حاورهما: فنيدس بن بلة إنها شهادات مثيرة عن جانب مهم من الثورة التحريرية يرويها عبر جريدة «الشعب» عبد السلام عباد الذي التحق بصف الكفاح المسلح في اعز شبابه وتقلد مناصب ومسؤوليات عدة أثناء تنقله لتأدية الواجب الوطني في كافة ربوع الجزائر من الولاية الأولى إلى الولايات الأخرى شمالا جنوبا شرقا غربا بما في ذلك جبهة المالي بأقصى الجنوب بإشراف عبد القادر المالي رئيس الجمهورية حاليا عبد العزيز بوتفليقة. وكسبت الشهادات المثيرة قوة واعتبارا بمشاركة عبد الكريم نابي الذي عاد بنا إلى البدايات الأولى للنضال الذي قرر خوضه بلا تردد اعتقادا راسخا منه بأن الجزائر مثلما احتلت بالقوة تحرر بها. كيف ومتى يروي تفاصيلها العضوان في جيش التحرير عباد ونابي وهما عضويان أيضا في جمعية «المالغ». فضل عبد السلام عبد الحفيظ عباد عضو جيش التحرير الوطني العودة إلى بداية الأشياء للحديث عن كيفية التحاقه بالثورة المسلحة، لماذا ومتى متوقفا عند أدق التفاصيل اعتقادا راسخا منه بان الحقائق التاريخية لا بد أن تسرد كما هي دون زيادة او نقصان. وقال عباد وهو من مواليد 1938 بخنشلة مستذكرا عبر شهادته المثيرة ما عاشه وما قام به في صف الثورة التحريرية التي مر عليها 56 سنة و يعد بيانها مرجع البناء والإنماء الأساسي: التحقت بالكفاح المسلح في 24 نوفمبر 1954 ، وعمري 16 سنة، لم احمل السلاح حينها، لكن كلفت على مستوى خنشلة بمهمة توزيع المناشير والرسائل الموجهة للمعمرين والجزائريين العاملين بالإدارة الاستعمارية لحثهم على الاستقالة والاندماج بالتحرر الوطني. يتذكر عباد كيف عقد الاجتماع السري ليلة 24 فيفري 1954 بقيادة عباس لغرور بمنزل عائلته في خنشلة، وتزويد والده حاج خليفة رئيس القبيلة لمفجري الثورة بالمنطقة بكل المعلومات عن الأماكن الآمنة السامحة باتخاذها مراكز للعمليات العسكرية وإدارة شؤون الثورة. يتذكر لماذا اتخذ منزل الحاج رميلي كمركز لهذه المهمة اللوجستيكية التي تحتاجها الثورة في بداياتها وانتشارها وتامين نفسها. وأضاف عباد الذي اشتغل في هيئة الإشارة وهو عضو في المكتب الوطني لجمعية «المالغ» : التحقت بالثورة المسلحة بصفة رسمية في فيفري 1954، انضممت إلى صف جيش التحرير بعد مجيء متيران وزير الداخلية الفرنسي الذي أطلق من خنشلة تصريحات استفزازية ضد الثوار بتأكيده أن الحوار الوحيد مع ما وصفهم بالمتمردين هو الحرب. بعد مؤتمر الصومام المحطة الفاصلة في تنظيم الثورة التحريرية وتحديد الصلاحيات والأولويات ذهب عباد إلى تونس رفقة عثماني تيجاني نائب عباس لغرور لملاقاة القائد زيغود يوسف هناك والإتيان به إلى الحدود الشرقية حيث تقرر عقد اجتماع بين الشخصيتين: زيغود ولغرور. لكن المهمة لم تتم بسبب استشهاد زيغود يوما قبل اللقاء في كمين غير بعيد عن مقر سكناه بالشمال القسنطيني. وهنا يقول عباد : اتصلنا بعدها بمصطفى سرايدي بجبل دباغ الجهة الشمالية