حل المساء فأويت إلى فراشي و فتحت التلفاز و رحت أتابع برنامجي الأسبوعي المفضل وبينما أنا منهمك في ذلك شعرت بدبيب وزحف أعداد كبيرة من الديدان هذه ليست أول مرة يحدث فيها ذلك كظمت غيضي وحاولت أن أتمالك نفسي فقد تعلمت أن الصراخ لا يجدي نفعا مع الديدان ولكن لماذا لا يحس ويتقزز الجيران وأهل المدينة كلها كما يحدث معي؟ لقد حاولت أن ألفت انتباه أصدقائي والمقربين من خطورة هذا الغازي،الذي ينتشر بسرعة رهيبة ثم ومع خيوط الضوء ساعات الفجر الأولى يختفي فجأةً مرةً واحدة و لا أحدا يًعبأ بذلك أحسست مع إلحاحي في هذا الموضوع أنني مجنون أو أنني غير طبيعي، صاح فيّ أحدهم معنفاً : زالدود...الدود...الدود لم يبق إلا أن تمنع عنا الهواء الذي نتنفس!و قال آخر تبدو عليه ملامح الحكمة: مالك ولهذه المخلوقات المسكينة إنها مسالمة و لا تأذي أحدا بل بالعكس أنا بركة الخالصة ما وقعت كلماته على مسامعي حتى أصابتني دهشة شديدة...أتراهم آلفو زحفه المزعج حولهم وعلى جلودهم ! فوق وتحت أغطيتهم وعلى أواني الأكل والشرب على الأرض والجدران وعلى السقف، قرَّرتُ أن أبيده بمبيدٍ قوي للحشرات، فعلت ذلك وكرَّرته عدة مرات ولكن كلما رششته بهذه المادة السَّامة إلا وازدادت أعداده ونشطت حركته ودبيبه، إن شكله المقرف يقززني مع أنه ضئيل وصغير جداً كالإبر الدقيقة أسود وأحمر وأصفر في تشكيلة من الألوان غير السَّارة كما أن له رائحة مقيتة ويخلف وراءه مادة لزجة كل ذلك يهاجمنا في أعز ساعات الراحة والخلوة ولكن لا أحد غيري يزعجه الأمر ويهمه. سألت أحد الصحفيين عن الظاهرة فقال لي بصوت خافت: - انه لا يُسمح لنا بأن ننشر غسيلنا في الصُحف ثم الكل سعيد مرتاحٌ بذلك فلماذا نعكر صفو حياة الناس ! ذهبت إلى المكتبة العامة لعلي أجد في بعض كتبها المختصة معلومات حول هذه المخلوقات المزعجة فوجدت الصفحات الخاصة بمعلومات حولها ممزقة ولمَّا سألت القائم على المكتبة عن ذلك قال لي بصوت الناصح الحذر: -حاول أن تعيش كما يعيش البشر -كيف وأنا لا أنام، أتعذب في كل ليلة أنا أكره الدود أكرهه...أكرهه من كل قلبي، وما كدت أنتهي من كلامي حتى كان القائم على المكتبة وقد جمع أوراقه ووضعها في محفظته وبسرعة فرَّ من أمامي فزعاً خائفاً. إستيقضت في هزيع الليل على وقع قطرات الأمطار فخرجت مستبشراً لأستمتع برائحة الأمطار وهي تداعب عفر التراب ولكنني فوجئت أن السماء تمطر دوداً، وأخيراً عمَّ الدود المكان وأغرق المدينة وما حولها من مداشر وقرى وضاعت حولها الحياة في ذلك الليل القاتم.