مركز تكوين مهني أحاول عبر هذه الحلقات المتسلسلة أن اقدم قراءة أطوف من خلالها على وضع التربية والتعليم في ولايتنا ككل، و أتمنى التعمّق -إن وُفقت بإذنه تعالى- في الحديث عن مستقبل أطفال ولايتنا، و أخص بالذكر منهم فئة التلاميذ المتسرّبين من المدارس، وهم مع الأسف كثيرون، ولقد دفعني ولفت انتباهي الجدل الذي وقع بين مديرية التكوين المهني و صحفيي الموقع الإلكتروني (الجلفة إنفو)، فالمقالات التي نُشرت في الموقع الإعلامي للجلفة يومي 27 و 29 سبتمبر 2015 والتي تناولت وضعية التكوين المهني واعتماد المدارس الخاصة، و تحدثت بالأخص عن وضعية التكوين المهني بولاية الجلفة، و التي هي مع الأسف، وضعية صعبة ومزعجة. وفي هذا الإطار أرى أن الكثير من الناس لا يعلمون موقع ومكانة هذا القطاع بولايتنا. لم أكن مستعدا للبحث ولا للتحريات إلا بعد المقال الثالث الذي ورد عن مديرية التكوين والتعليم المهنيين لولاية الجلفة، و الذي اعتبره السيد المدير الولائي بالنيابة، حق مشروع بردّ و توضيح للرأي العام نشرته الجلفة أنفو يوم 08 أكتوبر 2015، جاء الرد ليشرح الأسباب التي جعلت مسؤلي القطاع يتخذون بعض الإجراءات من أجل مصلحة المتربّص. أرى أنه من الضروري أن يعرف المجتمع الجلفاوي القدرات البسيطة لمؤسسات التكوين المهني في الولاية و يقارنها بالإمكانيات الوطنية وكذلك مستويات الولايات الأخرى. طبعا أغلب المتربصين يأتون من قطاع التربية والتعليم. قطاع التربية الوطنية : الحالة على المستوى الوطني وولاية الجلفة قطاع التكوين المهني: الحالة على المستوى الوطني وولاية الجلفة - على سبيل المثال ولاية الطارف التي عدد سكانها لا يتجاوز ثلث (1/3) عدد سكان ولاية الجلفة : لها 14 مركز و 1 معهد وطني - كما هو الشأن بولاية برج بوعريريج وعدد سكانها أقل بكثير من نصف سكان الجلفة : لها 17 مركز و 2 معاهد وطنية. - كما هو الشأن بولاية أدرار وعدد سكانها أقل بكثير من نصف سكان ولاية الجلفة لها 18 مركز و 2 معاهد وطنية. أشير إلى أنَ ملحقة واحدة هي معتمدة من طرف الوزارة، أما الباقي فعلمت أن السيد والي ولاية الجلفة "عبد القادر جلاوي" قام بالإجراءات مع الوزارة الوصية لكي تسجل الأربع ملحقات في درجة مراكز. الاستثمارات المختلفة لسنة 2015 علما و أنَ المعهد الوحيد على مستوى ولاية الجلفة كان في الأصل مركزا تابعا لوزارة الشباب والرياضة وحول إلى مركز للتكوين المهني CFPA تم تم تحويله إلى معهد. بناؤه عام 1984 ولم تتوفر فيه كل شروط المعهد وهو الآن في عملية ترميم كسائر المؤسسات التي بنيت بمواد البناء الجاهز التابعة للوزارة. و للإشارة فإنّ ولاية الجلفة لم ينجز فيها معهد واحد من بين 127 معهدا المنجزة على المستوى الوطني، و هذا قبل مجيء الوالي الحالي السيد "جلاوي عبد القادر" الذي حسبما أعلم قدم ملفا بذات الشأن، قُبل من طرف الوزارة الوصية وسجل للجلفة ثلاثة (03) معاهد هم الآن في طور الإنجاز بمدينة الجلفة. التطورات الثابتة لسنتي 2014 و 2015 لهذه الأسباب وغيرها وجدت نفسي ملزما أن أعرّف بالحقائق و أقدم للمتتبعين للشأن الجلفاوي وللذين يفكرون في ماذا سنترك للأجيال القادمة من رصيدا ! و عليه سأوضح وأنشر نتائج التحقيق الذي قمت به، وكذلك ملاحظاتي، وانطباعاتي حول قطاع التكوين المهني في ولاية الجلفة و في الولايات (5) الخمس الأخرى التي تتمركز مباشرة بعد الجلفة في