أكد محمد بوعزارة في مداخلته حول البعد الثوري في شخصية هواري بومدين «إن الحالة الثورية التي كانت تميز شخصية بومدين لم تكن ترفا فكريا أوتزمتا إيديولوجيا، ولكنها كانت نابعة ومستمدة من القيم والخصوصيات التي تميز شعبنا الثائر على الظلم والاستعباد على امتداد قرون خلت. ولم تكن هذه الحالة الثورية لدى الشاب محمد بوخروبة حالة عفوية . فمسألة سفره صحبة رفيق دربه محمد الصالح شيروف مشيا على الأقدام مسافة تفوق ال4000 كيلومتر من هذه الربوع الشامخة بڤالمة نحو القاهرة كانت حالة ثورية على النفس أولا وعلى الأوضاع التي كان يعيشها هوورفاقه في تلك الفترة، وكانت تطلعا ليس فقط للحصول على العلم كما كان يفعل عدد من الطلبة الجزائريين المحرومين من التعلم في بلادهم، بل هي عملية ثورية تهدف للتغيير، وإلا فكيف نفسر تمرد الشاب محمد بوخروبة على عدم أداء الخدمة العسكرية تحت الراية الفرنسية، ثم مشاركته في مظاهرة قرب القنصلية الفرنسية بالقاهرة تضامنا مع زملائه الطلبة الذين كانوا يطالبون بحقوقهم المادية ، ولم يكن هومعنيا بذلك إنما كان ما قام به تعبيرا عن ثوريته المبكرة وكرهه للظلم والاستعمار». واصل بوعزارة: «هذه الميزة جعلت الشاب محمد بوخروبة يضيف المحاضر،»يترك مقاعد الدراسة بالأزهر في القاهرة دون تردد ويتجه لمعسكر للتدريب العسكري إلى جانب عدد من رفقائه لكي يلتحق بالثورة مبكرا وهوفي عز الشباب ويصبح في ظرف قصير قائدا للولاية الخامسة خلفا لاثنين من كبار قادة الثورة هما الشهيد الرمز العربي بن مهيدي وعبد الحفيظ بوالصوف ، ثم يتدرج ويصبح أول قائدا للأركان العامة لجيش التحرير الوطني نهاية 1959 وهوما يزال في سن ال 26 وهي حالة نادرة سواء في الجيوش العادية أوحتى في حالة الحركات الثورية» . وما يعني لبوعزارة ان» منصب قائد أركان جيش التحرير الوطني ليس المنصب بحد ذاته ،بل تمكن العقيد الشاب هواري بومدين في ظرف قياسي من وضع حد لحالة الانفلات التي كان يعاني منها جيش التحرير في تلك الفترة خاصة في الحدود الشرقية من الوطن خصوصا بعد اعتلاء ديغول الحكم منذ الأول من جوان 1958 والذي جيء به في محاولة لإنقاذ فرنسا من الانهيار أمام ضربات جيش التحرير ، حيث اعتمد الجنرال ديغول على القوة العسكرية والدعائية الضخمة لوضع حد للثورة الجزائرية خاصة في تلك الفترة العصيبة التي شهدت صراعات حادة بين بعض زعماء الثورة»، وأضاف المحاضر،»وتجمع معظم الشهادات التي قدمها رفقاء الراحل هواري بومدين بما فيها شهادات بعض مَن اختلفوا معه عندما أصبح رئيسا لمجلس الثورة والحكومة عقب حركة ال19 جوان 1965 ، ومن بينهم قائد أركان الجيش الوطني الشعبي بعد استعادة الاستقلال العقيد الطاهر الزبيري عضو مجلس الأمة حاليا على الدور الأساسي الذي لعبه العقيد بومدين في ظرف قصير من ضبط النظام داخل جيش التحرير ولجم بعض الطموحات التي كانت تهدد مستقبل الثورة». وهكذا ففي ظرف قياسي يقول بوعزارة» استطاع بومدين بفضل ثوريته وقوة شخصيته وكاريزميته أن يفرض النظام والانضباط حيث أصبحت كل القيادات العسكرية لجيش التحرير تخضع للقيادة الموحدة لهيئة الأركان التي ضمت إلى جانب العقيد بومدين الرائدين سليمان قايد أحمد وعز الدين زراري المعروف بالرائد عز الدين». ومن خلال متابعتي لتلك المرحلة وما اطلعت عليه من كتابات ومذكرات استطرد بالقول بوعزارة، «فإنه يمكن القول بأن ثورية بومدين في تسيير شؤون الدولة اقترنت بحرصه على تحقيق مجموعة من الأهداف ، أبرزها بناء الدولة وضمان الحقوق الأساسية للمواطن، وهي العمل والتعليم والوقاية الصحية، بينما كانت التعددية والديمقراطية تأتي في مرحلة لاحقة، أي أن الرئيس بومدين كان يريد التوجه لدمقرطة الحياة السياسة اعتبارا من النصف الثاني من السبعينيات ولكن الموت عاجله ولم يمهله». لقد ساند الرئيس بومدين القضية الفلسطينية ومختلف القضايا العادلة في العالم ودافع عنها دفاعا مريرا كما اضاف المحاضر، وأنه ينطلق من ثوريته الصلبة التي جُبل عليها دون أن يتخلى عن دور القائد الذي يفرض الاحترام من طرف الآخر مهما كان وجه الخلاف، لكن كل هذه الخصال الثورية والصرامة التي كان يظهر بها بومدين كزعيم دولة متميز كانت تخفي وراءها سمات وجوانب إنسانية في غاية الرقة لدى الرجل كما تحدث عنها كل من الرئيس الشاذلي بن جديد والدكتور طالب في مذكراتهما، كما أن بومدين الذي كان يظهر أمام الناس بمظهر الرجل الصارم القوي بخصوص قضايا الأمة والقضايا الدولية والإقليمية كان خجولا إلى أبعد الحدود في تعامله مع محيطه الإنساني» ويذكر لي أحد الأصدقاء من حراس الرئيس الراحل يقول الاستاد «أن بومدين كان يضع ذات رجليه في البحر في إحدى إقامات الرئاسة، وإذا به عندما جاء إليه هذا الحارس الشخصي يخبره بأن هناك من يطلبه على الهاتف يصاب بخجل وارتباك ويحمر وجهه خجلا في موقف إنساني نادر، فلقد كان بومدين ثائرا بامتياز ، وكان رجل دولة يحرص أشد الحرص على المال العام وعلى هيبة الدولة وعلى حقوق الموطن، وكان فوق كل هذا إنسانا رقيق المشاعر يطرب لآلة القصبة وهي تُخرج تلك النغمات من عازف يعرف كيف يحرك مشاعر محمد بوخروبة الإنسان» .