الحمد لله ربّ العالمين، الّذي بحمده تتمّ الصّالحات، و تعمّ الخيرات و البركات، و تتنزّل الرّحمات، حمدًا كثيرًا، يُوافي نِعمَه، و يُكافئ مَزيدَه، و يدفع نِقمَه، و يستجلب عَطفه و رحمته و كَرمه، و بشكره يتضاعف عطاؤه و فضله و جُوده سُبحانه و تعالى. و الصّلاة و السّلام على سيِّدنا مُحمّدٍ، إمام المُرسلين، و خاتم النّبيِّين، المبعوث رحمة للعالمين. و على آل بيته الطّيّبين الطّاهرين. و على صحابته الكِرام الميامين المرضيين. و على العُلماء العاملين المُخلصين. و على من تبعهم بخيرٍ إلى يوم الدِّين. و بعد: ليس بين أيدينا ما يكفي للجزم بأنّ منطقة الجلفة كانت آهلة في المئة الهجريّة الأُولى، و حتّى بعدها، عندما بدأت حركة انتقال جميع العُلوم الإسلاميّة التّقليديّة، من التّوحيد، و عُلوم القُرآن، و عُلوم الحديث، و الفقه، و أُصوله، و قواعده، و الفرائض، و السِّيرة النّبويّة، و عُلوم اللّغة، من نحوٍ، و صرفٍ، و بلاغة، و أدبٍ... من المشرق إلى المغرب[1]، كما حَكت ذلك كُتب التّواريخ و السِّير... و رُبّما كانت على أرضها في ذلك الحين أعرشة و خيامٌ، تسكنها قبائل من الشّلوح و البربر. و نجد أنّ هُناك انقطاعًا، بين هذه الفترة المُتقدّمة، من تاريخ الغرب الإسلامي، و بين حُلول القرن العاشر الهجريّ. السّادس عشر الميلادي، بخصوص ما جرى على هذه المنطقة الواسعة، الّتي غدت تجمع بعد المئة الهجريّة العاشرة عرب الحجاز، من قُريش (أعني بهم الأدارسة)، و بني هِلال، و غيرهم. و قد وقب عليها ليلُ الاستعمار الفرنسيّ الغشوم، مُدّة مئة و اثنتين و ثلاثين سنة (132)، قضى فيها على الأخضر و اليابس، إلّا ما عصم الله جلّ جلاله و حفظ. و منطقتنا (الجلفة) على حدّ مبلغي من العلم أصبحت آهلة بالسّكّان و عامرة بالحُصون و القُصور و الدُّور و الجوامع و القرافات و السّاباطات و الحذاءات، إلّا بعد سنة 957 ه / 1550 م، و قد شُيّدت على أرضها كَرفانات للتّعليم الأصيل. و كانت قبلها فيها سُبلٌ و طُرقٌ و فجاجٌ، يطأها الخفّ و الحافر، بين الشّرق و الغرب، و بين الشّمال و الجنوب، أو بالعكس[2]. و مِن الكَرفانات الّتي أشرنا إليها، الرّباطات و الزّوايا، الّتي كانت قليلة العدد في ذلك الزّمان، و كان يُدرّس فيها بعد القُرآن الكريم التّفسير و الحديث و الفقه و الفرائض و التّصوّف[3]، بالإضافة إلى النّحو و الصّرف و البلاغة و الأدب، و قد زاد عددها في هذه السّنوات الأخيرة. و لكنّ المُلاحظ أنّ مشائخها و المُدرِّسين فيها لم تكن لهم عناية أو اهتمام، لا قديمًا و لا حديثًا، بتلقين العُلوم المُشار إليها آنفًا بالإسناد إلّا لِمامًا. لكن في المُقابل كانت لهم مُعالجة فائقة بأخذ الإسناد المُتعلِّق بالسُّلوك، و الوِرد المُتعلِّق بالطّريقة الّتي