وصف الدكتور محمد جويلي عالم الاجتماع التونسي كرة القدم بأنها قادرة على تحقيق السلام بين الشعوب، وهو ما عجزت عليه هيئة الأممالمتحدة بدليل أن عدد أعضاء الفيفا أكثر من أعضاء المنظمة، وأضاف أن كرة القدم أصبحت عاملا قويا للحفاظ على الهويات الوطنية، وهي ظاهرة ضد العولمة التي تقضي على الهويات. رجع الدكتور أمس في ندوة فكرية بمركز الشعب لدراسات الإستراتيجية بعنوان «الرياضة والجماهير في ظل عولمة التنافس» إلى كرة القدم كظاهرة عالمية وحلل علاقتها بالعولمة، مستنتجا أن كرة القدم اليوم تحولت إلى ظاهرة كونية، ولم تعد حكرا على اوروبا وأمريكا كما كان عليه الحال في السابق بعد أن انتشرت في إفريقيا واسيا، والدليل احتضان جنوب إفريقيا هذه السنة العرس الكروي لعالم 2010. ويعتقد الدكتور جويلي أن كرة القدم أوجدت خريطة جيو سياسية مقلوبة حيث نجد أن الولاياتالمتحدةالأمريكية ليست هي القوة العظمى بل البرازيل ، مؤكدا أن هذه اللعبة لا تقضي على الهويات الوطنية بل تعمل على تقويتها على خلاف العولمة التي تكسرها. وفي كرة القدم يضيف ذات المحاضر نجد أنفسنا أمام هوية وطنية واحدة هي الفريق الوطني الذي يحظي بالإجماع ويحقق التجانس بين كل أفرادالمجتمع بغض النظر عن الاختلافات الاجتماعية، وأمثلة عديدة عبر العالم تبرز كيف استطاعت كرة القدم أن توحد بين مختلف الأقليات. واعترف المحاضر أن كرة القدم أوجدت توترات سياسية بين الدول مثلما حدث بين الهندوراس والسلفادور سنة 1969 إلا أنها استطاعت أن تقرب الشعوب في الكثير من الأوقات، مثلما حدث في المدة الأخيرة بين تركيا وأرمينيا رغم العداء التاريخي بين البلدين. وأضاف جويلي أن كرة القدم باتت تحتل يوما بعد يوم في عالمنا المعاصر، حيزا كبيرا من اهتمام الناس على اختلاف ثقافتهم وفئاتهم العمرية، بعد أن باتت هذه اللعبة تنتقل بين عواصم وبلدان العالم، الأمر الذي يعكس اهتماما عالميا بها، ويجسد احد ثمار الجهد البشري في إيجاد نوع من المنافسة الشريفة بين الشعوب في مسابقات تضمن المهارة والارتقاء وتوفير المتعة وتحقيق أهداف اجتماعية تتعلق بتنمية الثروة البشرية وبالتالي المجتمع. ولكن في العقود الأخيرة، وبعد سيادة العولمة، تحولت كرة القدم إلى لون من ألوان التجارة والتي أصبحت اليوم ظاهرة تجسدها العديد من الأحداث التي تنقلها الصحف اليومية عن صفقات بعشرات الملايين نظير انتقال لاعب كرة من فريق إلى آخر، ووسيلة سياسية ناجعة لامتصاص الكبت لدى الجماهير، ولاستغلالها في التقرب من تلك الجماهير والتحكم في أمزجتها وتوجيه غضبها بعيدا عن أداء السلطة وقصورها في رعاية مصالح الجماهير. كما أن هذه الرياضة العالمية بكل فروعها ومسابقاتها يضيف ذات المتحدث تشكل اليوم أداة فعالة في حركة السياحة الدولية، حيث دخلت هذه السياحة الرياضية منافسة قوية تعتمدها الدول المتقدمة للسياحة الترفيهية وأصبحت تتربع على قمة السياحة عالميا، لتشكل بذلك كرة القدم اليوم أكثر فرص الاستثمار التجاري في العالم. وحمل التحول من مفهوم اللعبة وجوهرها العديد من الشواهد التي يمكن أن نلاحظها من بينها تحول هذه اللعبة الجماهيرية من اللعب للمتعة والاستعراض المهاري إلى نظام صارم يقوم على القوة الجسدية الهائلة والسرعة، ولا مكان فيها للفرح أوالخيال أو الفن، بعد أن طغت عليها العديد من اشكال العنف وولدت الكثير من الكراهية بين الشعوب على غرار موقع خلال تصفيات كاس العالم ل2010. وفي إطار هذا التحول في المفهوم، يضيف ذات المتحدث تغيرت النظرة تجاه لاعب الكرة بالنسبة للمستثمرين إذ تحول ذلك الشاب القادم من رياضة الشوارع إلى سلعة بيد رجال الأعمال، ولكن بعد ذلك ومع تطور قوانين اللعبة ومهارات لاعبيها وما واكب ذلك من تنام كبير لجماهيريتها أصبحت وسيلة ناجعة لامتصاص الكبت لدى الجماهير، ولاستغلالها في التقرب من تلك الجماهير والتحكم في أمزجتها وتوجيه غضبها بعيدا عن أداء السلطة وقصورها في رعاية مصالح الجماهير.