عدد السكان، وهي ولايات باتنة، تيزي وزو، الشلف، المسيلة، البليدة. وسيتفاجأ الكثير من السيدات والسادة المنتخبين الحاليين والقدامى بسهوهم و بفشلنا جميعا كمجتمع جلفاوي. ستدرك الفئات التي تنتمي إلى النخب بمدى حجم خجلها وبمدى مخلفات الإستقالة العامة في كل ما هو شأن عام. أقول إهتمام النخب بالحقائق المغيبة التي تكشف لأول مرة عن هذا القطاع، و سوف يثبت أننا كنا و لا زلنا مواطنين غير مسئولين و غير مخلصين لأهلنا وللأجيال التي تأتي بعدنا. أتمنى أن يكون أغلب القراء من الذين يتابعون عن كثب المصير التعليمي و المهني لكل أبناء ولاية الجلفة، ومن الذين هم نادمين عن عدم الاهتمام بالمصير العلمي الاجتماعي الحضاري للأجيال التي سوف ترثنا في كل مدن وقرى ولايتنا، و أن يكونوا من المهتمين بشأن المعوزين منهم، وسأهدي هذا العمل لكل التلاميذ الذين غادروا المدارس أو طُُردوا هاتة السنة من التعليم وهم في غفلة عن ذلك، وعددهم يفوق 36 ألف من مختلف المستويات. سأنطلق من المظاهر لأعرج إلى أسبابها و من النتائج لأرجعها إلى بداياتها، سأحاول أن أجعل السيدات و السادة المنتخبين يدركون حق الإدراك وضعية المدرسة و التعليم و يدركون مصير التلاميذ المضطرين لمغادرتها، و سِأحاول أن أعرج كذلك إلى ما بعد المدرسة، لأجعلهم يتطلعون لمعرفة هذه الآفاق التي تزداد ظلمتها، خاصة أمام فئة الشباب، لعلهم يعرفون و يقيّمون المستوى و الرتبة التى تحتلها ولايتهم على الصعيد الوطني. من المفروض أن يكون الاهتمام بالنمو البشري المعرفي و تقييم نطاقه وتخيّل المستقبل انشغال دائم لدى الفئة المثقفة بولايتنا، فالنُّخَب هي التي تتدارك وتتجند في حراك إستراتيجي اجتماعي طويل المدى، كما هو الحال على الأولياء نساء و رجالا أن يخشوا في هذه الظروف انحراف أبنائنا الذين تقصيهم المدرسة، ولا نمد تكوين لهم، وأن نأخذ بجد مستقبلهم بيد المساعدة والاهتمام. إني لا أشك أنَ الكثير من السيدات والسادة أعضاء البرلمان بغرفتيه لا يعلمون الكثير عن قطاع التكوين. كما أرى أنه على السلطة الولائية المنتخبة و على أعلى مستوى النظر في كون أن توازن أداء قطاع التكوين المهني يتعرض للهشاشة و الاضطراب في مجالات حيوية تمسُّ بأهم المصالح ألاجتماعية، لقد سجلت عند المسؤولين في القطاع عزيمة للتغيير، ممكن حديثة الوجود لكن همه تحسين الظروف. وبعيدا عن كل قضايا تنظيمية، سأبقى أعتقد جازما أن تربية الطفل، تكوينه، و جعله إنسان صالح في مجتمع صالح هو التثمين الحقيقي لكل استثمار و هو كذلك دعم كل ثروة اجتماعية مستقبلية، يمكن أن يمثلها كل مجتمع يشكل نسيج أفراد متماسكين متضامنين و مواطنين، إن تعليم الأطفال و تكوينهم من إهتمامات الدولة الجزائرية. و يشغل بال المعنيين الداركين للرهانات. إن حيرتنا على المستقبل و على الأجيال التي ستشكل المستقبل كبيرة... لقد لَفَتْتُّ الانتباه إلى قطاع التربية في ولاية الجلفة منذ سنوات، و حسب رأيي ها هو قد قفز بعض الشيء إلى الأمام، إذا وقفنا عند نتائج البكالوريا لسنة 2014- 2015 ( الرتبة 39 من 50) فإن التغيرات الإيجابية جاءت تبشر أن رتبتنا هذه السنة أفضل من السابق. منذ 18 سنة على الأقل لم نستطع احتلال هذه الرتبة (كانت رتبتنا 25 في 1997، و أخذنا الرتبة 17 على 31 ولاية في 1982 قبل التقسيم الإداري لسنة 1984) طبعا مع استثنائنا للنتائج المخجلة ل2007 التي اشترك