اخترت من أهم "الروايات" التي تتحدث "بلغة الكبار بولاية الجلفة"، وهي "المؤهلة الأولى" في "السياق" بالنسبة لما كتبت به من "إبداع روائي" بعيدا عن فذلكة المصطلحات. قررت أن أغوص في "سينما جاكوب"، للروائي المبدع عبدالوهاب عيساوي، لكونه عمل " احترم تفاصيل "(السرد الروائي) حيث ينبغي التمييز بين "المقطع والخطاب"، فمقاطع الرواية بدلالاتها كانت مستوفية "للشكل السردي" حيث توزعت ملفوظاتها بشكل أنيق ، جعلنا نكتشف هذا العمل بكليته الجميلة ، ما يدعونا إلى تقديمه في " مصف كبار" من يكتبون بألم وإحساس ، ووعي زماني ومكاني بما يكتبون ، دون تدويخ للنفس البشرية بالبحث في أصول المعجمية وابتكار مسميات في عقول البائدين... ما شدني إليها" رمزية الخطاب " ومعانيها التي تكاد " تؤرخ لأحداث تاريخية "، حيث يتدخل السارد بقوة في "جمع"التفاصيل وعرضها ، لهذا سأتناول "سينما جاكوب "بتفصيل نقدي ، يأخذ بعين الاعتبار" تفاصيل الخطاب" كما ورد عند كل من "جوليا كريستيفيا" وجرار جنيت وامبريطو، ثم نكمله صيداعند عبد رحمان سلامة ونأخذ بعضا من اسهامات " سعيد يقطين" لتمرير كل المدلولات التي جاءت راقية، وما حكمي هذا على العمل الروائي إلا لأني تمرست عليه مدة من الزمن بمحاورة شخوصه من الداخل. الروائي عبدالوهاب كان صريحا وجزيئا وأكاد اجزم إني لم اقرأ لحد ألان لأديب في مستوى هذا "السارد " من حيث المناولة الجريئة والاعتراف. 01- تركيبة العنوان ومشكلة الألوان: يستعمل "المؤلف" أو "الروائي العنوان" كعتبة ليعبر عن " شيئين اثنين" أولهما حنكته في الاختصار والتوليف بين المضمون السردي وتلك الجمل التي يختارها "كعتبات" والشيء الثاني أن يعرض لنا " جذبا مبهرا " يدعو القارئ إلى "تلفظ العتبة على سبيل الإعجاب والانبهار والفرجة الممتعة"، حتى يستولي "هوس العنوان"على القارئ ، والروائي "عبدا لوهاب يساوي" طار في الجانب الأول" لأنه اختارعنصر "جذب مشترك "بين جماهيرالسبعينات والثمانينات،معظمهم يرتع اليوم بذكرياتها الجميلة ، كانت "سينما جاكوب "القاسم المشترك بين المتبديين خارج الجلفا و"المتعصرنين" بداخلها وهم سكان المدن .. سينما جاكوب( بداخل المدينة الكبيرة التي ظلت تحاورعلى مر الزمن كل الثقافات ) جمعت فلولها من كل الإرجاء التي تبانت على رواقها الطويل كممر منذ 10 ألاف سنة ،عندما " بنى الرومان" قلعة "دميدي" تاريخا وعمرانيا لا تنيف عن قرن وشيء. تعبر هذا المدينة الرائعة في " زخم العقدة الاجتماعية" إلى ذلك "الانفتاح"قصدت به التفتح على كل مظاهرالمعايشة بين أقلياتها المتناثرة بالبلديات والدوائرالتي تمثل خليطا من البشر، كانوا يأتون إلى" سينما جاكوب" الكواكب حاليا ، يتصورون أمام تمثالها كأنه "صنم الفلاحة المصرية في عاصمة الضباب "حيث بدأ المثال بارتولدي باقتراح انجاز "تمثال ضخم"من الجرانيت لفلاحة مصرية يقام على مدخل "قناة السويس" تحت عنوان "مصر منارة آسيا"، غير أن الفكرة مرت إلى أمريكا عندما كانت الدول الغربية مولعة بالمسلات الفرعونية . "سينما جاكوب"هي تمثال الحرية الذي يذكر"أبناء السبعينات والثمانينات"بتوقيف مضامين التاريخ عند