يرى المخرج السينمائي المصري أشرف مندور، أنّ انعدام التواصل بين السينما العربية والإفريقية، مردّه إلى انعدام وجود مصلحة ماديّة مباشرة في ذلك، وأضاف في حوار لالجزائر نيوز، أنّ مشكل اللغة متفاقم من هذا التشتت حتى على المحور المصري المغاربي· هل يمكن أن تحدثنا عن مشاركتكم في ملتقى السينما الإفريقية الذي نظم في إطار المهرجان الثقافي الإفريقي الثاني؟ خلال مشاركتي في ملتقى السينما الإفريقية الذي نظم في إطار المهرجان الثقافي الإفريقي الثاني، تحدثت عن مصر ودورها في الوسط السينمائي العربي والإفريقي· وأنا أرى أن تظاهرة بمثل هذا الشكل والنوع، مهمة جدا للتواصل بين مخرجي وسينمائيي ومنتجي السينما الإفريقية، لنتعرف على مشاكل بعضنا البعض· وقد اكتشفت، خلال زيارتي للجزائر وحضوري هذا الملتقى وهذا المهرجان، أن مصر في نعيم، فيما يتعلق بهذا المجال، خاصة أن السينما المصرية لا تواجهها الكثير من المشاكل والصعوبات، فنحن ننتج من 70 إلى 80 فيلما سنويا، وأغلب المخرجين يعملون ويجدون في عملهم، حتى ولو كان عملهم، لأول مرة، وهم يتعاملون مع السيناريو بدون تفكير· كيف تجدون السينما الجزائرية، وهل ترون أن الجزائر تعيش تخلفا أو تأخرا سينمائيا؟ لا يوجد تخلف في المجالات الفنية، وأنا أعتقد أن السينما، عموما، رهينة ظروف اقتصادية واجتماعية وثقافية، وقد تواجدت السينما الإفريقية منذ حوالي 100 عام فقط، وفي مصر، مثلا، تحولت السينما من تجارب بسيطة إلى صناعة سينمائية لها جمهورها وسوقها، بتوفر الوسائل مثل الكاميرات الحديثة ودور العرض والمعامل السينمائية، وبالتالي، فالدورة مكتملة، أنتجت صناعة سينمائية مصرية، والسينما الجزائرية، كغيرها من السينما العربية، تعيش تجاربا سينمائية وليس صناعة السينما· ومصر لديها صناعة سينمائية رصدت ما يفوق 4700 فيلم طويل، خلال مئة سنة الأخيرة، ولم تنتج الجزائر سوى 100 فيلم، وسوريا أنتجت أقل من ذلك، ولهذا، فصناعة السينما المصرية، للأسف، أتت على حساب إدراك إنتاج ووجود فيلم آخر في الوطن العربي· إذن، ترون أن التجارب السينمائية ستؤدي، حتما، إلى صناعة السينما، وهل ترون أن الجزائر عليها أن تتبع هذا السبيل؟ أعتقد أن التجارب السينمائية مهمة جدا، ولكنها ليست صناعة، وهي تتنوع من أفلام الإثارة والرومنسية والاجتماعية وغيرها، وتجارب الصناعة هي حالات منفردة تبقى متفرقة ليس لها طابع خاص بها، وهذا هو الفرق بين السينما الجزائرية والمصرية· وإذا نظرنا إلى إخواننا السوريين، فقد بدأوا بتجارب تلفزيونية بسيطة، ومن معدل مسلسلين في السنة، وصلوا إلى توزيع أعمالهم عبر القنوات التلفزيونية العربية، وبذلك، خلقوا مُشاهدا عربيا دائما، ينتظر المسلسل السوري، بشغف، وبذلك، خلقوا سوقا لإنتاجهم الدرامي، وأصبحت صناعة ضخمة ذات واردات ونواة· والإشكال في الجزائر، حاليا، هو غياب دور عرض سينمائية، وإن تواجدت فهي غير كافية من أجل إنشاء صناعة سينمائية، هذا إلى جانب ضرورة وجود توزيع تلفزيوني لهذه الصناعة، وبصراحة، لم يسبق لي أن رأيت فيلما جزائريا في أي محطة تلفزيونية عربية، ونادرا ما نجد أفلاما تونسية أو سعودية، نظرا لصعوبة فهم اللهجة الجزائرية، وإن استعملت لهجة يفهمها بقية العرب، ستكون هناك صناعة للسينما الجزائرية، ولا أعتبر هذا تقصيرا من السينمائيين، ولكن أُرجعه إلى عدم وجود سوق لهذا المنتوج· كيف تنظرون إلى إشكالية التواصل بين السينمائيين المصريين والأفارقة؟ عندما نتكلم عن الجانب الإفريقي، هناك إشكالية التواصل بين السينما المصرية والشمال إفريقية، أي الدول المغاربية، وذلك بسبب مشكل اللهجة أو عائق اللغة، ولكن هناك تجارب تونسية استخدمت لهجة محلية لا تحتوي على مصطلحات فرنسية كثيرة مثل ''عصفور السطح'' تعرض في الوطن العربي وتلقى إقبالا، فاللهجة هي التي صنعت عائقا بينها وبين المتلقي العربي· وهذا هو الحال بالنسبة لبقية الأفلام الإفريقية إذ ليس لها أي سوق في مصر، ولا يعرض حتى الجيد منها، ولا يعرض بكتابة سفلية، ولكن الفيلم الأمريكي يلقى إقبالا في بلدنا، وذلك بفعل وجود تغلغل في الثقافة الأمريكية نتيجة سنين طويلة لغرس مفهوم الثقافة واللغة الإنجليزية جراء الإحتلال وغزو الثقافة، والأفلام الناطقة بالانجليزية نجحت، ولكن من الصعب تسويق الفيلم الجزائري والإفريقي في مصر· لماذا نلاحظ، دائما، وجود فجوة بين السينما المصرية والسينما الإفريقية؟ اللوم لا يقع على الجانب الإفريقي كثيرا، كما يقع على الجانب المصري، فنحن تربينا تربية عربية شرق أوسطية، ولم يذكر بأننا أفارقة، بالرغم من أننا ننتمي إلى القارة، فمشكل اللغة يطرح نفسه، دائما· وإلى جانب ذلك، فالسينما المصرية لديها سوقها، وبصراحة، لسنا بحاجة إلى إيصال أفلامنا إلى المجتمع الإفريقي، لأنه ليس لدينا مصالح مادية· كما أن هناك تقصير من الإتجاه الإفريقي كذلك، فهناك، مثلا، تقصير من الجزائر لأنها لا تحاول التواصل مع المجتمع المصري لعرض أفلامها أو لتنظيم اللقاءات بين السينمائيين، فالجزائر لم تبادر لإهداء أفلامها إلى القنوات الأرضية العربية من أجل التعرف على السينما الجزائرية، وأنا شخصيا، أسافر إلى فرنسا من أجل مشاهدة فيلم جزائري· ولكن بالرغم من ذلك، كانت هناك تجارب مصرية إفريقية مثل مثل ''أفريكانو''؟ فيلم ''أفريكانو'' كان يمكن تصويره في حديقة ''أورمان'' بالقاهرة، بدون اللجوء إلى حديقة إفريقية، وقد تم تصويره هناك، من أجل الحصول على مشاهد سياحية، وليس لديه أي علاقة بالمجتمع الإفريقي ولا يظهر لنا واقعه الإقتصادي أو الاجتماعي أو الجغرافي وليس لديه علاقة مع إفريقيا· نلاحظ أن هناك إنتاج إفريقي ضخم، ولكنه لم يسوق بعد، لماذا؟ يمكن أن نلاحظ أنه حتى على مستوى الدول ذات الإنتاج السينمائي الغزير مثل نيجيريا التي تنتج نحو 80 فيلما سنويا، أي بمعدل فيلمين في الشهر، ولكن السينما لا تقاس بالكم، بل بالنوع، وتكلفة متوسط إنتاج الفيلم النيجيري تقارب 10 آلاف دولار، أما الفيلم المصري، فيصل حتى مليون دولار، فهناك فرق بين الكم والنوع، ونحن نعمل على الإقتراب من مستوى الأفلام الأوروبية والأمريكية كصناعة، ولكن الفيلم الإفريقي، نادرا ما يصل إلى مستوى المتوسط، ولهذا، فمن الصعب إيجاد وجه للمقارنة بين السينما المصرية والإفريقية، وهذا ليس خطأ إفريقيا، فالسينما في مصر، نتيجة تراكم 100 عام من الخبرة، دعمت وكانت فيما سبق مصدرا ثانيا للدخل القومي بعد تجارة القطن· هل تعتقدون أن الإنتاج السينمائي المشترك بين الدول الإفريقية، قد يكون حلا لهذه الإشكالية، خصوصا في الجزائر ؟ لقد سبق لمصر أن تعاملت مع السينما الجزائرية في أعمال مشتركة، فقد تعامل أستاذي الراحل يوسف شاهين، مع ممثلين جزائريين في أعمال مثل عودة الإبن الضال وجميلة بوحيرد، ولكن الممثلين في هذه الأعمال تكلموا بلهجة مصرية، وأثاروا إعجاب الجمهور، وأوصلوا رسالة يوسف شاهين· وأعتقد أن الأعمال المشتركة يمكن أن تساهم في تبادل الخبرات في السينما بين الدول الإفريقية· هل تعتقدون أن إشكالية السينما الإفريقية تكمن في نقص التكوين أم هو مشكل مادي؟ كلا العاملان أثرا في الإنتاج السينمائي الإفريقي، وفي مصر، لدينا معهد للتكوين في السينما، وقد أنشئ في ,1960 أي منذ حوالي 50 سنة، وبهذا صنعت تركما في الإنتاج والتوزيع في دور العرض المتوفرة، إلى جانب توفر معدات الإنتاج والتعامل مع الخارج، وبالتالي، تكونت صناعة سينمائية مكتملة الجوانب· أما السينما الإفريقية، فهي تعاني من مشكلتين، فهي تفتقر للجانب المادي، كما ينقصها التكوين في معاهد الدراسات السينمائية· كيف تنظرون إلى العلاقة الموجودة بين المنتج والتلفزيون؟ علاقة المنتج بالتلفزيون، علاقة وطيدة وعلاقة تكامل، لأن التلفزيون هو الدخل الرئيسي للفيلم، ودخل دور العرض غير ثابت، فهو متغير حسب الإنتاج، أما إذا عرض في التلفزيون، فله سعر محدد يغطي 80 بالمئة· كيف تنظرون إلى الموجة الجديدة من الفنانين المصريين؟ مصر ولادة للفنانين، ففي كل مرة تظهر وجوه جديدة لا تستغرق وقتا طويلا لتصبح نجوما، نظرا لإبداعاتها واحترافيتها، ومعظم الممثلين الذين ظهروا، لأول مرة، في السنوات الأخيرة، أصبحوا كلهم معروفين ومشهورين·· أنا شخصيا أستعين، في أفلامي، بالعناصر المعروفة وأدعمها بالعناصر والمواهب الجديدة· ما هو سر نجاح الفيلم السينمائي ''عين شمس''؟ ''عين شمس''، كانت تجربة فريدة من نوعها ومختلفة، فقد غامرت في إنتاجه مع ممثلين غير معروفين، والحمد لله، كان النجاح على المستوى العالمي، وتم اختيار الفيلم في المرتبة السادسة من بين عشرة أحسن أفلام للسنة الماضية، في التقييم الذي قامت به قامت به جريدة ''ديلي نيوز''· هل تعكس السينما الحالية واقع السينما المصرية؟ نعم، السينما المصرية تعكس، كغيرها، الواقع حتى في الأعمال الكوميدية منها، فالسينما مرآة للمجتمع الذي أنتجت فيه، ويمكن التعرف على مجتمع ما، من خلال السينما، وحتى لو كان الفيلم كوميديا، فهو يحمل في طياته، دائما، رسالة خاصة بالمجتمع· هل يعاني المبدع السينمائي المصري من إشكالية الرقابة على الإبداع؟ الإبداع السينمائي غير معني بالرقابة المصرية، والرقابة رفعت لنا سقف الإبداع والحرية، بشكل خيالي، فالسينمائي يتمتع بالحرية من أجل قول ما يريد عبر عمله، ولا توجد عندنا إشكالية في التوجهات السياسية ويمكن إعطاء مثال فيلم ''دكان شحاته'' الذي ينتقد، بشكل صارخ، الحكومة والأداء الحكومي، ولكن الرقابة تفرض نفسها فيما يتعلق بالمشاهد الجنسية الصارخة مثل ما حدث مع فيلم ''دكان شحاتة''، لأننا في نهاية المطاف مسلمون· ولكن بالرغم من ذلك نجد هناك أفلام فيها الكثير من المشاهد الإباحية، مارأيكم؟ أنا ضد الإثارة بغرض الإثارة، فهذا موجود في أفلام خاصة، أما استعمالها في الأفلام الاجتماعية، فأنا ضد ما يطلقون عليه السينما النظيفة، لأن الواقع الحالي ليس هكذا، والحياة الطبيعية ليس لها تلك الحواجز الحديدية السينمائية، فنحن لا نأتي بمشاهد جنسية كاملة نظرا لاحترامنا للمشاهد والعائلات· وإذا نظرنا إلى فيلم ''عمارة يعقوبيان''، فهو مخصص للكبار، وهو يحلل الواقع المصري، وقد كان جريئا لأنه تطرق إلى موضوع الشذوذ الجنسي، ولكنه لم يستعمل الكثير من الإثارة الخارجة عن إطار الحدود· هل يمكن القول بأن هناك تراجع للإنتاج الدرامي التلفزيوني بمصر، مقارنة مع الإنتاج السوري؟ بمنتهى الأمانة، الإنتاج السوري تفوق على الإنتاج المصري فيما يخص الأفلام التاريخية، لأن أسعار إنتاجها في سوريا، أقل بكثير من مستحقاتها في مصر، وهم في الوقت الحالي، تفوقوا على الدرامة المصرية، ولكن لا أعتقد بأن الدراما السورية تفوقت على الدراما المصرية فيما يتعلق بالدراما الاجتماعية· السينما المصرية تطورت على حساب المسرح الذي تراجع مؤخرا، ما رأيكم؟ الإنتاج المسرحي موجود وكثيف، خاصة فيما يتعلق الخاص بالمسرح القومي الذي ينتج عددا يفوق الخيال، وقد أصبحت أتعب من التردد على المسرح، من كثرة الإنتاج ووفرته، ولهذا فالإنتاج المسرحي لم يحجب ولم يتوقف، وإنما مسرح التلفزيون هو الذي تراجع نظرا لاتجاه الممثلين إلى السينما، فالمسرح، إنتاج ضخم يتطلب وقتا طويلا· شاركت مصر في مهرجان المسرح المحترف الأخير بمسرحية ''قهوة سادة'' التي لاقت صدى كبيرا لدى الجمهور، ما رأيكم؟ خالد جلال، مخرج مسرحية ''قهوة سادة'' يعرف كيف يختار وسائله، ويعرف كيف يختار ممثليه، وهذه المسرحية تضم قوة هائلة من إبداعات الفنانين الذين أعتقد بأنهم نجوم المستقبل، في المسرح والسينما، ويمكن القول أن المسرح المصري جاد، وخرج من كبوته وعاد إلى سابق عهده· ما هو، في رأيكم، سبب نجاح الدراما التركية على المستوى العربي؟ الدراما التركية قريبة من الواقع المصري والواقع العربي، فلدينا ثقافات متقاربة من بعضها، فتركيا مجتمع إسلامي، كما أن الشباب والفتيات يتميزون بجمال الشكل الفريد من نوعه، ولهذا، جلبت شخصيات هذه المسلسلات، معجبين مثل ما هو الحال مع ''مهند''، وبهذا، قربت المشاهد العربي إليها· وأريد أن أشير إلى أني انزعجت من وجود ''مهند'' في المهرجان السينمائي بمصر، لأنه ممثل تلفزيوني وليس سينمائي، وليس له مكان في ذلك المهرجان، ولكن لا يمكن أن أتدخل في هذه الإختيارات· هل تعتبرون أن الدبلجة السورية هي السبب الرئيسي لهذا الإقبال؟ هذه المسلسلات ليست مدبلجة إلى اللهجة السورية، وإنما لغتها عبارة عن لغة عربية فصحى مخففة، يتقبلها ويفهمها المشاهد العربي في مختلف الدول العربية· ما تقييمكم للطبعة الثانية للمهرجان الثقافي الإفريقي الثاني؟ لقد سعدت، كثيرا، بتواجدي في الجزائر، كما سعدت بحضوري في مثل هذا المهرجان الكبير الذي يضم الدول الإفريقية بعد 40 سنة من الطبعة الأولى، من أجل تبادل الثقافات والتعرف على تقاليد الدول، في وقت تغيرت فيه أوضاع الدول العربية والإفريقية عما كانت عليه في ,1969 وقد تعلمت الكثير من خلال هذه المناسبة، ونحن نحتاج لمثل هذه اللقاءات لنتعرف على بعضنا أكثر، ونعرف نقائصنا ومشاكلنا·