جلود أضحيات العيد هي سبب غرق بلدية حسين داي بالعاصمة ... سنصدق ذلك خصوصا مع الصور المتداولة على الفايسبوك لتنظيف البالوعات واستخراج الهيدورات منها في الجزائر العاصمة ... ولكن أين يجب أن تكون هذه الجلود؟ وكيف يجب استغلالها؟ ومن يسترجعها؟ وكيف نوفر الحافز المادي لمسترجعي هذه الجلود؟ هذه الأسئلة وغيرها عن "الهيدورة" أو "البدرونة" تقودنا مباشرة الى استحضار واقع الصناعات الجلدية في الجزائر ... والحديث عن هذه الأخيرة يقودنا الى الولاية الأكثر انتاجا لهذه الجلود أي الولاية الأولى في عدد رؤوس الأغنام والماعز وهي الجلفة ... وهكذا الى أن نصل الى أهم حلقة في الصناعات الجلدية وهي "الدباغة" التي تحيلنا بدورها على مأساة اقتصادية وبيئية ضد الجزائر والمواطن الجزائري. توجد عدة مصانع تابعة للدولة تتبع كلها شركة مساهمات الدولة "مجمّع جلود الجزائر- Groupe Leather Industry Algérie". والحديث عن الدباغة في الجزائر (الجلفة وجيجل وباتنة وعين تيموشنت) يقودنا الى أهم فضيحة بيئية أو بالأحرى جريمة بيئية وقعت بسبب الاهمال. فكلّنا نعلم أن دباغة جلود الأبقار تحتاج مواد خطيرة ومسرطنة اذا لم يتم تصفيتها وفقا للمعايير البيئية وأخطر هذه المواد هي الكروم السداسي. وعلى العكس مما سبق ذكره تعتبر دباغة جلود الماعز والأغنام صديقة للبيئة لأنها دباغة نباتية وليست معدنية. وهنا يتبادر إلينا واقع مدبغة الهضاب العليا THP بالجلفة، فهي تدبغ جلود الأبقار بالكروم المسرطن رغم أنها في ولاية هي الأولى من حيث عدد رؤوس الأغنام والماعز وفيها يوجد أكبر مسلخ صناعي جهوي (حاسي بحبح). والأسوء من ذلك كله هو أن محطة تصفية مياه الصرف الصناعي بهذه المدبغة معطلة ... وهناك تحقيق صحفي منشور ب "الجلفة إنفو" بكل التفاصيل ... الجريمة البيئية الثانية التي كتبنا عنها ووصلت أصداؤها الى وزارتي الصناعة والبيئة ولكن دون قرارات، بسبب تغيّر الوزراء، هي قضية غلق مصنع استرجاع بقايا الجلود في خميس مليانة منذ سنة 1997 .. وقد وجدنا في مجلة "الانتاج النظيف" التابعة لمجمع "Leather Industry" اعترافا صريحا بخطورة بقايا الدباغة وكونها مسرطنة في ظل عدم استرجاعها ... طبعا وزيرة البيئة التي زارت الجلفة في فيفري 2018 تعهدت بفتح تحقيق والسؤال المحرج هنا: أين هي نتائج التحقيق اذا كان هناك فعلا تحقيق؟ ونتيجة لهذا الواقع تقرر سنة 2014 بناء مصنع لاسترجاع بقايا الجلود في عهد الوزير الأسبق للصناعة عمارة بن يونس وبالشراكة مع الايطاليين ... ولكن الى يومنا هذا لم ير النور ... بل إننا تنبأنا له في وقتها بالفشل لأن مكانه الطبيعي ليس في المنطقة الصناعية بالرويبة بل يجب أن يكون بولاية الجلفة بالنظر الى موقعها الاستراتيجي وقربها من الولايات الرعوية. والآن لنضع بعض الأرقام في ميزان المقارنة لنؤكد أن مصنع استرجاع بقايا الجلود يجب أن يكون في ولاية الجلفة وليس في الرويبة: * - الجزائر العاصمة بها 559738 مسكن (الاحصاء العام للسكن والسكان 2008) وهو ما يعني أضحية على الأقل في كل مسكن أي نصف مليون قطعة جلود أضاحي تنتجها العاصمة سنويا يضاف إليها جلود الذبح الاعتيادي من الخواص. * - المذبح الصناعي الجهوي بحاسي بحبح: طاقة ذبح تقدر ب 2000 شاة يوميا أي 60 ألف قطعة جلد شهريا أي 720 ألف قطعة جلد سنويا يُضاف إليها نشاط الجمع العادي من الخواص مثل الأضاحي والأعراس والمذابح الخاصة من الولايات الرعوية المجاورة للجلفة أي أن الرقم قد يصل الى 01 مليون قطعة جلد ... مع الأخذ في الحسبان أن ولاية الجلفة هي الأولى وطنيا في انتاج اللحوم الحمراء ب 544 ألف قنطار سنويا وهو ما يعادل 10% من الانتاج الوطني. وأنه يوجد بها أزيد من 03 ملايين رأس غنم و حوالي نصف مليون رأس ماعز أي أن ما سيذبح سنويا في حاسي بحبح لا يمثل سوى أقل من خُمُس تعداد الثروة الحيوانية بالجلفة. * - المذبح الصناعي الجهوي بحاسي بحبح: طاقة الذبح تقدر ب 80 بقرة يوميا أي 2400 قطعة جلود بقر شهريا أي 28800 قطعة جلود بقر سنويا * وهكذا سيكون سؤالنا الدقيق: لماذا لا يتم الالتفات الى الصناعات المرتبطة بالثروة الحيوانية بولاية الجلفة على غرار الجلود والنسيج والصناعات الصيدلانية والصناعات الغذائية؟ * أخيرا ... نقول أن التخطيط منعدم تماما في توزيع الاستثمارات والمشاريع المنتجة عندما يتعلق الأمر بثروة كل ولاية على حدى وتكييف واقعها الاقتصادي بناء على ذلك ... وأن مشكل الهيدورة هو في جمعها وتثمينها اقتصاديا وليس في تجييش الشاحنات وآلات الحفر وديوان التطهير أو بناء قنوات الصرف الصحي العملاقة ... * أما المأساة الأخرى حول تثمين خيرات ولاية الجلفة فهي ثروة "الصوف" و"الصناعات النسيجية" والتي ستكون محور مقالنا القادم في سؤال محرج وآخر دقيق ...