية جنوبية    المولودية على بُعد نقطة من ربع النهائي    مرموش في السيتي    تراجع صادرات الجزائر من الغاز المسال    الرئيس يستقبل ثلاثة سفراء جدد    نعمل على تعزيز العلاقات مع الجزائر    أمطار وثلوج في 26 ولاية    حريصون على احترافية الصحافة الوطنية    إحياء الذكرى ال70 لاستشهاد البطل ديدوش مراد    بلمهدي: هذا موعد أولى رحلات الحج    بسكرة : تعاونية "أوسكار" الثقافية تحيي الذكرى ال 21 لوفاة الموسيقار الراحل معطي بشير    كرة القدم/ رابطة أبطال افريقيا /المجموعة 1- الجولة 6/ : مولودية الجزائر تتعادل مع يونغ أفريكانز(0-0) و تتأهل للدور ربع النهائي    كرة القدم: اختتام ورشة "الكاف" حول الحوكمة بالجزائر (فاف)    حوادث المرور: وفاة 13 شخصا وإصابة 290 آخرين خلال ال48 ساعة الأخيرة    تجارة : وضع برنامج استباقي لتجنب أي تذبذب في الأسواق    ري: نسبة امتلاء السدود تقارب ال 35 بالمائة على المستوى الوطني و هي مرشحة للارتفاع    مجلس الأمن الدولي : الدبلوماسية الجزائرية تنجح في حماية الأصول الليبية المجمدة    سكيكدة: تأكيد على أهمية الحفاظ على الذاكرة الوطنية تخليدا لبطولات رموز الثورة التحريرية المظفرة    تطهير المياه المستعملة: تصفية قرابة 600 مليون متر مكعب من المياه سنويا    الجزائرتدين الهجمات المتعمدة لقوات الاحتلال الصهيوني على قوة اليونيفيل    كأس الكونفدرالية: شباب قسنطينة و اتحاد الجزائر من اجل إنهاء مرحلة المجموعات في الصدارة    تقلبات جوية : الأمن الوطني يدعو مستعملي الطريق إلى توخي الحيطة والحذر    العدوان الصهيوني على غزة : ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 46899 شهيدا و110725 جريحا    منظمة حقوقية صحراوية تستنكر بأشد العبارات اعتقال وتعذيب نشطاء حقوقيين صحراويين في مدينة الداخلة المحتلة    اتحاد الصحفيين العرب انزلق في "الدعاية المضلّلة"    الأونروا: 4 آلاف شاحنة مساعدات جاهزة لدخول غزة    اقرار تدابير جبائية للصناعة السينماتوغرافية في الجزائر    وزير الاتصال يعزّي في وفاة محمد حاج حمو    رقمنة 90 % من ملفات المرضى    قتيل وستة جرحى في حادثي مرور خلال يومين    تعيين حكم موزمبيقي لإدارة اللقاء    بلمهدي يزور المجاهدين وأرامل وأبناء الشهداء بالبقاع المقدّسة    جائزة لجنة التحكيم ل''فرانز فانون" زحزاح    فكر وفنون وعرفان بمن سبقوا، وحضور قارٌّ لغزة    المتحور XEC سريع الانتشار والإجراءات الوقائية ضرورة    بلمهدي يوقع على اتفاقية الحج    تسليط الضوء على عمق التراث الجزائري وثراء مكوناته    كيف تستعد لرمضان من رجب؟    ثلاث أسباب تكتب لك التوفيق والنجاح في عملك    الأوزاعي.. فقيه أهل الشام    نحو طبع كتاب الأربعين النووية بلغة البرايل    انطلاق قراءة كتاب صحيح البخاري وموطأ الإمام مالك عبر مساجد الوطن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مِن الطُّرق السّيّارة الّتي تربط غرب أفريقيا بالمشرق العربي مَرًّا بالتُّراب الجزائريّ الجنوبيّ في زمنٍ غابرٍ
نشر في الجلفة إنفو يوم 18 - 01 - 2018


مدينة تيشيت
