عادت ذكرى تأميم المحروقات هذه السنة، والجزائر مازالت تواصل تحقيق العديد من المكاسب والانجازات، خاصة ما تعلق بالاكتشافات الطاقوية والنفطية، وتعمل جاهدة على توسيع حجم طاقاتها الإنتاجية، حيث مازالت إلى جانب كل ذلك تعزّز تواجدها عبر الأسواق الخارجية في ظل الانتعاش الذي شهدته أسعار المحروقات، لكن يمثل الانتقال الطاقوي الذي شرعت في إرسائه إحدى تحديات المرحلة الراهنة، لأنه يعد أحد مفاتيح التنمية المستدامة التي يتطلع إليها. ولعل النقاشات المفتوحة لتسريع الخطوات نحو تحقيق انتقال طاقوي منسجم وفعال على المديين المتوسط والطويل، تعكس مدى الاهتمام القائم بهدف إنجاح المسعى عن طريق إشراك جميع الخبراء والفاعلين، ولعل الملتقى الذي نظّمته كلية العلوم السياسية والعلاقات الدولية جامعة الجزائر 3 يصب في نفس الاتجاه، حيث التقت «الشعب» بباحثين وخبراء، ورصدت مجموعة من المقترحات والآراء. الدكتور محمد خوجة: سباق محموم على الطّاقة قال الدكتور محمد خوجة إنّ العالم يمر بمرحلة مفصلية، وإرهاصاتها بدأت في النزاعات التي عرفها العالم في شكل أزمات وحروب وتحوّلات عميقة، وكل ذلك يخفي حسب تقديره سباق محموم على الطاقة، بمعنى كيف يمكن لدولة أن تضمن لشعبها الطاقة بأسعار معقولة، وبالتالي تمويل الاقتصاد بعيدا عن تأثيرات أسعار البترول، والرهان المطروح بالنسبة للجزائر، يتمثل في كيفية تمويل التنمية الوطنية خارج قطاع المحروقات ضمن بيئة اقتصادية تتميز بتراجع أسعار البترول، نظرا لدخول بدائل وأطراف أخرى للسوق، وكذلك كيف يمكن إيجاد بدائل للطاقة على المستوى الوطني خارج قطاع المحروقات التي تقدم شروطا أفضل على ضوء التحولات الطاقوية فيما يتعلق بالبيئة والأسعار، وكذا التكلفة بالنسبة للاقتصاد، لأن هناك معايير يجب احترامها فيما يخص التنمية. وحول العائق الأكبر لتجسيد التحول الطاقوي، لم يخف الدكتور أن التنمية الوطنية تعتمد على عوائد النفط في تمويلها، لكن السوق الوطنية، فيما يخص الطلب على الغاز والمحروقات وتمويل الاقتصاد الوطني لا يطرح مشكلة إلا في آفاق عام 2050، والمشكل على حدّ تقديره أن جزء كبير من عائدات البترول لا تتجه نحو استثمارها من أجل تحسين قدرة الجزائر في الإنتاج، وهذا ما يطرح أضاف مؤكدا مشكلا في ظل تراجع الأسعار بل ويطرح مشكلة حادة خاصة في خضم الانتقال الطاقوي، وأثار الدكتور بعض الاستفهامات من بينها: كيف يمكن إنجاح الانتقال الطاقوي الذي يعتمد على الاستثمارات الكبيرة في البدائل؟ وكيف يمكن تمويل بدائل أخرى دون التأثير على المداخيل النفطية؟ ووصل الدكتور إلى قناعة أنه توجد بدايات واعدة للانتقال الطاقوي، ولكنها تحتاج إلى استمرار، غير ان كل ما هو متاح ليس مستغلا. الدكتورة نجية مقدم: إرساء برامج اقتصادية مهمّة ترى الدكتورة نجية مقدم أن الانتقال الطاقوي يمر بثلاث مراحل أساسية تشمل ترشيد الاستهلاك الطاقوي للمواطنين، وكذا بالنسبة لسياسة الحكومة إلى جانب السير نحو تجسيد النجاعة الطاقوية، التي تتحقق من خلال استعمال التكنولوجيا ومواكبة آخر تطوراتها، مع إرساء برامج اقتصادية مهمة، على اعتبار أن قدرات الطاقة الشمسية في الجزائر كبيرة حيث تقارب 200 ساعة في السنة. واعترفت الدكتورة أنه اليوم بات من الضروري ضبط الإستراتيجية لتلبية الحاجيات الأساسية للسكان، خاصة في المناطق النائية والصحراوية، وبالتالي استحداث مناصب الشغل والثروة، وإحداث ديناميكية تنموية محلية وتوازن جهوي، وبالإضافة إلى كل ذلك يتسنى إقامة صناعة خاصة بالطاقات المتجددة، على اعتبار أنه في كل منطقة في الجزائر توجد طاقات متجددة، بالنظر إلى وفرة المياه والشمس