هل ينكر أحد من المتنورين اليوم خطورة و أهمية سلاح السينما كصناعة إستراتيجية تدخل في برامج الدفاع عن الأمن القومي للدول ، و تساهم في البناء الحضاري و الثقافي على وجه الخصوص للأمم المتقدمة ؟ هل هو من السذاجة أو من الغباء أن تؤسس دول الغرب عموما شركات ضخمة للإنتاج السينمائي و توزيعه عبر العالم و تنفق الملايير لبناء الأستوديوهات و تمويل الإنتاج؟ إن الصناعة السينمائية في العالم تشبه إلى حد ما التكنولوجيا النووية ، و ذلك لأن لها جانبان ظاهران ، أحدهما وسيلة فنية تساهم في بناء المجتمعات و الدفاع عن الهوية و الذاكرة والثقافة الوطنية ، و الآخر كسلاح خفي سري يتمثل في استغلال الفن السينمائي لتمرير أفكار الحضارة المادية الغربية الهادفة إلى عولمة و تنميط كل شيء ابتداء بتشييء الإنسان إلى تحقيق الهيمنة العامة على الدول الحديثة الصاعدة، و ذلك بواسطة نشر نوع من الرعب المعنوي الذي تحمله السينما من مخابر الصناعة إلى إن أية صناعة لا يمكن لها النهوض إلا بمرحلة تحضيرية ودراسات للجدوى و إعداد عناصر الإنتاج و توفير التغطية الماليةقاعات العرض ثم على شاشات التلفزيون و باقي الوسائط الإعلامية الرقمية الحديثة ، رعب يوحي للمشاهد البسيط بعظمة هذه الحضارة و قوتها الجبارة، و بطبيعة الحال يدخل هذا العمل في مجال الدعاية و التأثير الجماعي لأغراض سياسية و اقتصادية و أمنية، بالإضافة إلى الأفلام الاجتماعية و العاطفية و الجنسية و التي هي أخطر ما تنتجه السينما ، كما يمكن ملاحظة ذلك في عدد الأفلام الأمريكية حول الحرب العالمية الثانية و حربها في فيتنام و الحرب الباردة و غزو العراق و غيرها ، و في كل هذه الأفلام يظهر البطل الأمريكي الخارق و الذي لا يقهر أبدا رغم أن خسائر أمريكا في كل هذه الحروب كانت أكبر من انتصاراتها، لكن بالسينما يمكن قول كل ما يمكن قوله فهي أداة تعتمد على الصورة الحية الناطقة التي لا تجاريها أية وسيلة أخرى في الإقناع و التأثير على نطاق واسع ، وسيلة تحول الخيال إلى واقع و هي بهذا تتجاوز الواقع. و لا يمكن إغفال الجانبين التجاري و الاجتماعي حيث أن الصناعة السينمائية تحقق عائدات و أرباح مالية ضخمة و تشغل آلاف العاملين في مختلف التخصصات الفنية و التقنية. و بوصف شديد الاختصار نقول أن السينما هي سلاح فتاك إذا لم نستعمله فسوف يستعمل ضدنا ، و بالطبع قبل أن نستعمله علينا أن نعرفه ثم أن نمتلكه. و هناك أمثلة دالة : فيلم "الرسالة" لمصطفى العقاد ، يحكي قصة ظهور الإسلام. السؤال: ما الفائدة من إنتاج هذا الفيلم ؟ الإجابة : مجرد فيلم تاريخي ديني ، لكن بعد عرضه في الدول الغربية تعرف الجمهور على الإسلام و صححوا بعض المفاهيم المتعلقة بهذا الدين و اكتشفوا أشياء جديدة كانت غائبة عنهم ، و النتيجة العملية إعلان مئات من الناس إسلامهم ، بالإضافة إلى التأثير الإيجابي على المشاهدين العرب و المسلمين. إنني لا أرى منطقة تتوفر على هذا التنوع الكبير المتواجد على مسافات قصيرة حيث يسهل الوصول إليها بوجود الطرق المعبدة ، إلا في ولاية الجلفة ، هذا التنوع في مظاهر الطبيعة و