أحمد الله حمد عباده المُوحِّدين الصّالحين الذّاكرين، و أشهد لَه بالتّوحيد الصّافي، و العُبوديّة الخالصة لِوجهه الكريم، و أُقرّ و أعترف لَه بجميعِ أسمائِه و صفاتِه، مَا علمت مِنها و مَا جهلت، إقرارًا و اعترافًا يليق بِجلاله و عظيم سُلطانه. (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) الشُّورى / 11. و أشكره شُكرًا يُوافي نِعمَه و آلاءَه، و يُكافِئ مَزيدَه و عَطاءَه. لَا إِله إلّا هُو على توكّلت و إليه أنيب. و أُصلِّي و أُسلِّم، بِلا انقطاعٍ، على نبيّ الهِداية و الرّحمة مُحمّد بن عبد الله، سيّد وَلَد آدم و مُصطفاهم، الشّافع المُشفّع، و على جميع آله الأطهار و صحابته الأخيار، و على مَن لَزم غرزهم و طريقتهم المُثلى. و بعد :
لقد كُنت قد اكتشفت، مِن خِلال مُطالعتي و غِشايتي لِكتب الرّحلات و التّراجم و السِّير و التّواريخ، و غيرها، الّتي عُنيت، أو أشارت إلى الغرب الإسلاميّ الكبير، طُرقًا و سُبلاً، تطاول عليها العُمر، و رَدمتها صُروف الزّمان المُتعاقب، و عواتيه و جوائحه المُختلفات.. كانت تمرّ بالقُطر الجزائريّ، شمالاً و جنُوبًا، و شرقًا و غربًا، أو بِالعكس، و تربطه بِجيرانه، و بِامتداده العربيّ و الإسلاميّ، و قد كُنت قد ذكرت بعضها، في مَواطن مُختلفة، عبر الجريدة الإلكترونيّة الخطيرة الجلفة إنفو[1].
و ركّزت على الّتي تعبر مِنطقتي الواسعة الجلفة المعنيّة بالدّراسة و التّدوين، في خرائط التّاريخ.....
و ها أنا اليوم أكتشف طريقًا آخر، كان يربط الغرب الأفريقيّ، بالشّرق العربيّ الإسلاميّ، و يمرّ بِوطن الجزائر الحبيب، في زمنٍ غابرٍ، أُقدِّمه لِلبحثة و المُهتمِّين و المُشتغلين على هذا الحقل النّبيل و مَا أقلّهم في هذا الحاضر فضلاً عن غيرهم ؛ لِأجل القراءة و الاطّلاع و الاستفادة، و قد وقفت عِنده بُلْطَةً ؛ لِأسباب تتعلّق بِما يكون عليه عادة النّشر عَبر هاته الجريدة، و عَبر غيرها مِن الوسائل الحديثة، الّتي تُكلِّم النّاس مِن خِلال الشّبكة العنكبوتيّة.. و هُو يربط مدينة تِيشيت[2]التّاريخيّة، في إقليم الشّنقيط، بِالقُطر المُوريتانيّ، بِمدينة أدرار (آدرر)، بِإقليم التّوات[3]، بِالقُطر الجزائريّ، و يتّجه تِلقاء عين صالح، ثمّ إليزي[4]و العجيلة، مَرًّا بِبحر الرِّمال المُتلاطم[5]، و هذه كُلّها مُدنٌ و بلدات جزائريّة، كما هُو معلومٌ، و مِنها إلى بلدة تارات بِإقليم فزّان[6]، بِالتُّراب اللِّيبيّ، و يربط الوِصال بِمدن مُرْزُق، و مِن بعدها سُوكنة و ودّان و أُوجلة، و جغبوب (جقبوب)، ثمّ يلج الأراضي المِصريّة، مِن خِلال قرية سِيوَه، و مِنها ينطلق إلى الفيّوم، و بعدها القاهرة، عاصمة القُطر المصريّ، و عروس الشّرق و بوّابته، كما لا يخفى، و قد يتوجّه تِلقاء الإسكندريّة السّاحليّة، ثاني المُدن الكُبرى، بالدِّيار المصريّة... و مُعظم هذا الطّريق يقع في الصّحراء الكُبرى، و هي أوسع صحاري العالم[7]، و تمتدّ مَا بين المُحيط الأطلسيّ (بحر الظّلمات)، و البحر الأحمر، و تأتي جنوبيّ سُفوح الأطلس، مِن المغرب الأقصى و الجزائر و تُونس و لِيبيا و مصر، و تشمل جميع بلاد مُوريتانيا، و شمالي مالي و النّيجر و تشاد (مُلتقى الحضارات) و السُّودان... و أغلب سُكّان المناطق الّتي تُحيطه، هُم مِن العرب الأشراف و الهلاليين و الطّوارق (التّوارق) و التّبو الأمازيغ و الفُلّانيين الكرمانيين و البرابرة الكُوميّة و الصّنهاجيين و البرابيش... يعتاشون مِن زراعة الواحات، مِن بلحٍ و رُطبٍ و تمرٍ و حُبوبٍ، و مِن رعي الإبل و المَواشي، و ينتجعون مَواطن القَطْر و الكَلأ...
