إلى أي فترة يعود سطوع نجم أحمد بن بلة في مساره النضالي؟ بدأ نجم المناضل الوطني أحمد بن بلة في التألق سنة 1947، فقد أنتدب خلال هذه السنة لمهمتين: الأولى الإشراف على تأسيس وقيادة المنظمة الخاصة بغرب البلاد. والثانية تمثلت في ترشيحه بمسقط رأسه مغنية عن حركة انتصار الحريات الديمقراطية للانتخابات البلدية في أكتوبر من نفس السنة. ويرجع الفضل في البروز على الواجهتين السرية والشرعية إلى مناضلي مغنية الذين لفتوا انتباه الدكتور محمد الأمين دباغين، رائد شباب حزب الشعب الجزائري المتحمس للثورة المسلحة على نظام الاحتلال الفرنسي. وفي إطار المهمة الأولى استدعي بن بلة إلى العاصمة، حيث تلقى المسؤولية مباشرة من قبل قائد المنظمة الخاصة محمد بلوزداد الذي يعتبره ''الأب الروحي للثورة''. وجاء ترشيحه ونجاحه في الانتخابات البلدية ليساعده على تمويه نشاطه السري في التنظيم شبه العسكري للحزب. وبد أشهر معدودة، أعلنت إدارة الاحتلال عن اكتشاف ''المنظمة الخاصة''، وقامت تبعا لذلك باعتقال العشرات من مناضليها، من بينهم قائدها الذي يكون وقع نتيجة وشاية نائبه العسكري عبد القادر بلحاج الجيلالي، الوحيد الذي كان يعرف مخبأه في البليدة. لكن بن بلة ما لبث أن أثار إعجاب المناضلين الوطنيين بهروبه من سجن البليدة رفقة أحمد محساس في أواخر مارس .1952 وفي صائفة 1953 نزل بن بلة بالقاهرة، عبر فرنسا، ورغم وصوله إليها متأخرا قياسا بمحمد خيضر وآيت أحمد، فما لبث أن فرض نفسه بالنجاح في عقد صلات وثيقة بالرئيس جمال عبد الناصر، بعد أن كسب ثقة مقربين إليه من أعضاء مجلس الثورة والمخابرات. لكن دوره خلال الإعداد للثورة بدأ يمتزج بنوع من التعتيم؟ كان لبن بلة دور هام في قرار الثورة، فبمجرد أن استقر في القاهرة ظل يتابع مجهودات بوضياف ورفاقه، كما يدل على ذلك اجتماعهم بالعاصمة السويسرية في بداية جويلية 1954 غداة قرار مجلس ال22 إعلان الثورة في أشهر معدودة، وكان لقاؤه مع مصطفى بن بولعيد بطرابلس عقب ذلك بقليل. وبمجرد اندلاع الثورة تولى مهام حساسة مثل جمع الأموال وإمدادها بالرجال والسلاح. وقد أشرف شخصيا على عدة عمليات بالشرق الجزائري بمساعدة محساس. وهل هذا ما أكسبه شعبية في أواسط المناضلين؟ مثل هذه المهام وأسلوب أدائها بما تقتضيه ظروف الحرب الثورية، أكسبت بن بلة شعبية وسط الثوار، قياسا برفيقيه في القاهرة من أعضاء الوفد الخارجي لجبهة التحرير الوطني: محمد خيضر القابع في مكتبه بحكم مهامه السياسية، وآيت أحمد البعيد بحكم مهامه الدبلوماسية (من باندونغ إلى نيويورك). وجاء حادث اختطاف طائرة الخمسة في يوم 22 أكتوبر 1956 ليزيد من تميز بن بلة وإشعاعه، بعد أن أصبح الإعلام المصري والعربي وحتى الفرنسي -لاعتبارات دعائية ومهنية- يختزل الخمسة في عبارة ''بن بلة ورفاقه''. ما الذي أكسبه تلك القدرة على المناورة السياسية؟ عند انطلاق سباق السلطة في أواخر 1961، برهن بن بلة أنه أكثر واقعية وانتهازية وكارزمية، بالرهان على إستراتيجية جيش الحدود من جهة، وبوضع مسودة مشروع برنامج لبداية الاستقلال الوشيك، لتبرير مشروعية المطالبة بالدور الأول من جهة ثانية. وكان قبل ذلك قد نجح في استقطاب اثنين من رفاقه هما خيضر وبيطاط، عازلا بذلك أهم منافسيه: بوضياف وآيت أحمد. هذه ''الحيوية النضالية السياسية'' على الصعيد الداخلي فتحت أمام الرجل باب الاستفادة من دعم خارجي حاسم عبر روافد عديدة منها الدعم المصري، إلى درجة أنه كان في بداية الثورة بمثابة عراب ''لجنة الستة'' لدى الثورة الناصرية، ليصبح عشية الاستقلال عراب هيئة الأركان العامة بقيادة العقيد هواري بومدين. ومن الشواهد على ذلك: رسالة بن بلة من قصر ''أونوا''، في 12 فبراير إلى فتحي الديب سفير مصر في سويسرا، حيث التمس دعم القاهرة للوصول إلى الحكم غداة وقف القتال واستفتاء تقرير المصير.