استحضر أمس بمقر يومية «المجاهد» رفقاء درب النضال المسار التاريخي الحافل لشخصية المكافح نيلسون مانديلا، وهذا في اليوم العالمي المخصّص لهذا الرّجل في ذكرى مولده في 18 جويلية 1918. شهادات حيّة ونادرة أدلى بها السيد نور الدين جودي الدبلوماسي السّابق الذي كان مرافقا له خلال ثورة التّحرير كمترجم للغة الإنجليزية، مكتشفا فيه القائد المغوار الرّافع لراية الإنتصار والحامل لمشروع القضاء على نظام الأبارتيد من خلال الإستفادة من تجربة الجزائر وهي تخوض حربا ضروس ضد إستعمار استيطاني وحشي لا يختلف عن نظيره في جنوب إفريقيا يصف الشّعب الجزائري ب «الأهالي»، مانعا على أفراده ولوج مناطق معيّنة على أساس تمييزي. واعتبر جودي أنّ الفضل في بروز مانديلا يعود إلى المرحوم المجاهد شريف بلقاسم المدعو «سي جمال»، الذي أقام الأرضية الأساسية والأولى في تشكيل النّواة الصّلبة لإنطلاقة بوادر العمل من أجل توضيح الرؤية النّضالية لدى المجموعة المسلّحة لجنوب افريقيا تدشّن من الجزائر المكافحة. وكشف جودي بأنّه عندما كرّم بوسام الإستحقاق «الرفيق» في جنوب إفريقيا، دعا إلى تكريم جيش التحرير الوطني الذي احتضن قادته الطّلائع الأولى لقادة جنوب إفريقيا، ففي كل مرة كان شريف بلقاسم «سي جمال» يردّد على مسامع هؤلاء بمواصلة العمل المسلّح مع الإعتماد على مقاربة الدبلوماسية لعزل النّظام العنصري. والتّعليمات الصّادرة عن رجل ثوري، كانت بمثابة الاستراتيجية المعتمدة مستقبلا من طرف المؤتمر الوطني الإفريقي في كفاحه المستميت ضد نظام الميز العنصري، وهكذا تلقّى مانديلا تكوينا قياديا، اطّلع على الكيفية التي تسير بها الثورة وما حقّقته في الميدان، وتعهّد شريف بلقاسم بأن تكون الجزائر إلى جانب جنوب إفريقيا ماديا ومعنويا، تدعّمها إلى غاية القضاء على النّظام العنصري، لأن قضية هذا الشّعب مقدّسة. وشرح جودي بالتّفصيل وقائع طرد الوفد العنصري لجنوب افريقيا من الأممالمتحدة عندما كان السيد عبد العزيز بوتفليقة وزيرا للخارجية مترئّسا الدورة ال 29 السّاخنة سنة 1974، وبالرغم من كل المحاولات اليائسة للدول الكبرى آنذاك لإعادة التصويت إلاّ أنّ مناوراتهم باءت بالفشل الذّريع. وأبدى السيد جودي تأسّفه لإقصاء المرحلة التي مرّ بها مانديلا في الجزائر في بعض الأشرطة الوثائقية التي تؤرّخ لهذا المناضل، وذكرها لبلدان أخرى ماعدا الجزائر. أمّا المنسق المقيم للأمم المتحدةبالجزائر السيد أريك أوفرفيست فقد أشاد بتلك العلاقة العضوية التي كانت ما بين مانديلا والجزائر، التي كان يستلهم منها قيم الكفاح ومبادئ النّضال ضد النّظام العنصري، معتبرا إيّاها أي الجزائر «بلده الثاني»، الذي قدّم له يد المساعدة في الأوقات الصّعبة، والتخلص من نظام الأبارتيد، الذي كان مقنّنا في جنوب إفريقيا آنذاك. في حين شدّد سفير جنوب إفريقيا في الجزائر السيد دونيز ثكوزاني دلوما على الموقف المبدئي للجزائر في مساندتها لكفاح شعب جنوب إفريقيا، واعترف في هذا الشّأن بالفضل الذي خص به الجزائريّون قادة جنوب إفريقيا، والتكفل الذي حظوا به من قبل الثوار الوطنيّين الجرائريّين، خاصة مانديلا الذي غادر الجزائر وهو قيادي بعد أن دخلها وهو جندي عادي، مدافعا على قيم المساواة والعدالة بين أبناء الشّعب. وفصّل العقيد علي الشريف من الولاية الخامسة وقائع التحاق مانديلا ورفقائه بالثّورة الجزائرية، وأول من اهتم بهم كان النقيب عزيز حسان، كما تلقّوا كل العناية من قبل القادة الآخرين بدءاً من الإتصال الأول الذي تلقّاه سي الشريف من قبل السّفير المغربي بالقاهرة آنذلك عبد القادر طوراس، على أساس أن وفدا من شباب جنوب إفريقيا سيلتحق بالجزائر، وهكذا بدأت مسيرة هذا الرّجل التاريخي. ونشير إلى أنّ التّرجمة إلى اللّغة العربية من الإنجليزية ضمنها الأستاذ إسماعيل دبش، الذي نشّط النّدوة بكفاءة عالية واقتدار.