الغربية لقالمة حيث كان يتخذ مركزا لقادة الثورة بالمنطقة، وهذا في صائفة 56، ومنها تقرر ذهابنا إلى تونس من جديد للالتقاء بعباس لغرور الذي تولى مسؤولية قيادة الولاية الأولى الاوراس النمامشة بعد استشهاد زيغود. و بتونس كان مقررا عقد اجتماع بين أعضاء لجنة التنسيق والتنفيذ المنبثقة عن مؤتمر الصومام وقادة الثورة بالولاية الأولى. توقف عباد قليلا في شهاداته ثم واصل في سرد مساره الثوري حرصا على إعطاء كل محطة حق قدرها من الاهتمام دون المرور عليها مرور الكرام. وقال: «بقيت في تونس من سبتمبر إلى آخر أكتوبر في انتظار عقد الاجتماع التنسيقي بين أعضاء الولاية الأولى وقادة الثورة لكن الاجتماع لم يتم بسبب تحويل طائرة الزعماء ال 5، وبعدها عدت إلى الاوراس مرة أخرى رفقة حوحة بلعيد الشهيد الذي كلف من عباس لغرور بالدخول إلى المنطقة لتفقد أحوال جيش التحرير وتنظيمه لمواصلة العمليات الحربية. وعن العمليات العسكرية الكبرى التي شارك فيها وكشفت قوة جيش التحرير ودهاء خططه وفعالية تكتيكه واستراتيجيته، أكد عباد إنها كثيرة لا يمكن سردها في عجالة. وذكر على سبيل المثال لا الحصر العمليات العسكرية بالاوراس وبالجهة الشرقية الحدودية من سوق أهراس وسدراتة بشكل اكبر واعم. كمين بقايس وقال في هذا المقام شاركت في نصب كمين للعدو بقايس في 1955 تحول الى مواجهة ساخنة تمكن من خلالها جيش التحرير من إسقاط ضباط وقيادات في صف الجيش الاستعماري ، واستشهد بالمقابل في المعركة 3 مجاهدين واسر عمي الحاج ارميلي مجروحا. وتحدث عباد عن معارك شارك فيها قبل المرور الى تونس ، منها معركة الزيريز في أواخر 56 بالاوراس المعروفة باسم طانزة عرفت مواجهة مباشرة بين عناصر جيش التحرير والقوات الاستعمارية الفرنسية مدة يوم كامل لحقت خسائر جمة بالعدو الذي أدرك انه أمام قوة تحررية منظمة تعرف ما تريد وتدرك ما تقول وليس مجرد تمرد وعصيان على نظام استعماري مثلما يروج في الأدبيات الفرنسية. وتحدث عباد بصفته تقمص مهام مساعد قائد منطقة خنشلة التابع للولاية الأولى ومحافظ سياسي وامين خزينة عن عمليات عسكرية أخرى باقبو و«ميدا» بسدراتة، وكيف تمكن جيش التحرير من إسقاط ضباط فرنسيين أوهمتهم الدعاية الاستعمارية بأشياء عن الجزائر، ما انزل الله بها من سلطان. وشحنت في روحهم أوهام عن «الجزائر الفرنسية» مزيلة من القاموس حقائق عن الأمة الجزائرية التي وجدت من زمان ولها رصيد حضاري لا يمحى بجرة قلم أو يشطب بقرار جنوني جائر. وكيفية تسليح الجيش وخطوط الإمداد الحربي والوسائل الموظفة أوضح عباد أن هذه المسالة بدأت عبر خط بنغازي طرابلس بليبيا الجهة الشرقية الحدودية. وكانت الولاية الأولى التي تتلقى السلاح تقوم بتزويد الولايات الأخرى به حفاظا على شمولية الحرب وتقاسم وظيفي يندمج فيه الجميع بالتساوي وحمل المسؤولية في خوض المعركة المصيرية حتى النصر. وحسب شهادة عباد فان عملية