تفاجأ بعض المثقفين من ردة الفعل إثر الاستطلاع الذي نشرته جريدة "الجلفة انفو" الإلكترونية، حول أهمية إحداث مجلة ثقافية متخصصة، دون أن يلجوا إلى أية مواضيع تخرج عن نطاق الفعل الثقافي الجاد، ليتحوّل هذا المطلب في مفهوم بعض المتلقين إلى اتهام للوزيرة شخصيا، في حين أنه مجرد طلب يقدمه بعض المثقفين في رؤى متعددة (تعدد زوايا الرؤية، تتعدد بها طرائق الطرح)، فكل بأطروحاته، كما أنني خضت غمار هذا الملف من أجل الوصول إلى نتائج إيجابية لا أن يتحوّل هذا المطلب عند جريدة "الحياة" إلى اتهام، فقد كتبت جريدة الحياة كعنوان لمقالها في الصفحة الثقافية (بينما اتهمها البعض بأنها عاجزة عن إصدار مجلة ثقافية متخصصة/ جمعيات ثقافية تعلن وقوفها إلى جانب العبيدي)، فالطرح الذي تقدمه جريدة الحياة من خلال العنوان يظهر جانبين متناقضين، مع أن الطرح الذي خضناه يبين انشغالنا بالهم الثقافي لا بتصيد الفرص أو غير ذلك، هذا الملف كان يطالب الوزيرة انطلاقا من حق مشروع وليس حربا ضروسا مع أي حزب سياسي أو حركة ثقافية، فهو مجرد آراء لأشخاص بعينهم، وأغلب المثقفين ينتمون فعليا للوزارة لكونها وزارة جزائرية تحمل الراية الوطنية، وليست وزارة أشخاص معينين، وإذا كنا نطالب الوزيرة بما هو في الإمكان وننبه إلى ضرورات ذلك، فليس هذا وقوفنا ضد برامجها أو عرقلة لمسار التعديلات الهامة.. إن ذلك المقال المنشور في جريدة الحياة يظهر أن الكاتب حبيب مونسي والكاتب عبد الباقي قربوعة وغيرهما في مواجهة تامة وشخصية مع الوزيرة حين يقول (بالمقابل يهاجم بعض المثقفين، على رأسهم الكاتب حبيب مونسي، والروائي عبد القادر قربوعة وغيرهم، الوزيرة لعبيدي، التي لم تستطع، حسبهم، إنشاء مجلة ثقافية متخصصة تصدر بشكل منتظم، وتتيح فرصة المشاركة للجميع)، مع العلم أنه (مطلبٌ لا أكثر ولا أقل وليس هجوما كما تم توصيفه) وهو طلبٌ لا ينتهز أية فرصة ولا يقف في وجه أي أحد في الوزارة، بل بالعكس قراءتنا له تظهر أن الوزارة عليها أن تنظر برفق إلى إعادة برمجة بعض المطالب في سياقاتها الصحيحة. كما أن المقال المذكور آنفا يضع هؤلاء الكتاب في جبهة، وجمعية الجاحظية، وجمعية نوافذ الثقافية، وجمعية الكلمة للثقافة والإعلام، والجمعية الجزائرية للدراسات الفلسفية في جهة آخرى، رغم أن هذا الطرح غير صحيح، وليس بهذه الطريقة التي قدمتها جريدة الحياة، بدليل أن الكتّاب إذا هم رافضون لسياسة الوزيرة لن يطلبوا منها شيئا، كسابقتها. بل تحملوا آراءهم وبلغوا بها الجهات المختصة لتتحرك نحو أفق يساعد وزيرة الثقافة نادية العبيدي ولا يعرقل برامجها، وما غاض في الأمر أن الطريقة التي تم طرحها من قبل جريدة الحياة تذبذب الرؤية الحقيقية لهؤلاء الكتاب، أما فيما يخص الاستطلاع فالتنبيه إلى بعض الأخطاء ليس جريمة أو اتهاما أو هجوما، لأن في تلك الالتقاطات المجتزأة من سياقات الكتاب تحوّل آراءهم إلى آراء ضد الوزيرة شخصيا، وهم بعيدون كل البعد –في اعتقادي- عن ذلك بحيث نثروا آراءهم بحرية في انتقاد سياسة الوزارة السابقة، وإن كان في كلام البعض بعض القسوة فمن باب "اسمعوا أصواتنا" فقط، لا من باب الهدم أو انتقاد الوزيرة شخصيا. وما زالنا عند قولنا إن وزارة الثقافة الجزائرية بعيدة كل البعد عن سياسة الترويج الثقافي لما ينتجه العقل المبدع الجزائري، خاصة وأنها لا تحتكم الآن على مجلة ثقافية متنوعة كبيرة، يشارك فيها مثقفون ومبدعون ومتخصصون وتصل إلى كل التراب الوطني، بل وتصل إلى