مناظرها و مناخاتها و أجواءها هو ما سوف يشكل أماكن التصوير مهما كانت طبيعة المشاهد أما تاريخ السينما في الجزائر و رغم أن السينما ولدت بفرنسا سنة 1895 على أيدي الإخوان لوميار حيث كانت الجزائر تحت السلطة الاستعمارية الفرنسية ، إلا أننا حرمنا من هذه الصناعة الفنية على غرار باقي عوامل القوة الحضارية ، و أثناء الثورة التحريرية اشتغل بعض المصورين الفرنسيين و الجزائريين على الأفلام التسجيلية القصيرة و الصامتة التي تمثل اليوم الأرشيف المصور للثورة ، و بعد الاستقلال فوتنا فرصة امتلاك هذه الصناعة و لم تكن هناك حركة سينمائية جزائرية بمعنى الكلمة بل مجرد أفلام ثورية و اجتماعية متفرقة على مدى سنوات السبعينيات و الثمانينيات مع الكم القليل و الجودة الفنية التي تتجاوزها التطورات في كل مرة ، باستثناء بعض التتويجات في مهرجانات السينما العالمية و التي كانت لاعتبارات سياسية أكثر منها فنية. و إذا قفزنا على سنوات التسعينيات نظرا للظروف الأمنية و الوضع العام للبلاد خلال هذه الفترة ، فإننا منذ سنة 2000 لم نفكر في إطلاق مشروع سينمائي وطني يحقق نهضة فعلية في هذا المجال الإستراتيجي الذي يعزز السيادة الوطنية و يساهم في التعريف بتاريخ الشعب الجزائري و نشر الثقافة الوطنية و يعالج مختلف القضايا الاجتماعية. إن أية صناعة لا يمكن لها النهوض إلا بمرحلة تحضيرية و دراسات للجدوى و إعداد عناصر الإنتاج و توفير التغطية المالية ، و في حالة الإنتاج السينمائي يتطلب الأمر في البداية إرادة سياسية قوية ، و بالنظر للظروف العامة للبلاد اليوم فإن الفرصة مواتية لإطلاق مشروع وطني استثماري في هذا المجال و ذلك لتوفر العوامل التالية : 1 – توفر الجانب المالي. 2 – توفر التكوين الجامعي المتخصص. 3 - الحاجة إلى مثل هذا الاستثمار الضخم لتوفير مناصب شغل كثيرة. 4 – الحاجة إلى امتلاك هذه الصناعة الفنية. 5 - توفر المكان المناسب لتنفيذ هذا المشروع الوطني. و بشرح هذه العوامل تتضح الأهمية التي تستلزم ضرورة المضي قدما و بكل إرادة لإنجاز هذا المشروع ، إذ أن الجزائر لم تشهد وفرة مالية مستقرة كالتي هي موجودة منذ أكثر من عشرية ، حيث أن مشاريع الاستثمار مست كل المجالات الإنتاجية تقريبا إلا مجال الصناعة السينمائية ، في وقت فتحت فيه الدراسات الجامعية أمام التخصصات الفنية الدرامية في عدة جامعات عبر الوطن حيث وصل التدرج بها إلى شهادة الدكتوراه، و كما نعلم فإن المهن الفنية و التقنية المرتبطة بالصناعة السينمائية تعد بالعشرات و أن كل إنتاج سينمائي يمكن أن يشارك فيه المئات من الفنانين و التقنيين و العاملين فإن ذلك يخدم قطاع التشغيل بشكل ملموس، ثم أنه من العيب أن لا يكون لبلد كبير مثل الجزائر إنتاجه السينمائي المتميز خاصة مع وجود القدرات البشرية المبدعة التي يمكنها رفع التحدي و تحقيق الحلم ، و أخيرا وجود المنطقة الجغرافية المثالية لإقامة : مدينة الإنتاج السينمائي و الإعلامي Cité de Production Cinématographique et Médiatique ( CPCM ) و بصفتي كاتب و مخرج و بحكم معرفتي بمختلف المناطق بالجهات الأربعة