التزود بالوسائل الحربية والعتاد تولاه الهادي عرعار تحت قيادة احمد بن بلة الذي كان متواجدا بمصر عبد الناصر، وهو يشرف على المؤونة العسكرية من هذه البوابة الشرقية للجزائر. وان أول دورية أتت بالسلاح من ليبيا تكونت من ناصر سوفي وحوحة عثمان. ووصلت أولى دفعات السلاح من صنع ألماني وايطالي للولاية الأولى التي وزعت كميات منه إلى الثانية والثالثة. تأويلات ومزايدة وهنا يتدخل عباد لإزالة بعض التأويلات وترديد أشياء مغالطة للوقائع للحقائق. وقال حول ما يروج عن عدم تلقي ولايات لأسلحة وتركها لأمرها : هذا غير صحيح بالمرة، لان العتاد الحربي كان يوزع على كل جهات الوطن لاعتقاد قادة الثورة التحريرية الراسخ ، بشمولية الثورة وحتمية اشتعال لهيبها في كل مكان لإضعاف النظام الاستعماري والتعجيل بانهياره واستعادة الحرية بالقوة التي تفهم وتوصل رسالة استعادة الاستقلال الوطني كاملا غير منقوص . وأعطى عباد أمثلة ميدانية تبطل المزاعم المروجة من ضعاف النفوس المتمادين في تشويه التاريخ الوطني دون وضع في الحساب قدسية رسالة نوفمبر ومحتواها وتشديد بيانها على وحدوية الحرب وجماعية قرار تفجيرها وتقاسم مهامها القيادات التاريخية دون تفضيل احد على آخر ودون اعطاءالاولوية لجهة على أخرى. وقال راويا التفاصيل: في جوان 57 نظمت قافلة من 250 جنديا كلهم من الولاية الأولى، لحمل كميات هامة من السلاح إلى الولاية الثالثة تحت قيادة العقيد عميروش. وتقرر في القافلة أن يحمل كل عضو فيها سلاحين و 350 ذخيرة ، وقذيفتي مورتز 60. وحملت شحنات السلاح الثقيل على ظهر 30 بغلا. وواصل عباد: أتذكر ما قاله القائد عباس لغرور في 1955 وهو يعطي تعليمات وتوجيهات لأعضاء جيش التحرير وحرصه الشديد على تزويد الولاية الثالثة بالذخيرة اللازمة وكذا الشمال القسنطيني. وهذه قناعة راسخة لدى قادة الثورة بوطنية المواجهة المصيرية ، منهم القائد عميروش المتميز بحنكته عايشتها بالتفصيل أثناء مرافقتي لهذه القافلة المذكورة. وذكر عباد أن هذه الشهادة الحية التي يدلي بها عن العقيد عميروش لمسها لدى قادة آخرين عايشتهم في صف الثورة المسلحة. لكنها لم تحظ بالعناية من بعض من وضعوا أنفسهم في موقع كتابة التاريخ الوطني من زوايا ونظرات ضيقة تخدم مآربهم الذاتية أكثر من سرد الحقيقة. وهي أفكار تروج على الملأ لا تشوه فقط التاريخ الوطني ولا تخدم الوحدة الوطنية. ولكشف الملابسات ووضع النقط على الأحرف أكد عباد أن ملتقى تاريخي سينظم قريبا يقدم فيه من عايشوا مراحل التحرر الوطني وكانوا صانعي الثورة المسلحة شهادات حية تنور الرأي العام الجزائري وتجيب عن تساؤلات وانشغالات محل الجدل والمزايدة الكلامية لوضع التاريخ الوطني في مجراه الحقيقي وتأمينه من الانحراف واتخاذه «ورقة للمتاجرة» والضرب على وتر المساس بالوحدة الوطنية التي تعلو فوق كل حسابات سياسوية مهما كان مصدرها والمروجين لها ليل نهار. ف.ب