هل ستتجه السلطة الفلسطينية نحو تقديم المزيد من التنازلات مجددا بمبرر تفادي تحميلها مسؤولية إفشال مفاوضات السلام المباشرة مع إسرائيل كما جرت العادة وبالتالي قبولها مواصلة التفاوض في ظل الاستيطان وهي التي كانت هددت مرارا وتكرارا بالانسحاب من عملية السلام في حال استئناف حكومة الاحتلال لأنشطتها الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة ؟ ففي موقف أقل ما يقال عنه أنه جاء مخيبا لآمال الشعب الفلسطيني فضلت السلطة الفلسطينية أمس التريث وعدم اتخاذ أي قرار بشأن الانسحاب من العملية التفاوضية بعد أن استأنفت إسرائيل أنشطتها الاستيطانية وتجاهلت مطالب الإدارة الأمريكية في تمديد مهلة التجميد في تحد واضح لإرادة المجموعة الدولية. وأعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس خلال ندوة صحافية مشتركة مع نظيره الفرنسي بباريس بأنه سيتم اتخاذ القرار بمواصلة مفاوضات السلام من عدمها بعد تاريخ الرابع أكتوبر المقبل بعد اجتماع لجنة المتابعة العربية. وقال ''لن تكون هناك ردة فعل سريعة لنقول لا أو نعم لابد أن ندرس كل النتائج بتأني مع قيادتنا الفلسطينية... كما اتفقت مع القادة العرب في نيويورك على عقد اجتماع بهذا الخصوص في الرابع أكتوبر القادم'' وأضاف أنه ''بعد هذه الاجتماعات يمكن إصدار موقف يوضح الموقف الفلسطيني والعربي في هذا الشأن''. وجاءت تصريحات عباس تزامنا مع استئناف أعمال البناء في مستوطنات الضفة الغربيةالمحتلة حيث بدأت الجرافات الإسرائيلية عملها في مستوطنة ادم في شمال الضفة حيث يتوقع بناء حوالي 30 مسكنا. ويتوقع أن تستأنف أعمال البناء في ثماني مستوطنات أخرى على الأقل من بينها كريات أربع المتاخمة لمدينة الخليل في جنوب الضفة الغربية. وليس ذلك فقط فقد تم رفع سلسلة قيود كانت فرضت على بلديات مستوطنات بخصوص تسليم تصاريح البناء. وهو ما جعل حركة المقاومة الإسلامية ''حماس'' تطالب الرئيس عباس بوقف التفاوض مع الإسرائيليين. وفي تعليقه على هذه المستجدات قال خالد مشعل رئيس المكتب السياسي للحركة ''إني أطلب من إخواني في السلطة الفلسطينية التي أعلنت بأنها ستنسحب من المفاوضات مع العدو إذا واصل هذا الأخير أنشطته الاستيطانية بتنفيذ وعودها''. وأضاف مشعل الذي كان منذ البداية ضد هذه المفاوضات ''أن بنيامين نتانياهو ليس الرجل الذي بإمكانه إقامة السلام في المنطقة''.ولكن الرئيس الفلسطيني الذي يمكن اعتبار موقفه تراجعا واضحا عن تعهده بالانسحاب من المفاوضات في ظل استئناف البناء الاستيطاني كان قد صرح أول أمس أن مفاوضات السلام ستكون ''مضيعة للوقت'' إذا لم تمدد إسرائيل عملية التجميد في الأراضي المحتلة. ويكون بذلك الرئيس الفلسطيني قد رمى بالكرة في مرمى العرب مجددا بعد أن كان الطرف العربي نفسه قد ترك للرئيس عباس حرية الاختيار بين خوض المفاوضات المباشرة من عدمه. وهو ما يطرح التساؤل عن سبب العودة إلى الموقف العربي ما دام هذا الأخير أثبت في عديد المرات عدم قدرته على إنصاف الفلسطينيين وأكثر من ذلك انصياعه وراء الإدارة الأمريكية التي تسعى إلى تسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لكن على حساب إهدار المزيد من الحقوق الفلسطينية. فهذه الإدارة ورغم أنها أخذت على عاتقها لعب دور الوسيط في تسوية هذا الصراع الأعقد والأقدم في العالم فإنها لم تتمكن من إقناع إسرائيل بتمديد مهلة التجميد حتى لشهرين كما اقترحت.ويتذكر الجميع وبالعودة إلى الوراء شهورا قليلة فقط أن العرب ومعهم السلطة الفلسطينية رفضوا بشدة أية مفاوضات ما لم يتوقف الاستيطان نهائيا ثم سرعان ما تراجعوا عن هذا الموقف وتنازلوا أكثر بقبولهم إجراء مفاوضات سلام مباشرة مقابل تجميد الاستيطان لفترة مؤقتة. واليوم وإسرائيل تتحدى العالم باستئنافها البناء الاستيطاني ضاربة عرض الحائط كل الدعوات والمطالب المنادية بتمديد التعليق فأي موقف سيتخذه العرب خلال اجتماعهم المرتقب في القاهرة في الرابع من الشهر القادم؟ فهل سيقرر العرب الانسحاب من العملية السلمية وهو أمر مستبعد لأنه لو كان هذا هو الموقف فلماذا لم يعلن عنه عباس أمس كما سبق وتعهد بذلك أم أنهم سيكررون نفس السيناريو السابق ويعيدون الكرة إلى ملعب السلطة الفلسطينية ليتركوها في مواجهات الضغوطات الإقليمية والدولية لحملها على مواصلة التفاوض في ظل استيطان هو في حقيقة الأمر لم يتوقف ولو ليوم واحد؟ وخلاصة القول أن الأيام القليلة القادمة كفيلة بتقديم الأجوبة عن كل هذه الأسئلة.