يتّبعونها. و قطعًا ما لاحظناه كان من الأسباب الرّئيسة في تردِّي أحوال بيئتنا العلميّة و جفائها و اندراسها. و الأَوْلَى هو تلقِّي العُلوم الّتي تُعنى بالشّريعة الإسلاميّة، و بقَنَاتها اللُّغة العربيّة، و الحِفاظ على السّند المُتّصل فيها، أداءً و تأدية؛ لأنّ خِلال القُرون الهجريّة الأُولى، كان فيها يُؤخذ العلم من أفواه الرِّجال، ثمّ صار يُنقل عبر الصّحائف. و قد درج أهل العلم، بعد الرّعيل الأوّل منهم و لا يزالون على سمت مُوحّد، يربط بينهم، و يحفظ صِلتهم، و يُرتّب مَنازلهم، و يُبيّن علاقة بعضهم ببعض، و ينقل مُختلف العُلوم و الفُنون الّتي يتداولونها من عصر إلى عصر، و من مصر إلى مصر. و كان هذا التّنظيم في أوّله يُعنى بعلمين فقط؛ هما: علم القراءات و علم المرويات، ثمّ شمل جميع الفنون الأخرى، من تفسيرٍ و حديثٍ و أصولٍ و فقهٍ و فرائض و أقضية و سيرة، و لمس شتيتًا من عُلوم اللِّسان العربي؛ من نحوٍ و صرفٍ و بلاغة و عروضٍ، و غيرها. و اختلفت صُوره و صيغه إلى سبع؛ هي: القراءة، و الإجازة، و المُناولة، و المُكاتبة، و الإعلام، و الوصية، و الوجادة، و يُضيف بعضهم السّماع؛ و هو أعلاها. و لكنّ الصُّورة الّتي كان حظّ الاستعمال بها غالبًا، هي الإجازة الّتي مازال تداولها بين النّاس قائمًا. بها حُفظ الدِّين، و بها حُفظت العُلوم، و بها انتظمت علاقة التّلميذ بشيخه، أو أشياخه. و هي شيء من حقيقة الإسناد الّذي كان سادرًا في القُرون الأُول، من صدر الإسلام، عند الشّرب الأوّل، و اعتبروه من ماهية الدّين، و قالوا: الإسناد من الدِّين، و لولا الإسناد لضاع ما ضاع، و لولا الإسناد لقيل ما قيل. و الإسناد خصيصة لهذا الدِّين، و لهذه الأمّة المُحمّدية المرحومة. و قد تجلّت المُلاحظة الّتي ذكرتها حول مشائخ و مُدرِّسي رباطات و زوايا رَبعنا، في كثير من الإجازات ذات السّند، الّتي تحصّل عليها بعض فُضلاء منطقة الجلفة[4]، و الّتي اطّلعت عليها، و جُّلّها كما قلت سابقًا، من الصِّنف الثّاني؛ أعني إجازة السُّلوك و الوِرد[5].. فمثلاً لا حصرًا (حسب تاريخ الوفاة): 01) إجازة بالسّند في السُّلوك و تلقِّي وِرد الطّريقة الخلّوتيّة الرّحمانيّة أخذها الشّيخ طهيري يوسف (ت 1917 م). عن أخيه و شيخه طهيري الطّاهر (ت 1891 م)، صاحب الشّأن و المكانة في وقته، و المُؤسِّس الأوّل للزّاوية الطّهيريّة، بالقاهرة بمسعد الجميلة. عن شيخه الطّولقي عليّ بن عمر (ت 1842 ه). عن شيخه البُرجي مُحمّد بن بنعزّوز (ت 1818 م). عن شيخه باش تارزي (طارزي) عبد الرّحمان بن أحمد (ت 1807 م). عن شيخه الأزهريّ مُحمّد بن عبد الرّحمان (ت 1793 م، أو 1794 م). 