و يجد مُستخدموه على حافّاته بعض القرافات و الكَرفانات و الخانات و السّاباطات و الحذاءات و البراطيل (البراطل)، بين مسافات مُتقطِّعة و مُتباعدة، لِلمأكل و المشرب، و لِلرّاحة و المقيل و المبيت...
و هذا السّبيل قد استعمله العُلماء و طُلّاب العلم و الأُدباء و الشُّعراء و الرّحّالة و المُستكشفون و الحرفيون و أهل الصّنائع و تُجّار الحُليّ و المعادن و التُّمور و العُطور و الملح و التّوابل (البهارات)، و غيرها. و حُملت عَبره أسفارٌ و كُتبٌ و رسائل و مخطوطات و رُقُوقٌ و سِلعٌ و موادٌّ، و قد استحضر بعض المُؤرِّخين أنّ قافلة، فيها 32 ألف بعيرٍ مُحمّلة، قد انطلقت يومًا مَا، مِن القُرون الخالية، مِن مدينة تيشيت، مُتوجّهة صَوب الشّرق، عن طريق هذا الرّابط...
و رُبّما أو هُو أكيدٌ أنّه كان لِهذا الطّريق أثرٌ بارزٌ، في تغذية الحركة العلميّة، بِموطن توات، و قد عرف هذا الأخير نشاطًا وَلُودًا، و شهد أسماءً لَامعة، في الحديث و التّفسير و التّوحيد و الفقه و اللُّغة و الأدب و الشّعر، و غيرها، و هُم بلا شكٍّ قد وَطِئُوه غير مَا مرّة، بِخفّهم أو حافرهم، في الاتّجاهين، و ذلك في تَلقِّيهم و تَعاطيهم لِلعلم، أو في رحلة طلب الحديث و الأسانيد و الإجازات، أو في رحلة الحجّ و الاعتمار... و قد انتمى بعضهم إلى حُقول الثّقافة الإسلاميّة المشهورة، الّتي تَهوي إليها القُلوب و العُقول، على غِرار القرويين بِالمغرب، و الزّيتونة بِتُونس، و الأزهر الشّريف بِمصر.
و أقول بِدون تردّد أنّ هذا الممرّ جَازه غير مَا مرّة أهل العلم و الأدب و اللُّغة و الشّعر و الفضل، من بِلاد الكنانة مصر المُطنبة و الغاصّة بهم ؛ بُغية زيارة تمبكتو، الّتي أُعجبوا بها، و قد شاركوا في وثبة ثقافتها الشّرعيّة، تفتيقًا و إقراءً و تدريسًا و تعليمًا و تأليفًا و شرحًا و تقريرًا و تحشية، و افتتاحًا لِلمدارس و الكتاتيب، الّتي تهتمّ بالتّعليم الأصيل، و مِنهم من قَطنها حتّى قضى عليه الفوت، و أُقبر فيها، كما ذكرت ذلك بعض كُتب السِّير و التّراجم، و مُعظمهم جاءوا ضِمن بعثات و إرساليات جامع الأزهر الشّريف (أدامه الله ذُخرًا لِأهل الإسلام و العربيّة)، إلى بلاد السّاحل و غرب أفريقيا، في ذلك الزّمان الزّاهر.
و هو طريقٌ يربط أيضًا بعض الحواضر و المناور العلميّة بعضها بِبعض، و قد وجدت ذلك ظاهرًا، في محاظر[8]شنقيط، و زَوايا[9]الجزائر و تُونس و لِيبيا، و تَكايا[10]مصر، و خَلَاوى[11]السُّودان.