والرياح. ويتزامن كل ذلك مع إرادة الحكومة القوية لإحداث التنمية المحلية، وفي ظل وفرة العامل المالي والعامل التكنولوجي المتاح من خلال تحويله عن طريق إقامة الشراكة مع الأجانب، ومن الضروري أن تعكف الجزائر على الاستثمار في مجال الطاقات المتجددة إلى غاية آفاق عام 2050، بمشاركة جميع المؤسسات خاصة القطاع الخاص وجميع الفاعلين في الحياة الاقتصادية والاجتماعية. الخبير شمس الدين شيتور: رؤية جماعية موحّدة للانتقال الطّاقوي اقترح شمس الدين شيتور أن تكون في الوقت الحالي رؤية جماعية موحدة للانتقال الطاقوي، مع إرساء تنمية مستدامة وتنمية بشرية، وبالإضافة التركيز على التكوين في مختلف المهن الجديدة على مستوى المعاهد والجامعات وحتى مراكز التكوين المهني. وأشار شيتور إلى وجود تبذير في الطاقة في العالم والجزائر حسب تقديره معنية بذلك، بينما مستقبلا سوف يكون هناك مشكل في الماء لذا ينبغي المحافظة عليه، ومن ثم عدم تجاهل التصحر لمواجهته، وتحدث الخبير عن غياب الطاقة الكهربائية عن ثلث القارة السمراء، مقترحا السير بوتيرة سريعة نحو الفعالية الطاقوية، وعلى خلفية أن الثورة الكهربائية سوف تجعل نحو 30 بالمائة من حظيرة السيارة تستهلك الكهرباء بدل من الوقود في آفاق عام 2035، واغتنم الفرصة ليدعو إلى التوجه إلى صناعة السيارات الكهربائية. الخبير عبد المجيد عطار: 7 عوامل لتحقيق الانتقال الطّاقوي توقّع عبد المجيد عطار الخبير في الطاقة أنه في آفاق عام 2035 سوف يسجل تراجع في استهلاك البترول والفحم والغاز بنسبة 75 بالمائة، وبالموازاة مع ذلك ارتفاع في استهلاك الطاقات المتجددة، التي تشكل اليوم نسبة 7 بالمائة، واغتنم الفرصة ليحذر من التأخر في تجسيد الانتقال الطاقوي، لأن ذلك من شأنه أن يحدث العديد من المشاكل في آفاق عام 2050، كون ما لا يقل عن 85 بالمائة من نمو الطاقات في عام 2040 يأتي من الطاقات المتجددة. وبخصوص العوامل والتحديات التي تواجهها الجزائر لتحقيق الانتقال الطاقوي، أوضح عطار بأنه 7 عوامل ينبغي أن تؤخذ بعين الاعتبار، وذكر في البداية الحاجة الماسة إلى القفز إلى مردودية محسوسة في الاقتصاد، والاحتياطي في الطاقة والنمو السريع وبرنامج الطاقات المتجددة وإرساء النموذج الطاقوي، والتحدي التكنولوجي، ولتحقيق الأمن الطاقوي للجزائر اشترط الخبير ضرورة تحقيق النجاعة الطاقوية في آفاق 2020، وكذا الذهاب إلى استغلال الطاقات غير تقليدية، كون الجزائر تعاني من العديد من المشاكل على غرار الاستهلاك العائلي الكبير والنقل، وتحدث عطار عن حتمية التركيز على البحث العلمي. وقال عطار إن الانتقال الطاقوي بات ضروريا لأن الأمن الطاقوي بعيد المدى حسب الاستراتيجية والبرامج ولأن المصادر الطاقوية الحالية أي النفط والغاز والفحم تناهز 80 بالمائة من إجمالي الطاقة، نظرا لأنّ الاحتياطي في العالم سوف يتقلّص، وهناك دراسات تؤكد منذ 2006 أنّنا نستهلك أكثر مما نكتشف في العالم، وفي الجزائر كذلك نظرا لأن المصادر الطاقوية غير قابلة للتجديد وسوف تنتهي بعد 20 أو 40 عاما، لذا يجب البحث عن مصادر طاقوية أخرى جديدة تكون قابلة للتجديد، وحاليا الطاقة الشمسية تعد الأحسن، وفي ظل وجود طاقة الرياح، لكن يرى عطار أنّه لدينا إمكانيات كبيرة من الطاقة الشمسية، وسعرها منخفض ويمكن الوصول عن طريق استغلالها إلى إنتاج ذا مردودية، لذلك الانتقال الطاقوي مركز على تطبيق برنامج الطاقات المتجددة، الذي أقرته الحكومة في عام 2011، ويتضمن 22 ألف ميغاواط، يعني طاقة إنتاجية للطاقة المتجددة، والمشكل اليوم حسب الخبير أنه لم يتم انجاز سوى 345 ميغاواط أي يسجل تأخر محسوس، محذرا من