02) إجازة بالسّند في السُّلوك و تلقِّي وِرد الطّريقة الخلّوتيّة الرّحمانيّة تحصّل عليها الشّيوخ بن سليمان بلقاسم (ت 1961 م)، و بيض القول لخضر (ت 1975 م)، و مسعودي عطيّة (ت 1989 م). من شيخهم طاهري مُصطفى (ت 1967 م). عن شيخه بيض القُول (الغُول) عطيّة صاحب الجلّاليّة (ت 1917 م). عن شيخه الهاملي مُحمّد بن أبي القاسم[6]، المعروف بمنطقتنا بالشّيخ محاد بلقاسم (ت 1897 م). عن الشّيخ الحدّاد مُحمّد، المعروف بابن الحدّاد، أو بلحدّاد (ت 1873 م). عن تلامذة[7] الشّيخ الأزهريّ مُحمّد بن عبد الرّحمان (ت 1793 ه، أو 1794 م)، مُؤسِّس الطّريقة نفسه. و هذه الإجازة هي مِن بين الإجازات الأكثر انتشارًا و استعمالاً بمنطقتنا[8]. و بين أيدينا إجازة في نفس المغزى، و تحمل نفس الفحوى، و هي أعلى إسنادًا من سابقتها، تحصّل عليها الشّيخ بيض القول (الغُول) عطيّة الأوّل (ت قبل 1830 م)، مُؤسِّس أقدم زاوية على الإطلاق بربعنا، سنة 1780 م، و قد شُيّدت على تُراب زاقز الشّرقي، و هي تقع بنحو 06 كلم، عبر طريق البرّاكة سيدي بايزيد، من الجهة اليُسرى له. و تُعرف حاليًا بإسم أحد حفدته؛ و هو الشّيخ بن عرعار بن البشير بن أحمد بن عطيّة بيض القول (ت 1954 م)، و لا يزال التّعليم بها مُنتصبًا. و فيها: الشّيخ بيض القول عطيّة (ت قبل 1830 م). عن شيخه باش تارزي (أو طارزي) عبد الرّحمان بن أحمد (ت 1807 م). عن شيخه الأزهريّ مُحمّد بن عبد الرّحمان صاحب الطّريقة مُباشرة[9]. و يُعتبر هذا السّند هو أعلى سند في الطّريقة الرّحمانيّة، على الإطلاق بجهتنا الجلفاويّة (الجلفيّة)، لكنّه للأسف انقطع، و انجفل عنه النّاس، و كان من المُفترض أن يُحَافَظ عليه، حتّى يتواصل بين الأجيال، فهو مكسبٌ ثقافيٌّ لِسكّان جِهتنا. و الّذي تمخّض لنا و نحن نُعالج تاريخ الجلفة الثّقافيّ، من خِلال ما قُمنا به، من ارتحالٍ و سيرٍ و مُعافسة و بحثٍ و تقصٍّ، و قد دبّجنا و صدّرنا بعضه، عبر مقالات نُشرت في الجلفة إنفو؛ أنّه ساد و لا يزال سجالٌ و اختلافٌ، لا سيما بين أهل الفضل و الرّأي، نتيجة الحسد و البُغض و الغيرة المذمومة (الزّجع)، و بِدافع العصبيّة و العنجهيّة و العُنصريّة و التّمييز، حتّى بلغت أمُور هذا السِّجال، و هذا الاختلاف، حدّ الإقصاء و التّهميش و الهضم و الطّمس و الجهل. و أخال جازمًا أنّ ما حدث للشّيخ بيض القول عطيّة الأوّل، و لِسنده العالي المذكور، هُو واقعٌ في هذا الحيز النّتن العفن، الّذي شرحناه آنفًا. 03) إجازة في تلقِّي ميثاق الطّريقة الخلّوتيّة الرّحمانيّة للشّيخ النّعّاس الشّريف (ت 1969 م)، و هُو حفيد عبد الرّحمان النّعّاس، المعروف بالمرابط (ت 1907 م، أو 1909 م). أخذها عن الشّيخ مُختاري عبد الحميد (ت 1952 م). عن والده مُحمّد الصّغير (محاد الصّغير) (ت 1916 م، أو 1920 م)، صاحب كتاب تعطير الأكوان بنشر شذا نفحات أهل العرفان. عن والده الشّيخ المُختار بن عبد الرّحمان الجلّالي مُؤسِّس الزّاوية المشهورة، بمدينة أولاد جلّال، الّتي تُعرف بإسمه. 