و يتقاطع مع الطُّرق الآتية مِن الشّمال، و المُتوجّهة إلى الجنوب، أو بِالعكس[12]، و الأكيد أنّ مِنها الطّريق الّذي كُنت قد تكلّمت عليه، في مَا مضى، عبر الجلفة إنفو[13]، و ذكرت أنّه يأتي مِن بِجاية، بالسّاحل البحريّ، و يقطع المسيلة، ثمّ يسلك الجهة الشّرقيّة لِمنطقة الجلفة، عبر بُوفادة (بُوسعادة)، و عين الرِّيش، و قمرة بجبل بوكحيل (أولاد سيدي نايل)، ثمّ دمّيدي (دمد) بمسعد، و مِنها إلى وادي ميزاب (غارداية)، و المنيعة، و عين صالح، و رقّان (ريغان)، و تُوريت (جنوبي أدرار)، و أخيرًا تمبكتو، حيث مجمع طُرق القوافل الآتية مِن تِيرس و تِيشيت و ودان و ولّاتة و شنقيط، و مِن فُوتا تُورُو، و هي منطقة تقع على ضفتي نهر السِّينغال، و تُعرف الآن بِكوركل، و مِن كانم، و برنو، بِغانا (غانة)، أو مِن بُحيرة تشاد العجيبة، و مِن ورائها...
و الأكيد أكثر أنّ أهل مِنطقة الجلفة قد استفادوا، مِن مغانم شتّى، مِن حيث أرادوا، أو لم يُريدوا، مِن هذا المسلك الّذي أتحدّث عنه الآن، و الّذي يربط الغرب الإسلاميّ، بِوجهته الأصليّة الشّرق، بِلاد الإسلام و العربيّة.. مصر و الشّامّ و العِراق و الحِجاز و اليمن السّعيد.
و مِن الإنصاف و ارتباطًا بِما أشرت إليه آنفًا، بِأنّ الأزهر كان يُرسل خرِّيجيه، مِن العُلماء و الدُّعاة و الخُطباء، و غيرهم، إلى مناطق السّاحل الصّحراوي، عبر هذا المسلك، و عبر غيره مِن المسالك، فإنّه كان على نفس الغِرار، لِلزّيتونة و لِلقرويين، و هُما مِن المناور الكُبرى، لِتعليم الإسلام و العربيّة بِلا ريبٍ حظٌّ مُحترمٌ، مِن نفس العمل و الوظيفة، و قد وجدتُ عُلماءً، قد تخرّجوا بِهذين المركزين الشّامخين، و ارتحلوا في سِياق الدّعوة و نشر العلم، إلى هذه المناطق، و مِنهم مَن أقام بِها سنوات طويلة، و بنى بِها دُورًا، دامت لِأحقابٍ، تُربِّي و تُنشِئ و تُعلِّم و تُدرِّس[14]...
و مِن لَطيف القول و طَريفه، في هذا المضمار، أنّ آخر الشُّروح المُعتمدة، في الفقه المالكيّ، في الأزمنة المُتأخِّرة، لَدى الجامع المعمور بِإذن الله الزّيتونة، هُو بُلغة السّالك لِأقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالكٍ، لِلشّيخ أحمد بن مُحمّد الخلّوتيّ الغرباويّ (الغربيّ) المِصريّ، ثمّ المدني، المشهور بالصّاويّ (ت 1241 ه / 1825 م)، و هُو نفس الكتاب الّذي اُعتمد، في القرنين الأخيرين، في محاضر تمبكتو، و مَا إليها.
و هذا مَا تيسّر، في وضع هذا المقال، الّذي يُسلِّط الضّوء، على هذا الممرّ القديم، الّذي مرّ عليه حينٌ مِن الدّهر، كان فيه شيئًا مذكورًا، و مَا توفيقي إلّا بالله عليه توكّلت و إليه أنيب، و أستغفر الله مِن سهوٍ حصل، أو خطأ أو خطل، و أستعيذه مِن الطّنَى و الخَنَا و الأسى، و لا حول و لا قُوّة إلّا بِالله العليّ العظيم. و أُصلِّي و أُسلِّم دائمًا أبدًا، على سيّدي و مولاي و حبيبي مُحمّدٍ رسول الله، و على آله و صحبه أجمع.
