مجرّد الإطلاع على مشروع ميزانية الدولة الجزائرية لسنة 2015 يكشف عن حج الضيم والاختزال الذي تعاني منه عاصمة السهوب ولاية الجلفة وهذا باعتبارها رابع أكبر ولاية من الناحية الديموغرافية بعد كل من عاصمة البلاد الجزائر وعاصمة الغرب وهران وعاصمة الهضاب ولاية سطيف ... فبمجرد ملاحظة دقيقة لأكثر من 1000 صفحة المتضمنة تفصيلات الميزانية نجد أن نصيب ولاية الجلفة كان فقط نصف صفحة جُلُّه عبارة عن أموال لمشاريع مرصودة سابقا مثلما هو الأمر مع اعادة تخصيص مبلغ المشروع القديم لإزدواجية طريق عين وسارة - حاسي بحبح. وفيما يتعلّق بقطاع الصحة فان ولاية الجلفة قد استفادت من مشروعين لمستشفيين متخصصين. حيث يتعلق الأول بدراسة مستشفى متخصص في الأمراض العقلية بتكلفة تقدّر ب 20 مليون دج. ونفس الأمر بالنسبة لمشروع دراسة انجاز مؤسسة استشفائية متخصصة في طب الأطفال وبالتالي فقد تداركت الدولة –ولو بصفة متأخرة- التغطية الصحية لأطفال ولاية الجلفة الذين يقارب عددهم نصف مليون طفل أقل من 14 سنة (482 ألف طفل بنهاية ديسمبر 2013) خصوصا وأن "الجلفة إنفو" قد تطرّقت في استطلاع إلى حالة مصلحة الاستعجالات بعاصمة الولاية والتي يعالج فيها في نفس الوقت الأطفال رفقة المساجين والمرضى العسكريين وضحايا حوادث المرور وجرحى شجارات العنف وشجارات الشوارع وغيرها. كما استفادت ولاية الجلفة أيضا من دراسة لانجاز جناح استعجالات طبية. وبموجب ميزانية سنة 2015، استفادت مدينة مسعد من مبلغ 07 ملايين دج من أجل دراسة ومتابعة لانجاز مركز نفسي بيداغوجي للأطفال المعوقين ذهنيا. وأيضا مشروع لإعادة تأهيل وترميم وتجهيز المركز المتخصص في إعادة التربية بالجلفة والتابع لقطاع الشؤون الاجتماعية والتضامن وهذا بتكلفة إجمالية قدرت ب 12 مليون دج. أما بالنسبة لقطاع الثقافة، فقد استفادت بلديّتا حد الصحاري وبويرة لحداب من دراسة لإنجاز مكتبتين بتكلفة تقدّر ب 04 ملايين دج. في حين خصصت وزارة الثقافة مبلغ 44 مليون دج بين ولايتي الجلفة وتيزي وزو من أجل انجاز قصرين للثقافة. وفي قطاع التعليم العالي تم منح ولاية الجلفة مشروعا من بين 03 فضاءات تكنولوجية مع ولايتي تمنراست وعين الدفلى وهذا من أجل الدراسة والمتابعة والإنجاز بتكلفة 30 مليون دج. كما استفادت جامعة الجلفة أيضا من مركز للبحث في الزراعة والحليب بتكلفة 40 مليون دج. وبالنسبة لقطاع الشباب والرياضة فقد كانت موازنة الدولة شحيحة جدا حيث لم تستفد ولاية الجلفة سوى من مشروع لمسلك لألعاب القوى بمدينة عين وسارة ومشروع آخر لمركز ترفيهي علمي وهو ما يعكس حجم الاحتقار لولاية مثل الجلفة تحرز ألقاب بطولات وطنية بانتظام في رياضات الملاكمة والرياضات القتالية والفروسية والرماية الرياضية وألعاب القوى وغيرها. وفي قطاع المالية، تقرّر تخصيص مبلغ مالي لمشروع انجاز مقر الخزينة الولائية بالجلفة مع 03 مساكن الزامية والذي انطلقت أشغاله بحي الحدائق وهذا بتكلفة 100 مليون دج. في حين أن بلدية حاسي بحبح استفادت من مبلغ 65 مليون دج لانجاز ومتابعة مركز جواري للضرائب CPI. وايضا مبلغ 05 ملايين دج من أجل دراسة وانجاز مقر للمراقب المالي. كما استفادت كل من بلديتي عين وسارة وحاسي بحبح من مشروعين لدراسة ومتابعة لإنجاز مقر مفتشية اقليمية للتجارة بتكلفة 02 مليون دج بمسعد و03 ملايين دج ببلدية عين وسارة. أما في قطاع الشؤون الدينية، فقد تفطّنت الوزارة إلى ضرورة تخصيص مبلغ مالي لتأهيل وتجهيز المركز الثقافي الإسلامي "الشيخ العلّامة سي عامر محفوظي" بكلفة 30 مليون دج. وتخصيص 90 مليون