توفيت مؤخرا – بداية شهر ماي الحالي - بالمستشفى المركزي طفلة تبلغ عامين من عمرها اثر نوبة ربو حادة ... الخبر إلى غاية هنا عادي بما أن الأمر يتعلق بمصير سوف نسلكه جميعا و لا نملك إلا أن نصبر و نحتسب أمام قضاء الله و قدره. غير أن ما يحز في النفس هو حالة أبيها المسكين و الدموع تملأ مقلتيه و هو يحكي بمرارة حالة فلذة كبده قبل أن تسلم الروح إلى بارئها و كيف قام الممرض بنزع قناع التنفس من فمها و وضعه في فم مريض آخر أدخل للتو إلى المستشفى... هنا تساءل أمامنا الأب المسكين و نحن معه في سيارة الأجرة "أعرف أنني لا أفقه شيئا في عمل الأطباء و لكن هل توجد أزمة أقنعة في المستشفى؟ بل إني أجزم أن سبب وفاتها يعود إلى نزعهم القناع عن طفلتي". فاقترحت عليه أن يرفع عليهم دعوى قضائية لمتابعة المتسبب في وفاة فلذة كبده و لكن الرجل المسكين أجابني "الطفلة الآن بين يدي خالقها و لا أريد أن أراني بين المشرحة و المحكمة و نوكل عليهم ربي " ففهمت من كلامه أنه بصدد رفع دعوة ربانية. هذه هي إحدى الخصائص المجتمعية التي تغلب على ذهنية سكان المناطق الداخلية للوطن و هي الزهد في الوقوف في وجه المفسدين في شتى الإدارات و تسليم الأمر إلى الله سبحانه و تعالى. و لكن أتدري سيدي الداي...هؤلاء الناس لم يزهدوا في المطالبة بحقوقهم إلا بعد أن ترسخ لديهم بالدليل و البرهان أن المسؤولين صاروا يملكون من الحصانة ما يحميهم من المساءلة و المحاسبة عما اجترحوه... هؤلاء الناس زهدوا في الوقوف في وجه الظالمين بعد أن لاحظوا كيف يتم تكريس منطق اللاعقاب ضد كل مسؤول كثرت مظالمه و زلاته و تعاظمت خطاياه في حق البلاد و العباد. هؤلاء الناس هم سكان سلمانة الذين انتفضوا ضد الظلم المسلط عليهم من ميرهم الخالد في 2004 و لكن المسؤولين في حزب المير إياه تضامنوا مع زميلهم و أبقوه عنوة في منصبه ...فأسلم هؤلاء البسطاء أمرهم إلى العلي القدير الذي فضح المير على يد عاهرة – حاشا المقام - في 2011. هؤلاء الناس منهم من طال صبره و هو ينتظر سكنا لائقا يستر أهله أو منصب عمل يحفظ الكرامة...المهم تكافؤ الفرص في الشغل و السكن و...و... هؤلاء الناس حضرة الداي يريدون أن يشعروا أن هناك من ينتصر لهم و أن هناك من يخشى الله فيهم حتى لو عثرت بغلة أحدهم في جنوب قطارة. هؤلاء الناس حضرة الداي يريدون أن يشعروا أن ضعيفهم قوي حتى يسترد حقه و أن قويهم ضعيف حتى ينتزع منه حق الضعيف. باختصار هؤلاء الناس بإمكانهم أن يملؤوا حصالة أي مسؤول يهوى جمع "دعاوي الشر" لأنهم ببساطة عندما توصد جميع الأبواب فان أبواب ربك مفتوحة أبدا..."أخرج لربي عريان يكسيك".