محمد بوضياف وجه بارز في حركة التحرر الوطني و صاحب الدور الأول بلا منازع في التحضير لثورة نوفمبر المظفرة و تفجيرها و قيادتها خلال السنتين الأوليتين من عمرها، كان أحد أباء الثورة الجزائرية التي خلصّت الجزائريين من نير الاستعمار الفرنسي، والدور الذي لعبته هذه الشخصية الفذّة خاصة في تحويل أزمة حرب الشعب الجزائري في مطلع 1954 من نكسة رهيبة للحركة الوطنية إلى انبعاث جديد و نقطة تحول تاريخي حاسم. هو الذي كان يحلم بجزائر قويّة تعتمد على نفسها، وتعمل على ترجمة الأهداف الكبرى التي سطرتها ثورة التحرير المباركة بدماء مليون ونصف مليون من الشهداء. محطات في حياة الرئيس الراحل محمد بوضياف - ولد المناضل محمد بوضياف بولاية المسيلة في 23 من شهر جوان عام 1919، بدأ النضال في صفوف حزب الشعب الجزائري أثناء الحرب العالمية الثانية بجيجل أولا حيث كان يعمل، ثم بقسنطينة حيث كان يؤدي الخدمة العسكرية الإجبارية. - عايش أحداث الثامن من ماي 1945 بالمنطقة فزادته قناعة لأن العمل المسلح هو السبيل الوحيد للإستقلال. - في سنة 1946 أصبح مسؤولا بناحية سطيف و في آواخر 1947 تمّ تكليفه بتنظيم المنظمة الخاصة على مستوى عمالة قسنطينة، و بهذه الصفة تمكن من التعرف على رجالات أول نوفمبر 1954 أمثال بن بولعيد، بن مهيدي، ديدوش، بيطاط، بوصوف، بن طوبال. مع القادة الستة المفجرين لثورة نوفمبر - نجا بوضياف من الأسر سنة 1950 غداة اكتشاف المنظمة الخاصة التي أصبح عضوا في أركانها العامة، و بعد سنتين من الحياة السرية بالجزائر تمكن من الهروب إلى فرنسا حيث أصبح مسؤول التنظيم بإتحادية لحزب هناك. - في مارس 1945 عاد إلى الجزائر ليساهم في تأسيس اللجنة الثورية للوحدة و العمل ثم تأسيس جبهة التحرير الوطني بعد اجتماع ال 22 الشهير الذي انعقد بالمدنية في النصف الثاني من جوان، وانتخب بوضياف منسقا للجنة الخمسة المنبثقة عنه. رفقة محمد خيضر و أحمد بن بلة - غادر الجزائر يوم 26 أكتوبر 1954، بعد أن ساهم مساهمة فعّالة في التحضير للثورة ليلتحق بالوقت الخارجي بهدف التعريف بالثورة و البحث عن السلاح. - في 22 أكتوبر 1956 أُسر في حادث الطائرة المختطفة التي كانت تقل أعضاء الوفد الخارجي الأربعة الى تونس. - في أزمة الإستقلال 1962 وقف أولا إلى جانب الشرعية الممثلة في مجلس الثورة و الحكومة المؤقتة، ثم سلك طريقا مستقلا بتأسيس حزب الثورة الإشتراكية في 20 سبتمبر 1962 الذي يصادف انتخاب أول مجلس وطني تأسيسي بعد الإستقلال. - ألقي عليه القبض في جوان 1963 ثمّ اضطر إلى الهجرة سنة 1964 و قد حكم عليه بالإعدام غيابيا في نفس السنة. - استقر بالمغرب ( القنيطرة) منذ مطلع السبعينات من القرن الماضي، و في 14 جانفي 1992 عيّن على رأس المجلس الأعلى للدولة و بهذه الصفة اغتيل بولاية عنابة في 29 جوان من نفس السنة. حين رجوعه للجزائر جانفي 1992 أهم ما قاله محمد بوضياف عن تجربته النضالية عن ظروف تأسيس جبهة التحرير قال: أنها كانت ثمرة عمل نضالي مكثف خاضه عدد قليل من الإطارات العليا و المتوسطة في حزب الشعب الجزائري معظمهم أعضاء سابقون في المنظمة الخاصة الجناح العسكري لهذا الحزب، و قد أدى هذا العمل النضالي إلى تجازو أزمة تصدع الحزب سنتي 53/54 و انقسامه إلى مؤيدين لرئيس الحزب المرحوم الحاج مصالي و مناصرين إلى أغلبية أعضاء اللجنة المركزية التي وقفت ضده تجاوزا إيجابيا بتكوين الجبهة و رسم أفاق الكفاح المسلح كطريق وحيد لإنقاذ الحركة التحررية و تجنيد الشعب لخوض معركة الإستقلال و الحرية. عن إكتشاف المنظمة الخاصة قال محمد بوضياف: أتذكر أنني في سنة 1949 عندما عيِّنتُ على رأس ولاية الجزائر، أعربت عن اهتمامي بما أننا ندرب و نزود أشخاصا بالأسلحة فهؤلاء الأشخاص معرضون للاعتقال ثمّ التعذيب فالإفصاح بما يعرفونه، فهل اتخذت الحركة إجراءات في حالة وقوع ذلك؟ و السؤال يبقى دون جواب، و لما حدث ذلك بالفعل و تمّت الاعتقالات في تبسة استطلعت المناضلون رأي الحركة و طالبوا بالتعليمات فكان الرد أن أخفوا العتاد وأحرقوا الوثائق وانتظروا.. عن اختطاف الطائرة التي كانت تقله و رفاقه قال: ان مسألة السفر تقررت بسرعة ، وأنا شخصيا كنت مريضا وقد خرجت من المستشفى قبل ثلاثة ايام من موعد السفر وقد بلغنا أنّ الحكومة الاشتراكية في ذلك الوقت حكومة " قِي مُولّي" (Guy Mollet) اتصلت بالرئيس التونسي الحبيب بورقيبة والملك المغربي محمد الخامس وطلبت منهما الاجتماع في تونس لإيجاد حل للمسألة الجزائرية وهذا سبب ذهابنا الى تونس ، وقال بوضياف أنّه لم يكن في حوزتهم أسلحة عدا أحمد بن بلّة الذي كان يحمل معه رشاش ايطالي ، والقرصنة الجوية التي تعرضنا اليها كانت بعد اقلاعنا من جزيرة مايوركا حيث تزودّت الطائرة بالوقود وبعد أن طارت أجبرت على التوجه الى الجزائر العاصمة وقد حاول الطيّار الاتصال ببرج المراقبة في المغرب لكن لا أحد ردَّ عليه. وعن الأسر على إثرها قال : خلال وجودنا في السجن في فرنسا كانت هناك بيننا وبين قيادة الثورة الجزائرية اتصالات محدودة ، وكان أحمد بن بلة على اتصال بالعربي بن مهيدي داخل الجزائر ، وكنت على صلة بكريم بلقاسم بينما كان عبان رمضان على اتصال بحسين أيت أحمد ، وكانت هذه المراسلات توضح تطورات الثورة الجزائرية داخل الوطن وخارجه. لكن دون عمل أو نشاط فعّال ما عدا مناقشة ومتابعة أحداث الثورة الجزائرية وماكان يجري داخل قيادتها من ايجابيات وسلبيات. وفيما يخص المفاوضات الجزائرية/ الفرنسية قال : جاءنا السيد بن يحي وبن طوبال وكريم بلقاسم لاطلاعنا على مجرياتها ، وكان ردّي عليهم أننا بعيدون عن ميدان الأحداث السياسية والعسكرية ولا نعرف ما يجري خارج أسوار السجن ، ولا نعرف شيئا عن امكانيات جبهة التحرير الوطني المادية والبشرية وقدرة الشعب الجزائري على الصمود، ولهذا يقول بوضياف كنت ألتزم الحذر دون العاطفة، بينما كان رأي باقي الاخوة وخاصة بن بلة القبول بانهاء الحرب حتى لو كانت بعض بنود اتفاقيّات ايفيان في غير صالح الجزائر مستقبلا. وعن اتفاقيّات ايفيان التي أفضت الى استقلال الجزائر قال محمد بوضياف : في الأمور التقنية كانت تنقصنا الخبرة والثقافة ولم يكن الاخوة المفاوضون تقنيين في مجال المفاوضات. وعن علاقة الثورة الجزائرية بالعالم العربي قال محمد بوضياف: للأمانة التاريخية وحتى نكون منصفين في شهادتنا الثورية وعلى الشعب الجزائري أن يعرف ذلك ، أنّ امكانات الثورة الجزائرية كانت ضعيفة في البداية من حيث انعدام الذخيرة الحربية والسلاح ، كنّا نملك شعبا قابلا للتضحية والفداء لكن بدون سلاح ، وكان اعتمادنا في البداية على أنفسنا وأمكانياتنا الضعيفة ، ثمّ اتصلنا بإخواننا في الدين والتاريخ والمصير المشترك، فكانت المساعدة الأولى للثورة الجزائرية بل للشعب الجزائري من العالم العربي ، فالإخوة المصريون هم الأوائل في المساندة السياسية وتدبير الأسلحة من الدول العربية ، وأول مساعدة مالية لشراء الأسلحة كانت من المملكة العربية السعودية. عن بيان أول نوفمبر قال: لقد خرجت من الجزائر إلى القاهرة و معي بيان أول نوفمبر،و كنت أظن أنني أصل القاهرة في الوقت المناسب بنية إذاعة البيان على أمواج " صوت العرب" لكنني تعطلت في "بيرن" بسبب إجراءات التأشيرة الأمر الذي إضطرني إلى إرسال البيان بالبريد السريع و لم أدخل القاهرة إلّا في 2 نوفمبر. و في أول لقاء بأعضاء الوفد الخارجي فضلت أن أكون واحدا منهم لنعمل بصفة جماعية و قد إتفقنا على تقسيم العمل فيما بيننا بأن يتولى خيضر و أيت أحمد المهام السياسية و أن أتولى أنا وابن بلة المهام العسكرية. آخر ما قاله محمد بوضياف: يجب أن نضع مقاييس في ما يخص المسؤوليات و هي الكفاءة و النزاهة و الإجتهاد في العمل.. و الدول اللي فاتتنا فاتتنا بالعلم، والدين نتاع الإسلام....
الكتب المعتمدة: - حركة الإنتصار للحريات الديمقراطية لمؤلفه: عبد القادر جيلالي بلوفة - فرنسا و الثورة الجزائرية لمؤلفه: الغالي غربي - ثوار عظماء لمؤلفه: محمد عباس - الجزائر من أحمد بن بلّة والى عبد العزيز بوتفليقة لمؤلفه: يحي أبو زكريا