هذه المراحل ، حيث تشكل مجتمعة مشعلا وميدانا اولمبيا لتوحد كل ماضي أبناء الجلفا والملونين من بقاع التماسات ،كلهم يتذكرون بهوس "سينما جاكوب" كمن يبحث عن توقيع لماضي جميل يتحرك بين وجدانهم بشخوصهم ،بمجرد ذكر سينما جاكوب انه "مجمع وملتقى" بين ملايين الأحداث لسكان الجلفة وكل زوارها وقاطنيها المارين ، في الوقت الذي كانت فيه" سينما جاكوب" تلازم مكانها لاتميز بين ساكني المدينة وزوارها . كان "السيرالصوفي" يحاور مطياتها الخافية عند البعض ذكرلي اخ كريم انه مر ذات يوم بشخصيين يتعاطيان الخمر "جالسين بالقرب من "سينما" ولما رايا في طريقهما "سيدي عطية مسعودي قدس الله سره " مارا غير بعيد اختفيا عن الانظار حتى لا يراهما من حرمة الدين ،كان جاكوب يخشى سي أعطية رغم ان الفارق بينهما ليس سوى مجرد أمتار. استقراء الالوان جاء باهتا ليؤكد في الخطوط الزرقاء والانقشاع الأبيض لمنعكس الضوء الوافد من قبعة الإفراز العالقة بحائط النفاذ إلى القزحيات..البشرية..اما الزرقة بانسيابية الماء ورذاذه المتحول بين المجاري في حركة افصاحية خلابة تميل الى التغير حسب مستويات الريح واخطرها الريح العقيم.فطانت سينما بلون وجاكوب بلون اخر ومابينهما جسر.. 2- عمران وسلطة طب الآلة الإنسانية: تشكل المكان مفتوحا في البداية، ليخفي فيه الراوي مجموعة من المسارب والوعظ والخطايا التي كانت تميز المكان ، في خياله" امرأة متبدية" تفترش الحناء كصبغة وشعرها المتناسل بين الضفة والأخرى ،يشرف على شرفات المباني القديمة قبل أن تنجز عمارات "بوضياف "ما كانت لتكون "امرأة "سوى لأنها تقع في الشارع المار كالبلعوم في حلقها، تستمع من "أذنيها لضجيج وارد من مؤخرة الشارع " وتتنفس " نيوكتين" معبقا بقهوة الفرارة ، كان "الراوي" عاشقا لهذا" السياق المكاني" الذي مرة يحاكيه، ومرة يصف ما يقارب سنه في تلك الأثناء. استعمل الراوي "مربعا غريماسيا جميلا"، قبل أن ينتقل إلى ذكر أحداثه، فوزع "معلمه المتعامد" الى ماهو موجود بقوة (مدينة الجلفا) وما هو موجود "مجازا الذاكرة "معبأة كأنها امرأة شغوفة بالنسيان، ثم ذكر الصفات التي رافقت الموجود بقوة وهو مدينة الجلفا، وأردف في المحور الأخير صفات مجاز الذاكرة وبالتالي يكون قد جسدا لنا مربعا مثيرا لغريماس وهو يحاكيه . لنحاول أن نتوغل في عمقه لنرى أين قياسه أو موقعه؟؟؟ استقر الراوي في وسط المربع منتحلا صفتين صفة الرواي للأحداث ، وصفة المنتظر ، ثم بذكاء استل من وسط المشهد ليخرج لنا وضعه (العاشق الصغير ) الذي جاء متأخرا مبرزا لنا إيمانه بفرصة الإحياء من جديد لماضي مر في خيال الأربعيني، الذي مازال يتردد على سينما الكوكب متذكرا، لا يجد مقاسات إلا "قصة جنود أشور"الذي افسدوا أورشليم، والتي أخرجت المدينة بالحزن وبالرذيلة ، وهنا يتضح المخيال ألتشبيهي بان ما يوجد من الافساد كان بفعل الاستدمار. إن كان ذلك قياسا لان ما يطلعنا" العهد الجديد"هو سريان الفساد في الأرض، من صليل الذكرى والرحم يخرج عبدا لوهاب براعته في تحويل نفسه إلى "مؤرخ"يصف المدينة "الام" مشيرا إلى تغيراتها ( تتحسس التدريس التي ظهرت فيها ،لم تعد أهواء ساكنيها كالسابق، كانت صدورهم أكثر اتساعا، البهجة، يتذكر أشباحا في المدى الأسمنتي ، كانوا هنا ورحلو..)