04) إجازة في تلقِّي وِرد الطّريقة القادريّة، و معها تكليفٌ بنشرها في المغرب الإسلامي، في حِيازة الشّيخ حاشي مُصطفى (المصفى) (ت 1980 م). عن أشياخه الّذين قرأ عليهم، بالمعهد القادريّ ببغداد، بدولة العراق. و شِعار هذه الطّريقة (إطعام الطّعام و نشر الإسلام). و قد رأيت وثيقة التّكليف الّتي طُولها أربعة أمتار و نصف، عند نجله عبد الحميد (حفظه الله). و من الإجازات العلميّة المُسندة بمنطقتنا، نذكر مثلاً (حسب تاريخ الوفاة): 01) إجازة عامّة في الحديث. من عند العلّامة المُحدِّث مُحمّد عليّ بن ظاهر الوتري المدني الحنفي، و إجازة في الكُتب السّتّة، و في الجامع الصّغير للحافظ جلال الدِّين السّيوطيّ. من طرف الشّيخ عبد الله بن مُحمّد بن صالح البنّا الحنفي، و إجازة في صحيح البُخاري. من الشّيخ حسن العدوي. هاته الإجازات الثّلاث، كُلّها بالسّند المُتّصل، تحصّل عليها الشّيخ المُحدِّث الفقيه خليفة المُختار (ت 1901 م). 02) إجازة بالسّند المُتّصل، في التّفسير، و في الحديث، و في الفقه، تلقّاها الشّيخ الدِّيسي مُحمّد بن عبد الرّحمان (ت 1921 م). مِن شُيوخه، و منهم الهاملي مُحمّد بن أبي القاسم (ت 1897 م). 03) إجازة في الحديث عامّة، مُتّصلة السّند، أخذها الشّيخ القاسمي مُصطفى (ت 1970 م). من الشّيخ الكتّانيّ عبد الحيّ (ت 1962 م). عن شيوخه الكثيرين. 04) إجازة مُتّصلة السّند، في القراءات، و في الحديث، و في النّحو، حصّلها الشّيخ النّعيمي نُعيم (بالتّصغير) (ت 1973 م). على شيوخه، و هُم كُثرٌ، منهم داخل الوطن، و منهم خارج الوطن. 05) إجازة تحصّل عليها الشّيخ اخذاري محاد السّعيد (ت 1982 م). من خلال الشّيخ القاسمي مُصطفى (ت 1970 م). عن أشياخه القاسمي المختار (ت 1915 م)، و الدّيسي عبد الرّحمان (ت 1921 م)، و القاسمي بلقاسم (ت 1927 م). عن شيخهم الهاملي مُحمّد بن أبي القاسم (ت 1897 م). في تدريس الفقه و العربيّة و فُنونها. 06) إجازة في كُتب الحديث، مُتّصلة السّند، حصّلها الشّيخ القاسمي بنعزّوز (ت 1984 م)[10]. على شيخه الشّيخ الكتّانيّ عبد الحيّ (ت 1962 م). عن مشائخه، و ما أكثرَهم... 07) إجازة في صحيح البُخاري، بالسّند المُتّصل العالي، أفادها الشّيخ القاسمي خليل (ت 1994 م). عن مشائخه، و منهم الشّيخ الكتّانيّ عبد الحيّ (ت 1962 م). 