أعطى محمد لحسن زغيدي أستاذ بجامعة ''الجزائر 2'' صورة دقيقة عن بيان اول نوفمبر، متوقفا عند دراسة مضمونه وابعاده وغاياته الصالحة للحاضر والمستقبل. واكد الاستاذ الجامعي صاحب كتابات عن التاريخ الوطني والثورة التحريرية ان وثيقة نوفمبر تبقى مرجعية لادارة الشؤون السياسية، ونظام الحكم وتوجهات السياسة الخارجية. وقال في ندوة نقاش بمركز «الشعب» للدراسات الاستراتيجية في رده على تساؤلات كيف ولماذا وبأي طريقة صيغت الوثيقة، ان واضعي بيان الثورة التحريرية نجحوا في تجاوز تناقضات وتعقيدات برؤية بعيدة حسمت كل كبيرة وصغيرة، ولم تترك اي فجوة يتسلل عبرها تجار الظرف، لتوظيفها في موقع غير موقعها، ويضربون الثورة وهي في المهد. وبهذا الاسلوب اعطى قادة الثورة التاريخيون الذين انهوا فكرة الزعامة وعبادة الشخصية التي اوصلت الحركة الوطنية الى التأزم واطريق مسدود، وبينوا كيف تدار امور الثورة، ولماذا حددت اولويات الداخل على الخارج والسياسي على العسكري، والى اي مدى يستمر التداول على المسؤوليات وكسر مركزية القرار والانفراد بالسلطة. وبهذا الاسلوب الذي يعطي النموذج الحي لادارة شؤون الرعية، ومواجهة اي طارىء في الميدان بهدوء ومشاورة، كشفت وثيقة 1 نوفمبر، قوتها في رسم معالم الدولة الحديثة بعد انكسارات واخفاقاتو واظهرت ان الجماعة المفجرة للتحرر، مدركة لخفايا الامور، مطلعة على ظروف معيشة الجزائريين واستعدادهم للاقلاع والانطلاق في احتضان الشرارة من اجل استعادة الحرية المسلوبة والسيادة المغتصبة. ولم تأت هذه المسائل عفوية، ولم تهبط من السماء بفعل فاعل، لكنها كانت مصدر تحضير دقيق، اخذ في الاعتبار الاسباب التي ادت الى الفشل الذريع للحركة الوطنية، والانقلابات الكبيرة في داخلها. والتناقضات التي طرأت على السطح بين زعمائها وفي صدارتهم مصالي الحاج أب الوطنية بامتياز.. وهو الزعيم الذي كان شغوفا بالتحرر الوطني، ومده في الرقعة المغاربية لبناء صرح جهوي قوي لا يهتز تحت الطوارىء، لكنه عاد على هذا الطرح وصار يشكك في امكانية تفجيرالتحريرية، واصفا المتحمسين للقرار من القادة الشباب، «بالمغامرين». لكن هل لا يحمل القادة التاريخيون تناقضات بينهم. ولا توجد آراء متباينة في كيفية تفجير الثورة التحريرية، وضبط الاولويات؟ هل ذابت في وسطهم كل التناقضات الى درجة يمكن الحديث معها عن ضمير جمعي لهم، يسقط امامه التمايز وخصوصية كل واحد؟ واذا كانت الجماعة تتمتع برؤية واحدة وتتطلع لغاية واحدة، ولا يملس في طروحاتها تمايزات، لماذا تظهر التناقضات لاحقا في مسار التحرر الوطني، مثلما كشف عنه مؤتمر طرابلس لاحقا؟ انها اشكالية اجاب عنها زغيدي مدير متحف المجاهد سابقا، بان هذه المسألة حسمت بدقة في الاجتماعات الممهدة لاعلان أول نوفمبر واتفق في كل نقاش ساخن حول قضايا ما، بتسويتها بالتي هي احسن تطبيقا لقاعدة الرأي والرأي المعاكس مع الانسياق في آخر المطاف لما هو منطقي واكثر واقعية. ولهذا اقتنع بن بولعيد في احدى النقاشات بضرورة عدم اظهار طبيعة الدولة الجزائرية محل الاهتمام ببعدها الاسلامي الواضح، حتى لا تعطي للمتلقي رسالة وكأن الثورة الجزائرية تفتح الباب على مصراعية لمواجهة دينية بين الاسلام والمسيحية، وتترك من هم في الغرب، يغضون الطرف عنها، ويندمجون في حركة مضادة على اعتبار انها تواجههم. وهناك خلافات اخرى في وجهات النظر، لكنها حسمت بالنقاش والاقناع ساعد في الذهاب الى الابعد، والسير باتجاه تفجير شرارة نوفمبر، ومدها بعناصر النجاح العدد القليل من القادة التاريخيين، وتناسقهم وتجربتهم في النضال. فكانت المجموعة السادسة التي اعدت الوثيقة مكونة من عناصر، جاءت من المنظمة السرية وهي على دراية ومعرفة بما يريده الجزائريون. وكانت هذه المجموعة، التي يقودها بوضياف، وبرز فيها ديدوش مراد، ممهدة الارضية لاجتماع مجموعة ال 22 التي حددت موعد انطلاق الشرارة، وكيفية عمل ما في الممكن من اجل توسيع مدى الثورة الى ربوع الوطن وقلب فرنسا، لاظهار ان هناك تغيير في الجزائر، يقوده اناس غايتهم استعادة السيادة الوطنية بعد سنوات الاستعمار، خاضت فيها فرنسا اكاذيب واشياء ما انزل الله بها من سلطان. انكشف للعالم عندها ان هناك ثورة بحق بالجزائر، وليس مجرد عصيان مدني، او عصابة قطاع طرق تمردت على النظام الاستعماري، والتفاوض الوحيد معها هو الحرب مثلما ادعى ميتران وزير الداخلية آنذاك.