لا يمكن أن يستمر الجدل العقيم حول العقار الصناعي ومن ثمّة الانتقال إلى مرحلة أكثر جدية في معالجة هذا الملف المثقل بتداعيات بيروقراطية أنهكت الاقتصاد وممارسات أفرزت واقعا يتطلب إجراءات حاسمة أكثر من أن تكون قرارات ظرفية. لقد شكّلت هذه المسألة، وغصَّة في حلق الاستثمار، انشغالا أولا، طيلة المراحل التي تلت الانفتاح الاقتصادي وتحرير المبادرة، وبالرغم من الأوعية الشاسعة التي سخرتها الدولة لفائدة الاستثمار من خلال إنشاء مناطق صناعية ومناطق للنشاطات (توجد أكثر من 70 منطقة حاليا بمساحة 12 ألف هكتار)، إلا أن الأهداف المسطرة لم تتحقق. لذلك يراهن على انجاز برنامج يشمل أكثر من أربعين حظيرة صناعية جديدة تسمى مناطق الجيل الجديد، فيما تتكفّل الوكالة الوطنية للوساطة والضبط العقاري «أنيراف» بتجسيد سبع مناطق أخرى، وقد تم تحويل الملفات ذات الصلة إلى الولايات المعنية للتّجسيد. وهنا بالذات يكمن الإشكال بالنظر للتجارب السابقة التي تركت آثارا سلبية على صفحات هذا الملف بفعل البيروقراطية وكل ما رافقها من تجاوزات عطلت مشاريع وأفسدت خططا طموحة للتنمية. بالرغم من قرارات استرجاع العقارات الصناعية غير المستغلة وتحرك بعض الولاة في هذا الاتجاه يبدو أن المهمة لا تزال بحاجة إلى مضاعفة الجهود لتدارك التأخر من خلال اعتماد آلية تكون ذات فعالية تقود إلى إعادة صياغة تصور شامل وشفاف يرتكز على الحوار المفتوح مع المتعاملين والمستثمرين. لا يمكن أن يستمر العقار الصناعي مادة للمضاربة يستفيد منه أصحاب نفوذ أو سماسرة الاستثمار، وحتى يمكن كسر شوكتهم ينبغي التوجه إلى ضبط إطار ملائم يعالج الطلبات المتزايدة والمرشحة للارتفاع أكثر في ظلّ أطر مناخ الاستثمار ورصد اهتمام متزايد لإنجاز مشاريع إنتاجية خاصة في الهضاب العليا والجنوب حيث عوامل النجاح قائمة. ومن بين العوامل التي تساعد على إدخال حوكمة في إدارة العقار الصناعي إدماج المتعاملين والمستثمرين وأصحاب المؤسسات في تسيير هذه المناطق وتهيئتها من خلال شراكة متوازنة وشفافة تضمن حقوق المستثمر الحقيقي في الحصول على موقع لتجسيد مشروعه وفقا للمعايير الحديثة بعيدا عن السعي إلى وساطات أو دفع مقابل أو الخضوع للمضاربة، ذلك أن الهدف الجوهري وراء كل هذا المسار إدماج كافة الطاقات والموارد الوطنية والمحلية في ديناميكية النمو. إن الرسالة التي توجّه اليوم إلى عالم المؤسسات أن العقار الصناعي المخصص للاستثمار يجب أن يصل إلى أصحابه الحقيقيين من حملة المشاريع والمستثمرين الجادين، وهو ما ينبغي أن يحرص عليه القائمون على هذا الشأن عن قناعة وتصميم لما في ذلك من أثر طيب على تحسين وتيرة النشاط الاقتصادي في مختلف المجالات التي يراهن عليها في بلوغ أهداف النمو، بحيث تتحول المناطق الصناعية إلى قواعد انطلاقة جديدة بفضل الجاذبية والتنافسية في التعامل مع الرأسمال الاستثماري المحلي والأجنبي.