في إخراجها على المسرح مدير التربية وقتها و المسئول الولائي في زمانه، خذلهم الله و أذلَّ من ساعدوهم ومن حذى حذوهم إلى يومنا هذا بالغش ومنطق خيانة الأمانة الفاسد، (لاعتقادهم أن النجاح الدراسي لا تحكمه أي قاعدة) و بذلك يحطمون المفهوم الواضح للعلم و المعرفة. مع الأسف، بعض التلاميذ يغشون لأنهم لا يذهبون إلى الثانوية من أجل التعلم والمعرفة، بل ليمتلكوا شهادات. وخطاب المحيط حولهم لا يثمن العلم والمعرفة و لا يزرع بذور النبتة الصالحة في العقل والقلب. ولو أنَ كل عاقل يأمل أن يترك قبل أن يغادر مشتلة صغيرة من الناس الشرفاء الذين تتطور حياتهم وتمتد قوتهم كل يوم. علينا أن نذكُر، بالتأكيد، أن تحسن وضع ترتيب الولاية إلى رتبة 39 هذا العام جاء بعد جهد كبير بذله الأساتذة و التلاميذ والأولياء وكذلك السلطات المعنية على رأسها السيد والي الولاية، أذكر من مساهماته (رسالة التقدير و التشجيع التي وجهها إلى الأسرة التربوية و للأساتذة، العام الماضي)، التي اطلعنا على نصها عبر موقع الجلفة أنفو. ولأول مرة يقدر حق التقدير مسؤل رفيع المستوى ويثمن دور ومهمة الأستاذ في تربية وتكوين ألإنسان فكتب يقول : أن الميثاق الاجتماعي يبدأ في المدرسة وكل من قوته، تأديته، براعته و حريته يكرسها الأستاذ في النفوس البريئة... من المؤسف أن الرسالة لم تصل إلآ إلى القليل من الأساتذة وهذا كذلك من خلل وعجز مديرية التربية. أما على حد قول الملاحظين، طبعا الذين لديهم فكر ثاقب و حس عميق ونظرة عادلة فإن الجلفة بإمكانها أن تكون أكثر وعي بالرهانات و أن تُبحِر في سفينة أخرى نهائيا. إنَ الغاية من بحثي هذا أن ألفت نظر المواطنين المتبصرين إلى فئة من الأطفال يسمّونهم المتسربين و المطرودين من المدرسة، و هدفي في تحليلي أن أحدد الخطر الذي يهدد المستقبل المدرسي و التكويني لأولادنا، ونيتي أن نتعاون جميعا لتقليص عدد التلاميذ الذين يتسربون أو يُطردون سنويا من أطوار المدرسة الثلاثة وأقدر العدد ب 36 ألف طفل. و كل ما تقدمت في البحث تيقنت أن تخوفاتي في محلها و لا نقاش في أننا كلنا مطالبون ومدعوون للتحرك. فإنه ببساطة إن كنا نحن، فعلا نحن، أي أولياء و مواطنون! مع الأسف، كثير من أصدقائي يتخلون تدريجيا عن المصالح العامة يرافقهم الخوف من عدم استطاعة فعل أي شيء للأجيال القادمة. فيُثبط شعور الخوف هذا عزائمهم و يفشل جهودهم، يعلمون أن (حراس المعابد) متعودون على الأحكام السلبية لكل مبادرة خيرية، يتصادمون مع أفكار الذين ينظرون إلى الأشياء الجوهرية بالعاطفة، و مع الذين لا يفهمون كثيرا في قضايا الاستدلال العقلاني، كما يعلمون أيضا أن كثيرا من الفاعلين الاجتماعيين (من بينهم بعض المنتخبين) يبالغون في أحكامهم حتى التي تكون أحيانا سلبية. و ألفت انتباه الفئة المثقفة و كل شخصيات الولاية و هم شيوخنا الأفاضل من شخصيات دينية و أئمة مساجد، أساتذة الجامعة المحترمون، أساتذة التربية و التعليم، أساتذة التكوين المهني، المثقفون، الإطارات المتقاعدة، أصحاب الهمم، شخصيات الولاية، المنتخبون الحاليون و القدامى، و كل من له ومن لها غيرة عن الصالح العام، فاليتيقن الجميع أن ولايتنا تتمركز في ذيل الترتيب في الكثير من القطاعات الحيوية...إلى هنا... سأثبت ذلك بالأرقام والبراهين في الأجزاء اللاحقة إن شاء الله...و أستغفره و أتوب إليه... .../... يتبع (*) رجل أعمال