هوامش
1 طُرق المغاربة المُتنقّلين إلى الشّرق بولاية الجلفة، بِتاريخ 19 جويلية 2016 م. و طريق قوافل العُلماء الرّابط بين الأندلس (أسبانيا و البُرتغال) و المغرب و مُوريتانيا و مالي و الجزائر في وقت مضى، بِتاريخ 05 جانفيّ 2017 م. و طريق القوافل الرّابط بين السّاحلين (جنوبا و شمالا) بالمغرب الأوسط (الجزائر) و المارّ عبر منطقة الجلفة في زمنٍ مُتقدِّمٍ، بِتاريخ 06 أوت 2017 م. و الله أعلى و أعلم.
2 أو تِيسيت، و نُطقها في الاتّجاهين. و هي بلدة تقع بِشمال شرقي مُوريتانيا، بين مملحة الجلّ، و مُنحنى نهر النّيجر، بِواحةٍ جميلةٍ، تُطلّ عليها جبالٌ، تتدفّق منها أمواهٌ عذبةٌ، أسّسها في سنة 536 ه / 1142 م ، الشّريف عبد المُؤمن، و هُو أحد تلامذة الإمام الحافظ القاضي عِياض (ت 544 ه / 1149 م)، و فيها مسجدٌ عتيقٌ، يبلغ طُول مِئذنته (صومعته) ستّة عشر (16) مترًا، و تتوفّر على 7000 مخطوط، أو يزيد، و هي أعرق مُدن مُوريتانيا التّاريخيّة و أكثرها تُراثًا، و هي أيضًا مُلتقى لِلطُّرق الرّابطة بين المغرب الأقصى و التّكرور و التّرارزة و بلاد شنقيط و التّوات، و بين الحوضين و مالي و النّيجر شرقًا، و لها روابط متينة مع مُدن شَنقيط و ودان و ولّاته و تمبكتو (أو تُومبكتو، أو تنبكت، أو تنمبكتو، أو تينبكتو) الضّاربة بِنصيبٍ وافرٍ في التّعليم الأصيل و ثقافته، كما لا يخفى، و قد مرّ عليها حينٌ مِن الدّهر كانت شيئًا مذكورًا، فقد كانت فيها مبانٍ كبيرة، شاهدة على فترة ناصعة من تاريح الحضارة العربيّة و الإسلاميّة، و لكنّها صارت بعد ذلك نكرة شبه مجهولة عند المُؤرِّخين العرب تحديدًا. و الله أعلى و أعلم.
3 قال الإمام المُحدّث الفقيه مُولاي أحمد الطّاهري الإدريسي (ت 1399 ه / 1979 م) : (توات أرض ذات سباخ، كثيرة الرّمال و الرّياح، لا تحيط بها جبال و لا أشجار، شديدة الحرارة المُفرطة، لا يكاد ينبت فيها إلّا النّخيل و بعض الأشجار القليلة، لفرط حرارتها، و أهلها يستخرجون الماء من بطن الأرض بالفقاقير، بواسطة الآبار، بكيفيّة عجيبة، و يُقسّمونه على الحُقول بكيفيّة أعجب من ذلك.
و سُمّيت توات بهذا الإسم، لأنّها تُواتي العبادة، أي تليق بها، لأنّ كُلّ من قدم إليها من الأولياء المُنقطعين، تُواتيه للعبادة، فلذلك سكنها كثيرٌ من أولياء الله الكُمّل العارفين، و قيل من الأُتوات، أي المغارم و المكوس أو الفواكه. و الله أعلم.
و سُكّان توات أربعة أقسام : الشُّرفاء و العرب و المُرابطون و الموالي.....