ص23 وبمنهج استطرادي يدخل في عمق الفكرة، دون تنطط أو رغاء إلى استلال زميله عمران من عمق الموت ليحي فيه اثار البوح من جديد، معطيا " تشابها برغماتيا" بينه وبين جده، وكأني بي يريد ابراز "شاردة التأثر"بهذا الراحل " عمران " ذكر بعفوية "جده" وطريقة مشيه ونظريته بخصوص طلب الآلة الإنسانية "المتسلط القديم الجديد.". 3- المدينة بين مفترقين: رسم لنا الراوي." ببراعة (طريقا مزدوجا) يمر وسط الجلفة، وقبل إن يمر في الواقع، كان قد مر في خيالاته في زمن عمران، واصفا لنا في رحلة هندسية جميلة تدل على تشبعه في علم الهندسة واضعا أيلولة الطريق من المآرب إلى مقهى اسكندر، وبداخل المقهى يصف لنا عالم (متحرك بين الكومبارس "الذين"يصنعون المشهد الكافتيري منشطين حركة كل من سعيد.محمود الباهي .عمران الراحل....)، كما اصبغ لنا تأصيل "الحدث السياسي" في روعته مع بداية النزاعات الدولية في الشرق الأوسط ، حيث يقحم العراق (حديث الأمة الشعبية) من خلال زيارة المهندس المعماري للعمل هناك، ومر في خياله الواسع ذلك التحوير الهندسي في إشكال الصبغة العامة للمدينة منها "إزالة الأقواس" التي كانت تزين الشوارع ومداخل المقاهي ، وفي خظم هذا الإحياء لم يستطيع " الرواي" وأصدقائه المنتظرين محاكاة تاريخ نسيان (غضبة عمران ) الدائمة.. 4- مدينة "الجلفا" وحرقة الذاكرة: لم يصعب الراوي في مشهدياته اليومية، من حالات العرض البيولوجي التي تعتريه من حين لأخر وقد كانت وعكته الصحية التي أفقدته الوعي لمدة يومين ،كفيلة بعرض "المؤاخاة"التي كان يمتاز به الجلفاوي في الحالات الطارئة وقد أرجعته تلك الحالة إلى أيامه البريئة مع "سارة" التي ظل يلفظ اسمها في عملية "إرجاع" تعمدتها أليافه العصبية ليحي لنا" فصلا جديا" سيتكلم فيه عن " سارة " (الأصل العطف والتاريخ )، ولكن قبل ذلك ارتبط الراوي برموز الإحياء في ذاكرة "الجلفة عمران" بجلالة استوعابه للبادية وللأعراف المتبقية وللرد على الإشاعة ولأخذ الحقوق ، صاغ لنا "الراوي" في "ما قيله" فصلا دافع فيه عن حماية الحقوق العقارية ، مهما كانت صياغتها استعمارية أو عرفية ، الوصف الواصل بين البادية والمدينة، كان جميلا اعتمد فيه الراوي على ملفوظات يحفظها الكائن الاجتماعي ويدافع عنها ، وكأني به أوضح "عقدية العقود" منذ زمن وهذا للنظر في قضية العقود العقارية للأملاك المسلوبة،هذا من جهة ومن جهة ليشغل لنا من علامته حديث "القضية العراقية" ، والموجة اللحنية التي أتحفت ترانيم العود التي كانت تتقاذفها أنامل رياض السنباطي ملحن أم كلثوم. 5- الاصل والقيمة..