08) إجازة في الفقه، و في الفرائض. من عند الشّيخ مسعودي عطيّة (ت 1989 م)، و إجازة في بعض من صحيح البُخاري، و في الأربعين النّوويّة. من عند الشّيخ القاسمي خليل (ت 1994 م). هاتان الإجازتان، تحصّل عليهما الشّيخ قويني بن ناجي (حفظه الله)، و هُما مُتّصلتا السّند. أمّا الإجازات الّتي بدون سند، و هي الّتي تَعني في عُرف مُجيزيها الاعتراف و الإقرار و إعطاء الإذن، فهي قليلة العدد بين حَامليها، بالمنطقة المُومى إليها، و نُفوذها محدودٌ و ضيّقٌ، و ليس فيها تواصلٌ و ارتباطٌ بعيدان، إلّا ما يقع عادة بين المُجِيز و المُجَاز. و الّذي يعنينا هو الإجازات المُتّصلة السّند، في العُلوم و الفُنون و المعارف، الّتي بها حفظت حركة الانتقال السّليم الغير مغشوش، من جيلٍ إلى جيلٍ. و من لِزام القول في هذا المقام، أن أذكر هُنا أهل الفضل من جِهتنا، الّذين أدركوا الشّيخين المُختار الجلّالي (ت 1860 م، أو 1859 م)، و مُحمّد بن أبي القاسم (ت 1897 م) و تلقّوا منهما و أفادوا عنهما. فالنّسبة للرّهط الأوّل؛ أعني بهم الّذين أخذوا عن الشّيخ المُختار، نُعدِّد منهم (حسب تاريخ الوفاة): بن لحرش الشّريف (ت 1864 م). و بن مُعطار أحمد (ت 1873 م). و بن مشيه بلقاسم (ت 1880 م). و محفوظي بُولرباح (ت 1885 م)[11]. و بلعدل مُصطفى (المصفى) (ت 1886 م). و قويدري بلقاسم (ت 1897 م). و الهاملي مُحمّد بن أبي القاسم (ت 1897 م). و النّعّاس عبد الرّحمان (ت 1907 م، أو 1909 م). و طالب مُحمّد (ت بعد 1907 م). و بن مرزوق مُحمّد (ت 1911 م). و قويدري مُصطفى، أو المصفى (ت 1914 م). و حمرورش أحمد (ت قبل 1916 م). و بوعبدلي عبد القادر (ت 1916 م). و طهيري يوسف (ت 1917 م). و بلعدل آدم (يادم) (ت 1922 م)، و بن الشّيخ الصّادق (ت 1926 م). و قد يكون غيرهم... و بالنّسبة للرّهط الثّاني؛ و هم الّذين أخذوا عن الشّيخ محاد بلقاسم، فنحسب منهم (حسب تاريخ الوفاة): رحماني مُحاد (ت 1904 م). و عمّاري عمّار (ت 1904 م)، له صُحبة معه، و يكونان قد أفادا عن بعضهما. و مُختاري مُحمّد الصّغير، أو محاد الصّغير (ت 1916 م، أو 1920 م). و بيض القول عطيّة (ت 1917 م). و شيهب عليّ (ت 1918 م). و بن دنيدينة عليّ (ت 1920 م، أو 1918 م). و الدِّيسي مُحمّد (ت 1921 م). و السّالمي السّلامي (ت 1927 م). و طهيري عبد الرّحمان (ت 1931 م)، رُبّما لقيه و سمع عليه. و طعيبة بلخير (ت 1935 م). و الخنقي عاشور (ت 1938 م)، بينهما صُحبة و إفادة. و الحفناوي مُحمّد (ت 1941 م). و حسني المُختار (ت 1946 م)، لازمه مُدّة قصيرة في صغر سنِّه، عندما كان الشّيخ محاد بلقاسم قائمًا بشؤون الزّاوية المُختاريّة، بعد وفاة مُؤسِّسها سنة 1860 م. و عَلية عيسى (ت 1946 م)، حضر بعض مجالسه. و حرفوش بنحمزة (ت 1950 م). و مبخوتة البداوي (ت 1955 م)، التقاه صغير السِّنّ. و بُوزيدي عطاء الله (عطالله) (ت 1958 م). و بُوبكراوي مُوسى (ت 1962 م). و الرّفيس مُحمّد (ت 1965 م). و بن عطاء الله (عطالله) مُحاد (ت 1965 م). و خليفة بنعزّوز (ت ؟). و شرشاري مُحاد بن عبد الله (ت ؟). و قد يكون غيرهم أيضًا. و الجدير بالمُلاحظة أنّ ثقافة موطننا (الجلفة) الشّرعيّة، اتّصفت بما اتّصفت به الثّقافة الإسلاميّة عُمومًا بالمغرب الأوسط (الجزائر)، فلا نجد فيها أثرًا ملموسًا، لِعِلمين جليلين، من العُلوم الإسلاميّة، و هُما علم الحديث، و علم أُصول الفقه؛ و ذلك راجع في تقديري الشّخصيّ إلى أنّ هذين العلمين الشّريفين، لم تكن لهما المكانة المُناسبة، في سُلّم أولويات الدِّراسة، و بخاصّة للعلم الأوّل منهما، لدى رَباطاتنا و زوايانا[12]. و كان بعضها تُقام فيها مجالس لِسرد المُوطّأ، أو أحد الصّحيحين، أو الشّمائل التّرمذيّة، أو الشِّفاء (الشِّفا)، للتّبرّك و الاستشفاء و الاستسقاء، و ليس للدِّراسة، من حيث الرِّواية، و من حيث الدِّراية، و من حيث الرِّعاية. هذه نماذج مُعتصرة مُختصرة، أتينا بها لِتوضيح الصُّورة، عند القارئ و الباحث، حول تاريخ العُلوم العربيّة الإسلاميّة، ببلدنا الجلفة، و ما يتبعه من أحواز و أعتاب، و حَسبنا أنّنا أتينا بشيء من المُراد، و رُبّما فيه قدر الكفاية، و لولا خشية الإطالة، و ضيق المقام، لأتينا بأكثر من هذا. قال الشّاعر: تمنّيت لو أعطيت في القول بسطة... فأهتف فيه بالّذي أنا أعرف و أسأل الله العصمة في القول و الفعل فتلك النّعمة. و صلّى الله و سلّم على سيّد الخلق جميعًا مُحمّدٍ، و على آله و صحبه أجمع. هوامش 1 مسار انتقال العُلوم الشّرعيّة و اللّغويّة، و ما يتبعها، من المشرق إلى المغرب واحد تقريبًا، مع اختلاف خفيف، كما أكد ذلك الباحثون و المُهتمّون بهذا الشّأن قديمًا و حديثًا. فنجد مثلاً انتقال علم القراءات، أو عُلوم الحديث النّبويّ الشّريف، أو الفقه، أو غيرها، كان من الحجاز، ثمّ إلى الجزيرة العربيّة جميعًا، ثمّ إلى مصر، ثمّ إلى تُونس، ثمّ إلى الأندلس، ثمّ إلى المغرب، ثمّ إلى مُوريتانيا... و هكذا. و نجد انتقال علم النّحو العربيّ، أو العَروض، أو المنطق، أو الأُصول، أو فقه الرّأي، أو فقه الخِلاف، أو الجَدل، أو تاريخ المذاهب و الفِرق و النِّحل و الطّوائف، أو غيرها، كان من حواضر العراق (البصرة و الكُوفة و بغداد)، ثمّ إلى الشّام و الجزيرة العربيّة، ثمّ إلى مصر، ثمّ إلى تُونس، ثمّ إلى الأندلس، ثمّ إلى المغرب، ثمّ إلى مُوريتانيا... و الله أعلى و أعلم. 2 راجع المقالين اللّذين خَصصناهما لهذين الاتّجاهين، و قد نُشرا عبر الجلفة إنفو. الأوّل : طُرق المغاربة المُتنقّلين إلى الشّرق بولاية الجلفة، بتاريخ 19 / 07 / 2016 م. و الثّاني : طريق القوافل الرّابط بين السّاحلين (جنوبا و شمالا) بالمغرب الأوسط (الجزائر) و المارّ عبر منطقة الجلفة في زمن مُتقدِّم، بتاريخ 06 / 08 / 2017 م. و الله أعلى و أعلم. 3 على