أكد الباحث في التاريخ السيد محمد لحسن زغيدي أمس أن وثيقة بيان أول نوفمبر تبقى تعكس الثقافة والوعي الكبيرين لكاتبي البيان، مشيرا إلى أنه استنتج منها 17 بعدا عميقا في ثماني فقرات و662 مفردة في دراسة تحليلية أعدها حول الموضوع. وحسب السيد زغيدي فإن أهم هذه الأبعاد تتمثل في البعد الشعبي حيث أن البيان وجه إلى كل الجزائريين، والبعد الديني الذي يُلمس من خلال اختيار موعد انطلاق الثورة الذي ارتبط بمناسبة المولد النبوي الشريف والذي صادف يوم الإثنين، وكذا البعد النضالي والمغاربي من خلال تجنيد جزائريين في صفوف الجيش المغربي وكذا التأكيد على الوحدة المغاربية بكل أبعادها، فضلا عن الأبعاد الديمقراطية، الحضارية، الإنسانية، السلمية والانتماء العربي الإسلامي. وقال الباحث إن بيان أول نوفمبر 1954 يعد شهادة ميلاد ثورة عظيمة اعترفت بها المعمورة، موضحا خلال نزوله ضيفا على مركز الشعب للأبحاث والدراسات الاستراتيجية أن الوثيقة لم تأت من فراغ، حيث قامت الحركة الوطنية بمجموعة من الإجراءات قبل تفجير الثورة من بينها دراسة القضايا الدولية والقضايا الإقليمية، كما أعطت الوثيقة الشرعية للانتقال من النشاط السياسي إلى العمل الثوري المسلح، من خلال إنهاء حالة الصراع التي كانت قائمة بين أعضاء الحركة الوطنية من حزب الشعب. وكان لابد من تحضير ثلاث شخصيات لإعداد بيان أول نوفمبر في ظل الظروف التي اتسم بها حزب الشعب وقتئذ، وتم اختيار محمد بوضياف وديدوش مراد لكتابة البيان ومحمد العيشاوي في صياغة فقرات البيان، كما اعتمد الكاتبون على لوائح مؤتمر حزب جبهة التحرير الوطني. ويحتوي البيان كذلك على تصور لمفهوم الدولة وللقضية الجزائرية ووحدة المغرب العربي، حيث أضاف المتحدث في هذا السياق أن البيان يستشف منه الدقة في التناول ويعكس الهدوء والتروي لأصحاب البيان عند كتابته. وأكد أن البيان يتضمن كلاما منتقى إلى حد تميز كل دلالة ومفردة فيه بالمعنى المقصود منها، لا سيما مراعاة الاختصار الذي أدى إلى تحديد المعاني وانتقاء المضمون. وأضاف المتحدث أن الأطراف التي أعدّت البيان اختارت أسلوب الاختصار وعدم الإطناب باعتباره موجها للنخبة الوطنية بعد الانقسام الخطير بين المركزيين والمصاليين، وذلك قصد إعادة لم شملهم وتوحيد كلمتهم لمواجهة المستعمر.