تحتاج ولاية ڤالمة بحق إلى إنجاز متحف للآثار يكون مركزا لجمع ما تزخر به هذ الولاية من كنوز أثرية لازالت تتوزعها الأمكنة.. وربما يلفها الإهمال، وتمتد إليها يد الزمن.. وقد نفقدها إلى الأبد. حساينية فوزي إذا أردنا نتحدث عن الآثار في ولاية قالمة، فإننا نجد أكثر من مئة موقع ومعلم أثري توجد ملفاتها على مستوى مصالح مديرية الثقافة منها ثلاثة عشر موقعا ومعلما مصنفة ضمن التراث الوطني، أما التقديرات العلمية عن المواقع والمعالم المحتمل اكتشافها فيقدر بخمسمائة موقع ومعلم أثري، ولابد من القول إننا مطالبون بأن نستبدل نظرتنا الستاتيكية الحالية للآثار بنظرة أخرى أكثر ديناميكية ومعقولية، أعني ضرورة الكف عن النظرة للآثار كبقايا ومخلفات جامدة للأزمنة والعصور الغابرة لا أكثر، بل علينا أن ننظر إليها ونتفاعل معها في أبعادها الثلاثة الماضي، الحاضر والمستقبل بما يفضي بنا إلى ضرورة طرح نظرة فلسفية شاملة هذه الآثار الكثيرة المنتشرة في سائر أنحاء بلادنا والتي تمثل مختلف العهود والدول التي شهدها أجدادنا وآثارنا الأخرى التي تركناها في سائر أنحاء العالم، ماذا يمكن أن نستنتج منها؟ أهم وأعظم نتيجة في نظري تفيدنا في فهم ماضينا وبناء مستقبلنا، هي أن بلادنا كانت منذ القدم أرضا مقصودة ومحطة أنظار كل القوى العالمية بسبب عبقرية المكان والحيز الذي تشغله من جغرافية العالم، ولذلك وكما أثبت التاريخ فنحن إذا كنا أقوياء فلا مناص لنا من أن نلعب دورا رياديا في الشؤون العالمية والإقليمية، وإذا كنا ضعافا تم غزونا وإذلالنا ولا يوجد خيار آخر بين الحتميتين السابقتين، وهذه الثنائية الجدلية التي يجب ترسيخها في أذهان الناشئة من خلال ربطهم المباشر بمواقع التاريخ الأثرية التي تمثل مختلف العصور والأحداث التي تعاقبت على بلادنا. أذكر جيدا أنه عندما كنا في مرحلة التعليم المتوسط قادنا أستاذ التاريخ في جولة إلى ضريح ماسينيسا بقسنطينة، فكان لهذه الرحلة أثارها العميقة الراسخة في نفوسنا وأذهاننا وشعرنا أننا لسنا طارئين على مسرح التاريخ وإنما نحن جزء من أمة تضرب بجذورها في أعماقه البعيدة، ومن يومها أصبح اهتامنا بالتاريخ الوطني في العصور القديمة مكملا لاهتماماتنا بتاريخ العصور الإسلامية لا مناقضا أو منافيا له، كما حاول بعض المتعصبين أن يرسخوا في أذهاننا ونحن لا نزال في فترة حساسة من تكويننا العلمي والبيداغوجي، ولذلك فإن حماية هذه الآثار وتثمينها والتنقيب على ما لم يكشف منها واستعادة المهرب منها أمور حاسمة يجب أن تجد طريقها إلى التطبيق. ومن المهم أن نعترف أن الثروة الأثرية في بلادنا واجهت وتواجه تحديات حقيقية، قد تكون قاتلة إذا لم نبادر بتحرك وطني شامل، ويمكن بحق أن تتخذ ولاية قالمة كنموذج لأي جهد وطني يهدف بمنهجية وقوة وصدق إلى تثمين تاريخنا الأثري والاحتفاظ للأجيال القادمة بحقها في هذا التراث الأثري العظيم. وإذا كان بعض الباحثين الأجانب قد وصفوا بلادنا بأنها أرض الفن والتاريخ بعد أن لاحظوا كثرة ونوع ميراثها الحضاري والأثري، فعلينا اليوم أن نبرهن أن بلادنا هي أيضا أرض الفن والمستقبل. وهكذا يتضح أن إنشاء المتحف الجهوي للآثار بقالمة - وقد تم الانتهاء من إنجاز الدراسة المتعلقة به- يعد خطوة أساسية ومطلوبة من أجل مستقبل أفضل لولاية قالمة أرض التاريخ والشهداء والجمال.