سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الشيخ "عينة عبد القادر" الكتبي بحاسي بحبح ... رُبع قرن من الكفاح لتوفير الكتاب المستعمل والجديد للمثقفين زبائنه من بلديات الجلفة وآفلو والبيّض والأغواط
بتواضع وسمت يجلس الشيخ السبعيني "عينة عبد القادر" داخل مكتبته الصغيرة بشارع "عمر ادريس" المشهور باسم "شارع الشيلي" بحاسي بحبح وهو الطريق الرئيسي الثاني للمدينة ... وفي أثناء ذلك يشتغل الشيخ عبد القادر على ترتيب الكتب أو تنظيفها أو تدوين ملاحظاته ولا يقطع عليه ذلك سوى دخول الزبائن ليخدمهم .... فمحبته للكتاب أغنته عن كل شيء. "الجلفة إنفو" زارت المكتبة ووقفت على نشاط هذا "الكتبي" الذي أثرى مدينة حاسي بحبح حتى غدى من أشهر بائعي الكتب بها بل ومن أقدم بائعي الكتب المستعملة بولاية الجلفة. يقول الشيخ "عينة" أن ممارسته لبيع الكتب نابعة من حبه للكتاب الذي غُرس فيه منذ الصغر فكانت هوايته المفضلة وصار الكتاب بالنسبة إليه المؤنس والرفيق فلا يرتاح له بال إلا والكتب من حوله لأنه يعتبرها بمنزلة الولد بالنسبة له. ولد هذا الكتبي عام 1946م وعمل بالمؤسسة العمومية لتوزيع المواد الغذائية المشهورة باسم "أوناكو" فرع حاسي بحبح إلى أن تقاعد منها عام 2000م لكن انطلاقته في نشاط بيع الكتب كانت منذ عام 1992 - حسب حديثه معنا- أين كان يقوم ببيع العطور و السواك وبعض الكتب بالسوق الأسبوعي حاسي بحبح. ويقول محدثنا أنه قد تفرغ بصورة مطلقة للكتاب انطلاقا من عام 1995، حيث كان يتعامل مع مجموعة من دور النشر بالعاصمة فكان بمثابة الممثل التجاري لهم بولاية الجلفة ومن هاته الدور "دار الرائد" وصاحبها لبناني وهذا منذ 1997م وقبلها "دار اقرأ" بالأبيار والتي توقفت لاحقا ، ثم شرع في التعامل مع "دار الفكر" بداء من عام 2000م إلى جانب "دار العربي" ببوزريعة واللتين يتعامل معهما إلى اليوم اضافة الى تعامله مع من يريدون بيع كتبهم المستعملة. وبخصوص ممارسته لهواية بيع الكتب يؤكد محدثنا أنه قد بدأها فعليا عام 1995 من السوق الأسبوعي لحاسي بحبح ثم انتقل إلى مدينة الجلفة بداء من عام 2000م حيث كان يضع كتبه على الرصيف بمحاذاة السوق المغطاة بوسط المدينة كل يوم، ليختتم نشاطه مع كل مساء أين يترك سلعته لدى أصحاب المحلات هناك الذين ربطته بهم علاقة طيبة ليعود قافلا إلى مدينة حاسي بحبح ومع صباح كل يوم يتنقل إلى مدينة الجلفة وهكذا إلى غاية 2015، أين قرر الاستقرار بمدينة حاسي بحبح واستئجار محل صغير يشغله حاليا ... أما فيما يتعلق بنوعية الكتب التي يتعامل معها الشيخ "عينة" أكد أنه يقوم باقتناء جميع الكتب والمجلات القديمة والجديدة ليوفرها لزبائنه من الطلبة والمثقفين ومختلف الفئات ممن يقصدونه وفي جميع التخصصات. ومع الأيام صار الشيخ عبد القادر مقصدا للمتعطشين للعلم. وفي هذا الصدد يقول بأنه صار يفد عليه الزبائن من مختلف المناطق من البيّض وآفلو و الأغواط ومن مختلف بلديات ولاية الجلفة التي كانت تنزل عليه بل وفي منزله أيضا و باستمرار. ولعل أبرز هاته الشخصيات الأستاذ المرحوم "عامر بومقواس" و الدكتور "بلعدل الطيب" و"الزين عبد القادر" و "بن الشيخ محمد" والمرحوم "علي عرعور" إلى جانب دكاترة وطلبة الدكتوراه في تخصصات الأدب والتاريخ و علم الاجتماع وكذا طلبة الثانويات وعدد من المبدعين والمثقفين. وكما هو معروف بشأن تناقص المقروئية بالجزائر فقد أشار محدثنا في سياق حديثه الى أن زبائنه بدؤوا يتناقصون مسجلا بذلك تراجعا في المقروئية بصورة كبيرة مقارنة مع السنوات الماضية حيث كانت كل الكتب تنفذ بسرعة وقبل أن يضعها في الرفوف نتيجة الطلب المتزايد آنذاك. غير أنه مع غزو الأنترنت و التكنولوجيا الحديثة تراجع نشاط بيع الكتب مضيفا أن غلاء الكتاب ساهم كذلك في عزوف الكثيرين عن اقتنائه، مختتما بقوله "لقد قلّ مُقتنو الكتب في هذا الوقت". ولكن رغم ذلك يرى الكثيرون ممن التقتهم "الجلفة إنفو" أن باعة الكتب المستعملة مازالوا يُوفّرون كتبا يستحيل العثور عليها في الأنترنت أو في معارض الكتب أو لدى دور النشر. وبالتالي ما تزال مهنة بيع الكتب المستعملة مصدرا مهما من مصادر العلم والتثقيف لأنها تساهم في اخراج الكتب النادرة من الرفوف وعوامل التلف الى التداول والأسواق أين يجد القارئ حاجته. ويقول الأستاذ الباحث في جامعة الجلفة، الدكتور بلعدل الطيب، أن الشيخ عبد القادر الكتبي مصدر رئيس للكتب في حاسي بحبح وما جاورها وأنه يوفر دوما طبعات نادرة وكتبا تراثية فخمة وله علاقة وطيدة بالعصاميين والمثقفين والأكاديميين من أمثال الدكتور الراحل علي عرعور رحمه الله. ورغم تراجع مدخوله من بيع الكتب و تحمله لأعباء استئجار المحل والتعب الا أن الشيخ عبد القادر الكتبي يقول: "أحتسب ذلك في سبيل الله نظرا لما يحمله الكتاب من رسالة سامية" وهكذا يبقى الشيخ عبد القادر الكتبي واحدا ممن سَخّروا أنفسهم لإفادة طلبة العلم ومحبي الكتاب متمسكا بذلك بهوايته المفضلة في بيع الكتب التي يعيش معها أجمل لحظات حياته بعيدا عن مبدأ الربح والخسارة رغم انحسار نشاطه منذ حوالي أربع سنوات ... وفي ذلك يقول "الحمد لله اليوم نحن أدينا ما علينا وأدعو الشباب لحمل المشعل والاهتمام بالكتاب فلا يعرف قيمته إلا أصحاب العلم".