أعادت قضية المستثمرة الفلاحية المحولة عن طابعها الأصلي بولاية بومرداس تسليط الأضواء على العقار الفلاحي في ظل تأكيد الدولة خيارها السياسي الاستراتيجي لانجاز برنامج الأمن الغذائي وإرساء أسس اقتصاد زراعي يكون بمثابة البديل الممكن لاقتصاد المحروقات. ويرتقب أن يبادر المسؤول التنفيذي الأول بالولاية بتسريع إجراءات إبطال عملية التحويل التي أثارت جدلا بعد أن لفها صمت نسج في ظله المتنكرون لصفة خدام الدولة من موظفين مقررين بالولاية خيوط عملية تبدو أنها سطو يتطلب من أصحابه تقديم توضيحات وترك العدالة تأخذ مجراها بالكشف عن ظروف إتمام الصفقة التي تبراها ومنع أي تدخلات من أي كان، إذ لا يعقل أن يبيع من لا يملك لمن لا يستحق خاصة وأن الأمر يخص مستثمرة بإمكانها أن تكون فضاءا استثماريا في الزراعة ومن واجب ممثل الحق العام أن يسأل عن علاقة أعضاء المستثمرة إن دافعوا عنها أو غير ذلك. ومع مشارف الموسم الفلاحي الجديد سيكون العقار الثمين مرة أخرى في صميم الإشكالية الزراعية برمتها لارتباطها بالخيارات الإستراتيجية للدولة، إذ لم يعد مقبولا بأي شكل من الأشكال وتحت أي مبرر مهما كان جذابا استمرار استنزاف هذا الموروث الثمين الذي كان ولا يزال في صميم كل التحولات والصراعات الاقتصادية والاجتماعية للدول، بل ينتظر من الجهات المعنية أن تتحرك لاسترجاع كل تلك العقارات التي جرى تحويلها عن وظيفتها الأصلية لتكون الرسالة واضحة للجميع مع اتخاذ القرارات الملائمة لقطع دابر المتلاعبين برأسمال من هذا النوع يتعلق به مصير بلد برمته وأجيال بكاملها. ولا ينبغي التماطل في انتظار أن تفصل العدالة المتثاقلة بشأن أكثر من 11 ألف مستثمرة فلاحية يقف أصحابها أمام القضاء للقول إن كانوا مذنبين بعد أن مسها الفساد العقاري والمالي في سنوات كانت فيه الدولة تواجه أخطبوط الإرهاب القاتل للأخضر واليابس والمدمر لمفهوم المواطنة ومن هنا تتأكد مسؤولية وزارة الفلاحة والتنمية الريفية بجميع دوائرها المحلية وأدواتها القطاعية مدعومة بأدوات السلطة العمومية المخولة قانونا في التحرك باتجاه الميدان لفرز الساحة الفلاحية على مستوى المستثمرات وتدقيق الصورة ومن ثمة اتخاذ ما هو مطلوب لوقف النزيف العقاري واسترجاع ما ضاع قبل أن يتبدد. ولا يمكن الانتظار كما ورد على لسان الوزير إلى أن تفصل العدالة للنظر في الموضوع وإنما بفعل حالة أقرب للاستعجال ينبغي التحرك من منطلق أن الأمن الغذائي يرتكز في اللب على تأمين العقار الزراعي وبالتالي لا مناص من نزع الأراضي المهملة والمفرط فيها لتحذير البقية، لكن ليس لتسليمها لطائفة أخرى من مافيا العقار التي تتموه في شكل مستثمر مزيف. ولا يعقل على الإطلاق أن تتحول تلك العقارات التي تنتج الذهب الأخضر إلى فضاءات تنمو فيها بنايات فاخرة أو مجرد مساحات للنزهة، بينما تقف البلاد على عتبة اقتصاد عالمي تنافسي يمثل فيه الغذاء أحد أوجه حرب غير معلنة خاصة مع التراجع المقبل للمحروقات بعد أن تحركت البلدان المستهلكة للطاقة لإنتاج بدائل طاقوية خارج البترول والغاز وتأكيد الخبراء أن الطاقة التقليدية متجهة للنضوب على المديين المتوسط والبعيد.