توات لها حُدود من الجهات الأربع، فحدودها من الجهة الشّرقيّة الجنوبيّة يبتدئ من قُصور أقبلي و تيط و إينغر و عين صالح و فقارة الزّوى و فقارة العرب و السّاهلة. و من جهة الشّمال الشّرقي الصّحراء الّتي بين المنيعة و تيميمون. و تمتدّ حُدود توات الشّماليّة مُرورا بالوليّ الصّالح السّيّد الحاجّ بو محمّد (فتحا)، و سيدي منصور بوكركور، و تبلكوزة، إلى زاوية سيدي مُحمّد عريان الرّأس، مُرورا بالأقصابي و ابن طلحة أحد قُصور الهبلة، و أسبع بلدة الفقيه سيدي مُحمّد بن عبد الله السّباعي، فبودة غربا، فتسفاوت كذلك. و أخيرا تمادنين من جهة الجنوب الغربي، و يمتدّ حدّها من تمادنين غربا فزاوية الشّيخ مُولاي عبد الله الرّقّاني جنوبا، فقصُور أقبلي من الجهة الجنوبيّة الشّرقيّة، إن لم نقل بأنّ والّان من قُرى توات. و الحقّ أنّ والّان من قُرى توات، لأنّ الشّريف الصّالح سيدي مُولاي هيبة بنى بها قصبة، و حفر بها آبارا، و هي موجودة إلى اليوم، و هي باب توات من الجهة الجنوبيّة. و هذه القُصور الّتي ذكرناها آنفا إنّما هي من حُدود توات من الجهات الأربع،.....) اه. و الله أعلى و أعلم.
4 و قد يتّجه مِن عين صالح، مُباشرة، إلى غدامس، بِالتُّراب اللِّيبيّ، و مِنها إلى غِريان، ثمّ طرابلس الغرب، و مِنها إلى الشّرق عبر سبيل البرّ أو البحر. و الله أعلى و أعلم.
5 ضِمن العِرق الشّرقيّ، مِن الصّحراء الجزائريّة، الّتي هي قسمٌ مِن الصّحراء الكُبرى. و الله أعلى و أعلم.
6 بفتح أوّله و تشديد ثانيه و آخره نونٌ، و هي مِنطقة صحراويّة، في الجنوب الغربيّ من لِيبيا، بِها كُثبانٌ رمليّة، و جبالٌ صخريّة. و يعود أصل تسميتها إلى التّسميّة اللّاتينيّة فازانيا، نسبةً إلى فزّان بن حامّ بن نوح. و قد كانت في القرن الخامس قبل الميلاد، و إلى غاية القرن الخامس الميلادي، تُدعى جرمة، و في القرنين الثّالث عشر و الرّابع عشر الميلاديين، أصبحت تابعة لِإمبراطورية كانيم المشهورة، ثم غدت بِها بعد ذلك دولة يُقال لها دولة أولاد محمّد ( بِالفتح)، و عاصمتها حينذاك مدينة مُرْزُق، و في القرن السّابع عشر الميلادي، خضعت لِحُكم العُثمانيين، و في عامّ 1911 م اُحتلّت من طرف إيطاليا، و خلال الحرب العالميّة الثّانيّة، سيطر عليها الفرنسيّون، حتّى سنة 1951 م، و في 24 ديسمبر 1951 م، تحرّرت، و ضُمّت إلى المملكة اللِّيبيّة المُتّحدة. و كانت تمرّ بها في غابرٍ، طرق تِجارة الصّحراء الكُبرى، مَا بين أهل قرطاجة، و الرُّومان، و باقي الدُّول الأفريقيّة الموجودة في السّاحل الرّمليّ، شرقًا و وسطًا و غربًا، و المُدن و البلدات الموجودة فِيها حاليًا، هي : سبها، أو سبهة (و هي أكبرها)، و غات، و مُرْزُق، و الجفرة، و وادي الشّاطئ، و وادي الحياة، و أُوباري، و القطرون، و تارات، و العوينات، و زويلة، و الويق الكبير، و دهناء، و غيرها. و الله أعلى و أعلم.
7 طُولها 5000 كلم، و عرضها 2000 كلم . و الله أعلى و اعلم.
8 و الأسلم المحاضر، بِدون إشالةٍ، جمع محضرة، مِن فعل حضر، يحضر، و هي مُنسجمة مع الجذع و مُوافقة لِلقياس. أمّا المُوريتانيون تحديدًا فيكتبونها بحرف الظّاء بدل الضّاد (محظرة)، و اتفقوا على ذلك، حتّى صارت مُصطلحا خاصّا بهم، يُطلقونه على الزّاوية، أو المقرأة، أو الكتّاب، حيث يجتمع الطّلبة لِحفظ القُرآن و تعلّم العربيّة و العُلوم الشّرعيّة، و كأنّهم يعنون بِذلك أنّ هذه الاجتماعات، أو الأماكن محظورة (ممنوعة) إلّا على طلبة العلم. و الله أعلم.