مذهب من يرى أنّ التّصوّف علمٌ من عُلوم الشّريعة الإسلاميّة. و الصّحيح في اعتقادي أنّ التّصوّف ليس علمًا من عُلوم شريعتنا، إنّما أمره مُتعلّقٌ بالمنهج، في السُّلوك، و في الاختيارات النّفسيّة و تذوّقاتها و مواجيدها و أحلامها، فإن اُصطلح عليه تجوّزًا علمًا، فإنّ ماهيته تكون في غير الشّريعة الغرّاء. ثمّ جعلناك على شريعةٍ من الأمر فاتّبعها و لا تتّبع أهواء الّذين لا يعلمون. الجاثية / 18. راجع مقالنا المُعنون ب " التّصوّف ليس علمًا من عُلوم الشّريعة الإسلاميّة "، المنشور عبر مُنتديات الجلفة بتاريخ 15 / 02 / 2017 م. و الله أعلى و أعلم. 4 راجع كتابنا الموسوم " مِن فُضلاء منطقة الجلفة من 1861 م إلى مطلع القرن الحادي و العشرين ". و الله أعلى و أعلم. 5 كلامي على هذه الإجازات، لا يعني أبدًا إقراري على مُحتواها، و على ما جاء فيها. و لكنِّي أتعرّض إليها على أنّها صُورة من صُور الثّقافة الشّرعيّة السّائدة بمنطقتنا، لدى المُتصوّفة و الطُّرقيّة. و الله أعلى و أعلم. 6 و مثيلتها من سند آخر، تحصّل عليها الشّيخ بن سليمان مُحمّد بن أحمد بن سليمان (ت 1957 م)، و هُو والد الشّيخ بلقاسم (ت 1961 م). عن شيخه الشّيخ القاسمي بلقاسم (ت 1927 م). عن شيخه الهاملي مُحمّد بن أبي القاسم (ت 1897 م). و هي في إرشاد خلق الله، و تلقين وِرد الطّريقة الخلّوتيّة الرّحمانيّة، و ذكّره فيها بأنّ النّسب الدِّيني أولى بالاحترام و التّقدير من النّسب الطِّيني. و الله أعلى و أعلم. 7 أوّلهم الشّيخ عبد القادر بن المُختار التّيفيثي، و ثانيهم الشّيخ عليّ بن عيسى، و ثالثهم الشّيخ المهدي السّكلاوي. و الله أعلى و أعلم. 8 و هُناك قطاعٌ واسعٌ من أولاد سيدي نايل و منهم السّعدات مثلاً لهم اِتّباع و صِلة بالزّاوية المُختاريّة، و بشيوخها، و عنهم تلقّوا بالسّند إجازة في أحوال الطّريقة الرّحمانيّة، و رُبّما في بعض العُلوم الشّرعيّة و اللّغويّة. و الله أعلى و أعلم. 9 قيل أنّ الشّيخ بيض القول عطيّة أخذ مُباشرة عن الشّيخ الأزهريّ مُحمّد بن عبد الرّحمان. و الله أعلى و أعلم. 10 قِيل أنّ له إجازة مُتّصلة السّند، في التّفسير، أفادها عن العلّامة ابن عاشور مُحمّد الطّاهر (ت 1973 م). و الله أعلى و أعلم. 11 الشّيخ محفوظي بُولرباح لم ينل أيّ حظّ من التّعلّم، و لكنّ الشّيخ المُختار توسّم فيه خيرًا وبركة، و جعله مُقدّماً لِوفود عرش السّعدات، من أولاد سيدي نايل. و الله أعلى و أعلم. 12 راجع مقالنا المُعنون ب " مُقرّرات الحفظ و القراءة الّتي استقرّ عليها العمل خلال العُهود الأخيرة عند عُموم الزّوايا الجزائريّة في العُلوم الوسائل و العُلوم الأهداف "، الّذي نُشر في الجلفة إنفو، بتاريخ 03 / 04 / 2016 م. و الله أعلى و أعلم.