دج لمتابعة وانجاز وتجهيز مدرسة قرآنية نموذجية. قطاع المجاهدين كان هو الآخر قطاعا شحيحا في ميزانيته ولا يعكس حجم ما قدمته ولاية الجلفة ابان المقاومات الشعبية وحرب التحرير حيث تم تخصيص مبلغ 52 مليون دج لإعادة تأهيل مركز التعذيب سابقا بقلتة السطل ببويرة الأحداب ومشروع لتهيئة مقبرة الشهداء بالجلفة. بينما استفادت ولاية مثل ميلة من برنامج لإعادة تأهيل 04 مراكز تعذيب. لينسى مسؤولو قطاع المجاهدين أن ولاية الجلفة فيها مركز التعذيب لبلونيس بدار الشيوخ ومعتقل تعظميت الشهير وغيرها من الشواهد التاريخية. يد الدولة كانت مغلولة تجاه ولاية الجلفة ويبدو على معدّيها أنهم ذوو طابع جهوي على حد وصف أحد المتابعين حتى أنهم أعطوها طابعا "الريع" ... فكيف يتم تفسير تجاهل مطار "الثلثي" من طرف وزارة النقل بينما خصصت الدولة ميزانية ضخمة قدّرت ب 210 مليون دج فقط من أجل دراسات لتطوير مطارات مستغانم وقسنطينة وباتنة والوادي وغيرها رغم أن الجميع يتفق على الجدوى الاقتصادية لمطار الجلفة باعتباره يبعد ب 05 ساعات فقط عن أكثر من 20 ولاية وبإمكانه تغطية أكثر من 20 مليون نسمة منتشرة في هذه الولايات. بل وبإمكانه أيضا احتضان مقترح شركة نقل جوي تابعة لقطاع البريد من أجل تجميع وفرز وتوزيع البريد مثلما أوصى به المجلس الشعبي الولائي في دورته الأخيرة. أما بقية الميزانية فقد كانت فقط عبارة عن إعادة تخصيص مبالغ لمشاريع قديمة مثل إعادة منح رخصة الطريق السّيّار الهضاب العليا 220 ألف مليون دج الذي يمرّ عبر عدة ولايات ويُشاع أن ولاية الجلفة قد حُذفت منه. ونفس الأمر بالنسبة لمشروع ازدواجية الطريق الوطني رقم 01 من حدود المدية إلى عين وسارة على مسافة 30 كلم والذي خُصّص له مبلغ 4000 مليون دج. كما استفادت أيضا ولاية الجلفة من مشروع لدراسة لإنجاز وتجهيز 48 مقر لمديريات تهيئة الإقليم. وخلاصة القول أن ميزانية الدولة الجزائرية يبدو أنها لا تراعي الديمغرافيا في منح المشاريع النوعية لا سيما وأن الواقع الديمغرافي يفرض تكفّلا نوعيا وبامتياز بالجانب الصحي وتكوين الأطباء (المستشفى الجامعي) والنقل (المطار) والموارد المائية (تأهيل السدود ومياه الشرب) وتصفية المياه المستعملة (مدينة الجلفة تحتاج محطتين أخريين لتصفية المياه) وقطاع الفلاحة الذي تجاهل منح ولاية الجلفة ملحقة للمعهد الوطني للطب البيطري رغم أنها الأولى وطنيا في عدد رؤوس الأغنام والماعز والأولى وطنيا في انتاج اللحوم الحمراء والأولى وطنيا في انتاج الحليب من غير مصدر الأبقار. كما تجاهلت الميزانية أيضا تقوية مختلف الشبكات كالألياف البصرية والكهرباء والهاتف والغاز وقطاع الشباب والرياضة الذي تُحصي فيه ولاية الجلفة أكثر من 600 ألف شاب يحتاجون تكفلا نوعيا لتفجير مواهبهم وممارسة الأنشطة الرياضية ... واقع مثل هذا يكشف أن جُل المسؤولين بالولاية والمديريات التنفيذية والبلديات والمنتخبين محدودو الطموح وكأن حدود التشريف تتوقّف عند التكليف بالمنصب الذي هم فيه وليس تشريف سيرتهم ومنصبهم بجلب مشاريع نوعية إلى رابع ولاية على الصعيد الوطني سكانا وأول ولاية وطنيا حدودا مع الولايات وأقرب ولاية إلى أكثر من 20 ولاية شمالا وغربا وشرقا وجنوبا وأول ولاية على الصعيد الوطني من حيث البناء والإنشاء ... يبدو أن المسؤولين على الصعيد المحلي والمركزي تنعدم لديهم ثقافة الإستشراف والتخطيط والتكفل القبلي على المدى المتوسط والبعيد لأنهم لا يعلمون أن ولاية الجلفة ستكون بعد 15 سنة ثاني أكبر ولاية من حيث عدد السكان بعد عاصمة الدولة الجزائرية!!