مواصلة هذا التأخير، لأنه في عام 2030 سوف نواجه بعض المشاكل أي نقص في النفط والغاز، ونحتاج في ذلك الوقت إلى موارد مالية، وإذا لم يتم تطوير الطاقات المتجددة والتقليص من الاستهلاك وتسطير برنامج للتقشف الطاقوي للاستهلاك الوضع دون شك سيكون صعبا، بينما برنامج الانتقال الطاقوي يعني تأمين الطاقة التي نحتاجها في 2035، لأنه بدون طاقة لن يكون نمو أو تطور لا في الفلاحة ولا في الصناعة، ولأن كل الامور مركبة وقائمة على الطاقة، أي الماء والطاقة المصدرين الأساسين لتطوير البلاد وتحسين المعيشة. الدكتور قسايسية إلياس: يوم مشمس في الأرض يعادل إحراق ما تحتويه الأرض من غاز وبترول بالفعل يمكن القول أن الأمن الطاقوي اليوم بين تحدي أمن الإمدادات والأمن البيئي، هذا ما تحدّث عنه الدكتور قسايسية إلياس، حيث ذكر أن الأمن الطاقوي يتشكل من عنصرين أساسيين للدول المصدرة والمستهلكة للطاقة، ويتضمن شقين الأول يتعلق بضمان الأسواق وكذا ضمان الإمدادات، أي كل ما تعلق بحماية البواخر في المياه الدولية وحماية الآبار، وأعطى مثالا على ذلك بمواجهة الجزائر لتحدي حماية المنشآت النفطية في حادثة «تقنتورين»، وإلى جانب حماية المنشآت الطاقوية في العديد من الدول مثل العراق وسوريا وما إلى غير ذلك من الدول التي تعيش تجديات أمنية، في حين الدول المستوردة تركز في الحصول على المادة الطاقوية بأقل سعر لذا يشتركون في أمن الامدادات. وعالج الدكتور قسايسية إشكالية التحول إلى الطاقات البديلة للدول المنتجة والمصدرة، مشدّدا على ضرورة الإسراع في التحول في إنتاج الطاقات البديلة مثل الغاز لكنه غير متجدد والطاقة النووية كذلك بديلة لكنها غير متجددة، لأنها تستعمل اليورانيوم القابل للزوال، وعلى اعتبار أن الأمن الطاقوي له شق أساسي يتمثل في أمن البيئة وفي القرن 21، لم يعد يرتبط بأمن الامدادات بل بأمن البيئة، نظرا للاستغلال المفرط للبترول وعناصر الانبعاث مثل ثاني أكسيد الكربون. وحول حظوظ وإمكانيات الجزائر يرى المهندس والدكتور قسايسية أن الجزائر تعد من بين الدول التي لديها إمكانيات كبيرة في الطاقات المتجددة، على خلفية أن الصحراء الجزائرية تستقطب أكبر قدر من الشمس في العالم، هذا ما يرشّحها أن تغطي العالم بالطاقة من خلال إنشاء اللواقط الشمسية، أي الجزائر تتواجد بها مناطق تستقطب أكبر منطقة للطاقة، وتحتوي على مورد مالي يمكن من الاستثمار في الطاقة. واعترف الخبير في نفس المقام أن الطاقات المتجددة تحتاج إلى تكنولوجيا وموارد مالية وعائداتها تجنى في الآجال المتوسطة والبعيدة المدى، أي كلما مرت سنوات، فإن التكلفة تتقلص بشكل محسوس، حيث تبقى فقط تكلفة الصيانة لأن الشمس والرياح مورد مجاني. وقدّر الدكتور أنّ يوم مشمس في الأرض يعادل إحراق كل ما يحتويه باطن الأرض من غاز وبترول وفحم. الباحثة بتقة خديجة: نمو الطّلب العالمي من جهتها الباحثة بتقة خديجة التي ركّزت على نمو الطلب العالمي على الموارد الطاقوية وصعود مستهلكين كبار جدد، حيث أخذت الصين كنموذج حي، وقفت على عنصر جوهري يتمثل في صعود قوى مستهلكة جديدة وذكرت الصين، وعادت الباحثة لتتناول المحددات التي تضبط الطلب العالمي على المواد الطاقوية، والمتمثلة في النمو الاقتصادي وأسعار الطاقة وتغير المناخ إلى جانب التوجه نحو الاستثمار في الطاقات المتجددة. وترى الباحثة بتقة أنّ الصين قوة صاعدة يعوّل عليها اقتصاديا، حيث عملت على ضوء إستراتيجية التنوع في الموارد والمناطق والاستراتجيات، وتركز على التدرج السلمي في الصعود، وعلى مناطق من العالم مثل منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا وكذا روسيا.