للوطن أقترح منطقة الجلفة حيث تتوفر كل أنواع المناظر الطبيعية و كل أنواع المناخات و هي موزعة على الشكل التالي : • منطقة المصران التي تبعد عن مدينة حاسي بحبح ب 8 كلم جنوبا على الطريق الوطني رقم01 ، بها المناظر الصحراوية حيث الكثبان الرملية. • منطقة حجر الملح التي تبعد عن مدينة الجلفة 24 كلم شمالا على الطريق الوطني رقم 01 ، حيث يوجد ثالث جبل للملح الصخري في العالم و به مناظر عجيبة للطبيعة الجبلية القاسية. • غابات جبل سن اللبؤة بمنطقة حواص ذات الأشجار العالية و الغطاء الغابي الكثيف و هي على بعد 4 كلم شمال غربي مدينة الجلفة ، و كذا منطقة بحرارة على بعد 20 كلم شرق مدينة الجلفة و منطقة صفية على بعد 50 كلم غرب مدينة الجلفة و منطقة بسطامة على بعد 27 كلم شمال شرقي مدينة الجلفة ، و بهذه المناطق منابع الماء و الأودية و الشعاب و القمم الجبلية على ارتفاع حوالي 1300م على مستوى سطح البحر حيث تغطيها الثلوج شتاء. • منطقة جبل بوكحيل قرب مدينة مسعد و كذا منطقة شنوفة و السهوب المحيطة بها حيث أشجار النخيل و المواشي و الإبل و البدو الرحل و وجود المواقع الأثرية القديمة لفترة ما قبل التاريخ. • منطقة السبخة بعين وسارة حيث البحيرات المائية الطبيعية الممتدة و كذا وجود السدود المائية التي يمكن استغلالها في المناظر البحرية. • مدينة الجلفة ذات المعمار الحديث و الشوارع و الطرقات الجميلة. و عليه فإنني لا أرى منطقة تتوفر على هذا التنوع الكبير المتواجد على مسافات قصيرة حيث يسهل الوصول إليها بوجود الطرق المعبدة ، إلا في ولاية الجلفة ، هذا التنوع في مظاهر الطبيعة و مناظرها و مناخاتها و أجواءها هو ما سوف يشكل أماكن التصوير مهما كانت طبيعة المشاهد ، و يمكن القول بكل تأكيد أن هذا التنوع المميز و النادر يجعل من المنطقة مجموعة أستوديوهات طبيعية مفتوحة و مناسبة للتصوير الخارجي لكل أنواع الأفلام و المسلسلات الدرامية. ثم أن ولاية الجلفة علاوة على ما سبق ذكره من الناحية الطبيعية هي مشتلة المبدعين في جميع الأجناس الفنية ، بها أكثر من 150 كاتبا و تضم جامعتها قسما للفنون به شعبة للإخراج الدرامي ، و هي مؤهلة لأن تحتضن المقر الإداري لشركة CPCM المقترحة لتسيير مدينة الإنتاج السينمائي و الإعلامي و كذا أستوديوهات التصوير الداخلي. و بطبيعة الحال فإن مشروعا كهذا يتطلب في مرحلة الانطلاق تعاونا مع شركات أجنبية من أجل نقل الخبرة التقنية و تكوين التقنيين في الميدان من طرف خبراء أجانب لمدة سنة إلى ثلاث سنوات تليها مباشرة مرحلة الإنتاج السينمائي الجزائري. إن تم اعتماد هذا المشروع الوطني سوف يكون إنشاء هذه المدينة بمثابة تأسيس لقطب سينمائي مغاربي يضاهي الأقطاب السينمائية الكبرى في العالم على غرار هولي وود و شركات الإنتاج الألمانية و الفرنسية و الإيطالية و الهندية و المصرية. و أخيرا ، أتمنى أن يعنى هذا الاقتراح بالتفكير و الدراسة و ذلك لأن فن السينما لا يقل خطورة و أهمية عن التعليم و الصحافة و الإعلام ، و اكتساب هذا المجال من أجل استخدامه في مصلحة الأمة يعتبر في نظري واجبا وطنيا.