دأب رئيس السّلطة الوطنية الفلسطينية، على التنديد بكل عملية إستشهادية تستهدف العدوّ الصهيوني، كما دأب على نعت أعمال المقاومة وإطلاق الصواريخ على إسرائيل بالفعل العبثي، ولست أدري لماذا لا يطلق نفس الوصف على المفاوضات التي يجريها مع الاحتلال، وهي فعلا عبثية، بل وتتجاوز العبث إلى إمعان المحتل في الغطرسة وإذلال المفاوض الفلسطيني وجعله يلهث وراء سراب إسمه السّلام والدولة الفلسطينية... لقد تعهّد محمود عباس بوقف التفاوض مع إسرائيل في حالة لم تمدّد هذه الأخيرة تجميد الاستيطان، وهاهو الكيان الصهيوني يستأنف نشاطه الاستيطاني الذي جمّده طيلة عشرة أشهر دون أن يفي رئيس السّلطة بتعهده، وقد كان أجْدَرْ به أن يقلّب الطاولة على وجه نتنياهو ومن يرعى هذه المفاوضات دون نزاهة، ففي كلّ الأحوال لن ينال الفلسطينيون من هذه المفاوضات غير مزيد من الإذلال والإهانة وسرقة الوقت ونهب الأرض، ثمّ ماهذا الشرط الذي يضعه محمود عباس والمحصور في تجميد الاستيطان وليس وقفه، فهل معناه أنه مسموح للصهاينة باستئناف بناء المستوطنات بعد الفراغ من التفاوض؟! لقد عجز محمود عباس عن الوفاء بعهده وفضّل أن يلقي بالكرة إلى الملعب العربي، فهو يدرك جيّدا بأن المجموعة العربية ستنقذه من هذه الورطة كما جرت العادة، وتمدّه بقارب النّجاة ليجد مخرجا لا يجوّع الذئب الإسرائيلي وإن أبكى الراعي الفلسطيني... وستحثه المجموعة العربية في كل الأحوال على مواصلة المفاوضات، طبعا حتى يرضى السيّد الأمريكي الذي نراه يقف مشدوها مصدوما من التعنّت الإسرائيلي دون أن يقوى على فعل شيء أو تحريك ساكن، وأمام إسرائيل الكل عاجز وضعيف.. لقد تعلّمنا من دروس التاريخ أن نجاح أي مفاوضات لا يمكن أن يتحقق إلاّ إذا كان هنالك شيء من توازن الرّعب بين طرفي التفاوض، والتوازن لا تحدثه إلا القوّة العسكرية والحرب المسلّحة، فالضغط العسكري وحده كفيل بدفع أي إحتلال للهروب إلى المفاوضات والتّسليم بالأمر الواقع... على الفلسطينيين أن يدركوا بأنّ المفاوضات بدون مقاومة مسلّحة متزامنة لا يمكنها أن تثمر، وعليهم أن يتذكّروا بأن الحقوق تنتزع ولا توهب وبأن السّلام هو حاجة إسرائيلية، فليتركوا الصهاينة يلهثون وراءه ويقدمون التنازلات الضروريّة... وكل ما نخشاه هو أن لا تقدو المفاوضات التي يتمسّك بها محمود عباس إلا إلى مزيد من التنازلات والخيبات.