كل شغوف بمتابعة ما يكتبه العقل المبدع في بحور أدبية وفكرية وثقافية وفنية وغير ذلك، وهذا المطلب يقع في زاوية الترويج للمجلات التي تنتجها وزارة الثقافة من جهة وفي التفكير في مجلة أكبر وأعمق يشارك فيها كل الأطراف، وهو طلب شرعي يساهم في إعمار برامج وزارة الثقافة لا في عرقلتها أو التنقيص منها، ووزيرة الثقافة قد ساهمت ببعض المشاريع على الأقل فيما نشاهده في ولاية الجلفة، ولها السبق في ذلك، وحسب بعض المصادر لها زيارة إلى الولاية، وسيكون الحديث في سياقاته الصحيحة لا في سياقات وأنساق مجتزأة.. بالإضافة إلى أن الفكرة الهامة التي طرحها الشاعر رابح ظريف تؤكد نيته الحسنة في إثراء برنامج الوزارة بالشراكة والتشاور مع وزارة التعليم العالي حين قال إنه "لا بد من ضبط سياسة الإعلام الثقافي أولا، وتخصيص فرع في معاهد وكليات الإعلام لما يسمى بالإعلام الثقافي على غرار الإعلام الرياضي، ومن ثم ضبط سياسة إعلامية ترافق السياسة الثقافية"، وهذا في اعتقادي مطلب هام ومشروع ولايعدُّ هجوما أو اتهاما. كما ينكشف من قول الكاتب حبيب مونسي أنه غير راض عن سياسات الفرجة لوزيرة الثقافة السابقة، وفتح المجال للطبع الكمي دون النظر فيما تحمله من عمق، بدليل أن المشاريع التي تكلم عنها كلها كانت برامج سابقة، وهدف من ملاحظاته أن تقف وزيرة الثقافة الحالية على واقع حقيقية تمس الكاتب والمثقف بالدرجة الأولى، ولن نتكلم عن المهرجانات السابقة التي تُحدث الخلافات الكبيرة خاصة ما عايناه في ولاية الجلفة، والتي تدخل ضمن سياسات ما تحدث عنه الكاتب. وللتذكير فقد جاء في مقال (ص.ي) بجريدة الحياة العربية العدد 435، أن (جمعية الجاحظية، جمعية نوافذ الثقافية، جمعية والإعلام الكلمة للثقافة والجمعية الجزائرية للدراسات الفلسفية قد دعوا جميع المثقفين إلى التمسك بوزيرة الثقافة نادية لعبيدي، التي استطاعت، حسبهم، إحداث ثورة في التعديلات الجوهرية لقطاعها، في حين يتهمها بعض المثقفين أنها غير قادرة حتى على إصدار مجلة ثقافية متخصصة). ليضيف المقال (بالمقابل، يهاجم بعض المثقفين، على رأسهم الكاتب حبيب مونسي، والروائي عبد القادر قربوعة وغيرهم، الوزيرة لعبيدي، التي لم تستطع، حسبهم، إنشاء مجلة ثقافية متخصصة تصدر بشكل منتظم، وتتيح فرصة المشاركة للجميع، كما تعرفه جميع الدول الأخرى التي تصدر مجلات وملتقيات تخطت العقود لأنها اكتسبت لدى أهلها ما يسمى ب"الكونية". وما تنشره وزارة الثقافة، حسبهم، يكشف عن خلل في الغربال وعن اتساع في عيونه يسمح بمرور الرديء من المادة المقدمة، حتى صار، حسبهم، لدينا اليوم أن كل من يكتب نصا سرديا يحق له أن يزعم أنه روائي، وكل من يكتب نصا نثريا يطالب بحقه في أن يكون شاعرا، ويعتقد بعضهم أنه من الأحسن أن تقوم وزارة الثقافة بنشر 100 كتاب بعد مرورها على غربال محكم النسج، بدل أن تنشر الآلاف منها إلى جانب إصدار ثلاث مجلات ثقافية جادة التحكيم ثابتة الإخراج، بدل أن يكون لكل فرقة مجلتها التي تنشر لها كتابتها، ويعتقد البعض الآخر أنه مادام أن الثقافة لا تزال تحت جناح السياسة، فلا خير في هذه الوزارة القائمة، ولا في أي وزارة تأتي بعدها، بحكم أن الدولة تحرك بمحاور اقتصادية بحتة، لذلك يرون أن النظريات ستظل بعيدة كل البعد عن موضوع الفكر، داعين في ذات الوقت إلى تغيير الرؤية الثقافية في سياسة الوزارة للخروج من ثقافة الفرجة إلى ثقافة الإبداع والتأسيس، فقط بقليل من المراجعة، وعدم الاندفاع إلى الأمام).