9 مِن فعل انزوى، ينزوي، انزواءً، ابتعد إلى زاوية البيت، أو بِمعنى انقطع لِلعلم. و الله أعلى و أعلم.
10 مِن فعل اتّكأ، يتّكِئ، اتّكاءً، بِمعنى جلس و أسند ظَهره أو جنبه إلى شيءٍ، و هُو مُصطلحٌ خاصٌّ بأهل مصر و الشّام، يُقصد به الأماكن الّتي يُتعلّم فيها القُرآن و عُلومه، و ما يتبعه مِن فُنونٍ شرعيّة و لُغويّة. و الله أعلى و أعلم.
11 و هُو جمعٌ على غير قياس، و الصّحيح خلوات، و هُو جمع خَلْوة، مِن فعل خَلَا خُلُوًّا و خَلاءً، بِمعنى انفرد و انعزل. و هو مُصطلحٌ أطلقه أهل السُّودان عامّة على الزّوايا و المقارِئ و الكتاتيب القُرآنيّة. و الله أعلى و أعلم.
12 مِنها الطّريق الآتي مِن كُوكا بِجانب بُحيرة تشاد، و يتوجّه شمالاً إلى بِيلما و خاوار، و مِنها إلى القطرون، ثمّ مُرْزُق حيث يلتقيا. و مِنها أيضًا الطّريق الرّابط بين تمبكتو و كاو و بيرأسيو شمالاً، ثمّ غات و مُرْزُق، أين يلتقي مع هذا الطّريق الّذي أتكلّم عليه. و الله أعلى و أعلم.
13 طريق القوافل الرّابط بين السّاحلين (جنوبًا و شمالاً) بالمغرب الأوسط (الجزائر) و المارّ عبر منطقة الجلفة في زمنٍ مُتقدِّمٍ، منشورٌ بِتاريخ 06 أوت 2017 م. و الله أعلى و أعلم.
14 يجد الباحث أنّ هُناك وحدة تربط بين المغرب العربي الكبير و منه الجزائر و حَواضره و رَباطاته العلميّة العريقة، على غِرار القيروان و المهديّة و جربة و صفاقُس و تُوزر و قفصة و عنّابة و قسنطينة و بسكرة و تلمسان و توات و فاس و طنجة و تطوان و زرهون و سلا و مرّاكش و آسفي … من جِهة، و بين بلاد تِيرس و تِيشيت و شنقيط و ودان و ولّاتة و تنمبكتو..... من جِهة ثانية، و هي وحدة شاملة، لا يُمكن إنكارها و تجاوزها.. و هي تُبيّن بشكلٍ واضحٍ تاريخَ و كيفيّة انتقال العُلوم و الفُنون، من المشرق إلى المغرب، و تحديدًا بعد المئة الهجريّة الأُولى... و من جُملة هذه العُلوم و الفُنون.. القراءات، و الحديث النّبويّ، و النّحو، و الصّرف، و العَروض، و الأُصول، و الفقه، و غيرها. و يتجلّى ذلك أكثر في رحلات العُلماء، و إجازاتهم، و مُراسلاتهم، و قصائدهم، و أنظامهم، و وثائقهم المُختلفات. و أقول جازمًا أنّ جُلّ العُلوم الإسلاميّة و العربيّة، انتقلت إلى بِلاد مُوريتانيا، و السِّنغال، و غانا، و مالي، و الجنوب الجزائريّ الكبير، و بخاصّة الغربيّ مِنه، و النّيجر، و حتّى تشاد، عبر المغرب الأقصى (العُدوة)، و هذا الرّأي أتفق فيه مع كثيرٍ، مِن المُؤرِّخين و البحثة و الكتبة و المُشتغلين بِتاريخ العُلوم، و هُو مُرسّخٌ في الذّاكرة الجمعيّة، لِقطاعٍ واسعٍ مِنهم. و الله أعلى و أعلم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.