يجد المتتبع لإرهاصات المسرح في الجزائر نفسه لا محال مرتدا حقبا زمنية غابرة ضاربة بجذورها في أعماق التاريخ التي بقيت أثارها قائمة إلى اليوم ،شاهدة علي رسوخ وتأصل هذا الفن في هذا الوطن في حين بدا جليا أن ملامح هذا الفعل الثقافي بدأت تتضح تدرجيا عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية، إذ لعب هذا الفن دورا هاما في نشر الوعي السياسي ومحاربة الآفات الاجتماعية والخرافات التي علقت بحياة الجزائريين نتيجة سياسة فرنسا الساعية إلي تقويض كل ما يمد إلي الحضارة الأصيلة في محاولة خبيثة لطمس معالم الشخصية الوطنية، وما يدل على فضل المسرح في تهيئة الظروف الملائمة والترويج للثورة وإعداد الجزائريين لها ،لأنه من أقرب الفنون إلي روح الشعب وقدرته علي إيصال رسالته الوطنية والفنية بأمانة وصدق كبيرين ، بغية إعطاء الصورة التكاملية للمسرح في الجزائر الذي استطاع بحق أن يكون سفيرا فوق العادة يحمل رسالة شعب جفت دموعه فداءا لوطن تعطرت أرضه بدماء الشهداء الطاهرة... ولأن المسرح رسالة طاهرة تحمل بين طياتها أهداف سامية كمرآة تعكس المجتمع بسلبياته و ايجابياته ،و ترمي لتشييد شعب تضرب جذوره للأصالة و العفة ،كان يجب أن يحمل هذه الرسالة أشخاص يتبنون أبعاد فكرية و قاعدة ثقافية تمكنهم من إيصال ما تحمله هذه الرسالة من مضمون ، ليتبنى المسرح الطبقة المثقفة و يأذن لولادة المسرح الجامعي. إن هذا النوع من المسارح يحمل بجعبه أسس صامدة امن بها رواد و مفكرون و حملوها كرسالة مقدسة نشروها بكل الجامعات و بمختلف أرجاء العالم ، لتحط الرحال بالجزائر تحديدا بالعاصمة بن عكنون سنة 1977 قائدا لها الأستاذ القدير مصطفي كاتب الذي قرر أن ينشر أهداف المسرح الجامعي ويزرع قيمه بالطلبة الهاوين ، فأقام ملتقى وطني احتضني طالبين من كل جامعة جعل منهم خلفاء من بعده يتبنون المسيرة ليقوموا بالمسرح مرة أخرى عبر مهرجان بطبعته الأولى سنة 2000 بباتنة الذي كان انطلاقة لولادة خمس طبعات أخرى تحتضنها كل مرة و بصدر رحب ولاية من ولايات الوطن. و ها هي ذي الطبعة السادسة للمهرجان الوطني للمسرح الجامعي الذي تحتضنه هذه المرة ولاية الجلفة يتألق بإبداع الطلبة الجامعيين من خلال مواضيعهم الهادفة وأدائهم المتميز ،مما يؤكد تطور الروح المسرحية الهادفة عبر هاته المهرجانات التي تحمل بطياتها أساتذة راقين بمستواهم وحبهم للمسرح ، طلبة مشاركين مؤمنين برسالتهم الفنية وجمهور أحب كلا الأخيرين لأنهما جسدا الواقع و عالجوا اشكالياته بروح الفكاهة...