لم تكن زيارة المدير العام لصندوق النقد الدولي هذه المرة مثلما كانت الزيارات في السابق فبلا شك قد وقف على مؤشرات مالية واقتصادية جعلته يتأكد من سلامة الخيارات الكبرى التي رسمتها الدولة على مسار مواصلة الإصلاحات ذات الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية في ظل الأزمة المالية العالمية الخانقة التي زعزعت اقتصاديات كبرى الدول الصناعية التي دخلت في مرحلة البحث عن السيولة المالية، الأمر الذي يرتب أولوية أيضا في جدول أعمال الافامي. من ابرز المؤشرات الجوهرية التي لم يكن بمقدور دومينيك ستروس كان القفز عليها كسب البلد الذي كان في مطلع التسعينات على عتبة التوقف عن الدفع رهان التخلص من عبء المديونية الخارجية التي أثقلت كاهل التنمية لسنوات وأسهمت في زعزعة الاستقرار الاجتماعي بل كانت من الأسباب غير المباشرة في تغذية عجلة العنف إلى أن أدت سياسة إحكام القبضة على دواليب الواردات والتزام صرامة في تسييرها وقوة تحمل فاتورة تراجع النفقات الاجتماعية إلى انجاز عمل اقتصادي غير مسبوق بامتلاك القدرة المالية للتسديد المسبق لحجم كبير من الديون الخارجية وتراجع سقفها إلى الحد الأدنى الأمر الذي يستحق الوقوف عنده كحالة فريدة في عالم يشكو ظاهرة المديونية الخارجية كأحد معوقات التنمية التي سطرتها أهداف الألفية للأمم المتحدة. لقد كان إنهاء عقدة المديونية الخارجية التي فاقت 36 مليون دولار بمثابة الورقة القوية لإطلاق عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية بوتيرة منتظمة حققت نسبة نمو مقبولة يرتقب أن تستقر السنة القادمة حول مقدار 4 بالمائة وهي ذات وزن بالنظر لركود الاقتصاد العالمي وتذبذب مستوياته مما جعل كبار الخبراء يعيدون النظر في تقديراتهم. وانتهجت الجزائر في ضوء كل تلك المتغيرات منهجية استثمارات عمومية شملت كافة قطاعات النشاط الاقتصادي بما في ذلك تحرير المبادرة الخاصة للمتعاملين المحليين والأجانب قبل أن تعيد صياغة الخيارات الإستراتيجية بوضع منظومة قانونية للاستثمار والشراكة ليس للتضييق على المتعاملين بقدر ما تصبو إلى تهيئة السبيل أمام المستثمرين الاحترافيين والجادين الذين لديهم القناعة بانجاز مشاريع في مختلف قطاعات النشاط الاقتصادية بعيدا عن النزعة التجارية واستجابة لسوق واعدة من جوانب تحسين الجودة وتوفير مناصب العمل . هذا المكسب بعيدا عن التصنيفات التي تطبخ هنا وهناك لدوافع مغرضة يغذيها متعاملون رفضوا الانخراط في الديناميكية التنموية بكل ما تقتضيه من شفافية وعدالة يضع الجزائر وهي تقدم نموذجا جديرا بالتشخيص والمرافقة في مركز جدير بالاهتمام لفائدة المنظومة الاقتصادية العالمية والتنمية البشرية الإقليمية ذات الطابع الجواري مثلما تكرسه مبادرة النيباد لفائدة إفريقيا وهو ما ينتظر أن يظهر صندوق النقد الدولي اعتناءه به بالنسبة للدول الإفريقية التي تتطلع إلى مرحلة أكثر ارتياحا من حيث التعاطي مع شروط الصندوق ومعوقات الديون الخارجية المجحفة. وفي هذا الإطار فقد أكد الوزير الأول بشكل لا مجال فيه للتأويل أن الجزائر عازمة على مواصلة البرنامج التنموي الخماسي بالاعتماد على المدخرات المالية الوطنية وتسخيرها لبرامج استثمارية ذات جدوى ضمن تاطيرها بضمانات تحميها من أي فساد محتمل وهو ما تقف له الدولة بالمرصاد إلا من افلت إلى حين من جانب ومن جانب آخر وباعتبارها بلدا إفريقيا بامتياز لا تدخر جهدا في كل المحافل وعلى مستوى المبادرة الجديدة لتنمية إفريقيا نيباد وهي من صانعيها مشيرا إلى أن الأزمة العالمية لا ينبغي أن تكون سببا في أي تراجع محتمل من جانب مجموعة الثمانية الأغنياء في العالم تجاه إفريقيا ومن ثمة ضرورة تحمل المنظومة الدولية وبالذات البلدان الغنية ما يقع على عاتقها من التزامات ذات طابع تضامني انساني.