والحنين في ملفوظ سينما جاكوب : وظف "الراوي" في عمله الخيري توفيرمكانيزمات "التآزر الوظيفي" داخل دواليب العمل، وهو عمل أخلاقي كان يجانب عكس ما أمر به "لوكاتش" بان الإنسان الذي يجد نفسه في مواجهة عالم، يلقي فيه قيمة مطلقة، فكل مافيه نسبي،غيرأن هذا الأمر ذكره" لوكا تش" تأثرا بالفيلسوف الألماني "ميشال الووي"، حيث ان مصادرة القيمة عند عبدا لوهاب عيساوي لم تقم على بيان سياغي إلا بعدما ظهر زيان (صورة جاكوب) فهو "الأصل والقيمة "في تروية مشهديات "سينما جاكوب"، وهنا وجدنا استعمال الراوي لثلاث رؤوس اجتماعية : الرأس الأول "أخلاقيات المؤسسة" : وفيها أشار إلى" أخلاق زيان والباهي" في دوامة عمل السينما ، بدأ من فتح السينما إلى نهاية الفيلم معرجا في نفس الوقت إلى عرض تفاصيل خاصة عن " الباهي" صاحب الشركة وحكايته مع السكرتيرة "سعاد".. الرأس الثانية.أخلاقيات الذات: وفي هذا المعيار، ذكرالراوي من خلال مشهدينه" تغيب القيم" في الجلفة بعد التمدن والعصرنة، وأشارإلى "نوعية جديدة من البشر"،انفجار الهوايات كالصيد، تربية الحيوانات النادرة التباهي بالأسلحة والنساء. إما الرأس الثالثة :البني الاجتماعية : ذكر الراوي بعض البني التحتية التي تطبع الآصل الرصين، وعني به الجلفاوي، الذي كان منسجما مع العالم، حيث قسم المدينة إلى قسمين قسم يمتلكه صاحب السينما الذي لم يعد جاكوب ، وقسم هو طبعها .. وبريط المعايير الثلاث تظهر في" ماقيل"الراوي ان هناك تطبيع من اجل "التأصيل" في خظم تناقض الأحداث والأنساق داخل مدينة بدأت تتوسع بالانفتاح.. 6- نهاية سحاب والشهباء في ميدان الفيروسية: نقل "الراوي" حالة دراماتيكية لموت صديقه "زيان" حامي حمى سينما جاكوب ، يؤثر ذلك الحزن على الراوي وهو حزن على "ماضي" مثل غيره من أبناء جيله ومقابل هذا التأثر، صاحبته مضاعفات بيولوجية وهو ما يؤكد التأثر والتحصر العميق على تلك الإحداث والأيام التي تذكره بها سينما جاكوب فقد التقى الحزن بالسعادة في أول بادرة إثناء "موت زيان"، اختار "الباهي"علبة الأرشيف لعله يعثرعلى "هرمون الحركة من جديد"، وبموته يحدث الاندثار لم تعد السينما كما كانت لان حصرته ،أقفلت من قبل عندما شمعته البلدية في محاولة لإخراجها من بوتقة الوحشية ، وظل يرقبها قبل الممات من سينما اسكندر وتهاوت إلى رأسه تعويضا للوقت بان ينحو إلى ميدان الفروسية ،حيث اوجد الراوي "الحصان"سحاب ملك لزيان والشهباء ملك "للباهي" وكليهما متناقضان أوردها غريماس مقارنة على الفعل ألصراعي داخل متتاليات "السيرة الذاتية" .. سقوط "السحاب" لم يكن إلا سينما جاكوب مقابل الشهباء التي لم تكن إلا "النظرة الجديدة"في التحول وأخيرا يكتشف "زيان" ان فرسه وخزت بابرة مخدر حتى لاتنهي "السباق للقديم"، هو صراع متجدر ترجمه الراوي داخليا ، ومن حدته يموت الرجال بالأزمات ، وقد أولج لنا شخصية عمران لترقع الحدث وتسهر على "دفن زيان" ومعه ربما جاكوب. إن موت زيان هوخبر تراجيدي، أصاب "الجلفا" برمتها حزن ودهشة ، رغم انه لم يرد لهم الحزن فكان سريع التنكيت متعاطف مع الغير ولا سيما " المرتادون " إلى قاعة السينما فهو شخصية " لامثيل لها" في كل شي واحد من القلائل الذين لهم نمط معين في الحياة هكذا كان يواصل الراوي وصف" الراحل زيان " عفوا الراحل جاكوب كان شابا في السينما وعجوزا في الشركة ، في حياته يقول الراوي انه كان حزينا، يواجه الإصرار، عندما تخلت عنه جاكوب ...وفي الأخير جاكوب لم يكن إلا "تاجرا" في العهد الكولنيالي جاء ليحقق الربح السريع، "وزيان " أراد ان يزين الوضع المتردي بإضافة جديد من الفطنة وقتل الروتين والتحضر لزوارها..لان دينارأو نصفه كان كافيا ليصنع موقفا بعد طول مشاهدة عادية أو في العلية الخشبية .. ستل "مواقفه" من الشخصيات العربية والأئمة "الرافضون للانفتاح على طريقة جاكوب"كان ذلك في العهد الاستعماري ولما اطمئن الناس بعد الاستقلال علموا ان " جاكوب "انتهى في طبعته القديمة..وأصبح بعدها زيان كما عمران..ومحمود وغيرهم كثير. 7- روعة الفرجة..وتقاطيع الجزن في معاناة جاكوب: الروعة تلبست أخمص الفلاة..ليس بحركيتها النشيطة، بل تزعمها للدراما، حين استعرض عبدالوهاب مقاس ومعاناة هزتني من سليل الغمق، إنها "المعاناة الخفية "التي أصبح الناس في وقتنا الحالي يكتمون تراتيبها عندما تتغير ظروفهم المعاشية، خوفا من الرجوع اليها . عند عبدا لوهاب كانت العزيمة اكبر من إي شي في ربط الماضي بالحاضر عن طريق جسر، شكل في عمق أكثرمن 12 صفحة في الرواية، رغم أن ما بعد الجسر كانت تكمن حكاية "تحقيق بوليسي"عن قاتل الباهي ما قبل الجسر كان المتهم يقبع زائرا ما بين،متفاعلين..عمران..والاضبارة التي حملها كإقونة لاتهام عمران بجريمة لم يفعلها بل ترامت خيوطها على نفس شاكلة الإحداث ألتي قراها في رواية " جسرعلى نهر درينا للكاتب اليوغسلافي "ايفا اندلايتش" وهي رواية حسب قوله تؤرخ لجسر بناه الوزير التركي محمد باشا ،لأبناء قريته لكن الشيء المقدسي هو ذلك الوصف لحالة الأب ،من قيحته "حمى الإدمان" والبنت المريضة التي استل المرض شعرها، في كونة الفقروالطفل مسعود المرتعب الساقط في ألبير، وإلام المكلومة التي قاست أمر الدروب،كلها إصابات تراجيدية ، لو استعملها السارد في الواقع "كعقدة" في الأول لكان أجمل في إطار العهد الذي غمرت به سينما جاكوب . تبقى في صلب الرواية مجرد ذكرى لا حيال من جميع قوالب المجتمع عاشت الحسرة والويلات ،كما عاشت البساطة والحلمية، كانت فعلا جسرا بين عالمين "عالم متبدي "يفوح بالرأفة ومكارم الأخلاق السامية وبيوت على بساطتها كانت تفتح الانشراح وبيوت أخرى تسلمت عنان التكنولوجية وصارت بالاسمنت كأنها "الكاسحات الناطحات"،مجمل الشخوص " التراجيديا" . حاول السارد الإشارة إليها بشجاعة كانت جميلة جدا ، جعلتني احكم من باب "الزاوية النقدية" إن السارد، وضع طريقه الحقيقي على طريق الرواية ، وهو محنك لأنه تناول تفاصيل عجيبة في التحقيقات على طريقة "اجاتا كريستي" وأحيه في هذا الجانب وعلى طريق مصطفى منصور وأنور عكاشة في تقديم حياة الحارات وهو في هذاالسياق في مدخل روايته واصفا "شارع لامارتير"كأنها حارة ليالي الحلمية، والشيء الثالث هو ان "الراوي " كان متأثرا جدا بواقعه الاجتماعي ، كابن لمدينة "رائعة تاريخا وأصالة" هي الجلفة عكس تقاليدها ،مما جعلني احكم مرة أخرى على انه وضع علامات لدراسة تاريخ المدينة من الناحية العمرانية والتي يظهر في مكامن الراوية انه يجيدها "هندسة وتصميما.."وقد فتح النهاية كما قال بحمله لكراسة الجسر.. الروائي عبدالوهاب كان صريحا وجزيئا وأكاد اجزم إني لم اقرأ لحد ألان لأديب في مستوى هذا "السارد " من حيث المناولة الجريئة والاعتراف.