تتوقف جريدة «الشعب» من خلال هذا الحوار مع الدكتور مصباح مناس أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر 3، إلى الوضع الأمني بمنطقة الساحل على ضوء ما يتردّد من انضمام جحافل الإرهابيين القادمين من مناطق التوتر في سورياوالعراق إلى التنظيمات الدموية المستقرة بالمنطقة، ويعرّج الدكتور مناس على الوضع الليبي بما يميزه من غياب مؤسسات الدولة وحالة الانفلات الأمني والذي أصبح يشكّل تهديدا للجوار، ليصل إلى الدور الذي تؤديه الجزائر باقتدار لإفشال مخططات الدمويين الذين كما يقول الدكتور مناس - لا يتصرفون وفقا لعقيدة معينة،بل هناك من يحركهم خدمة لأجندات ومصالح دول كبرى واستراتيجيات معينة في المنطقة. «الشعب»: الحزام الناري الذي شكّلته التنظيمات الدموية منذ سنوات، مازال يشدّ خاصرة الساحل الإفريقي وبعض مناطق القارة السمراء كالصومال وكينيا، ما يعني أن الخطر الإرهابي مازال جاثما على صدر المنطقة، بل وينذر بتصعيد خطير، ما رأيكم؟ الدكتور مصباح مناس: بالتأكيد عندما نتكلّم عن تهديد مزال مستمرا خاصة مع وجود الحالة الليبية التي تعدّ الحالة الأخطر لسبب رئيس هو عدم وجود الدولة حتى تحارب هذه الجماعات، وأيضا هناك حالة انفلات أمني وضخ د ل«الدواعش» الذين غادروا سورياوالعراق ومن مناطق أخرى إلى الجغرافيا الليبية، وامتدادهم في منطقة الساحل للوصول إلى الجماعات الدموية الموجودة هناك من بينها جماعة «بوكوحرام «التي تقوم بعمليات إرهابية بين لحظة وأخرى في مناطق متفرقة وخاصة في نيجيريا، هذه كلها مؤشرات تظهر أن الخطر الإرهابي مازال قائما وربما سيستمر لسنوات قادمة في القارة الإفريقية ككل. بينما يتساءل كثيرون عن مصير الإرهابيين الذين غادروا العراقوسوريا بعد إنهاء مهمتهم التدميرية هناك، تشير العديد من التقارير إلى أن وجهتهم في الغالب هي إفريقيا وتحديدا الساحل، فما تعليقكم على هذه التقارير وما مدى مصداقيتها؟ هذه التقارير تحمل بعض المعلومات الصحيحة نسبيا، كما أننا عندما نقول منطقة الساحل يجب أن لا ننسى ليبيا لأن الوضع الأمثل هو الحالة الليبية في ظلّ غياب الدولة كما أنه بعد التسوية المتوقعة للملف السوري فيما يسمى بجنيف النهائية، ستطرح علامة استفهام كبرى حول وجهة «الدواعش» الذين يعدون بالآلاف والمتواجدين حاليا في إدلب السورية، هل سيتوجهون إلى ليبيا أو منطقة الساحل أو إلى مناطق أخرى حتى أن هناك من يتكلّم عن أفغانستان. وهذا يفتح قوسا آخر حول إذا ما كانت هذه الجماعات الدموية تتصرّف بمحض إرادتها أي وفقا لعقيدة معينة، أو أن هناك من يحركها خدمة لأجندات ومصالح دول كبرى واستراتيجيات معينة في المنطقة وأنا أرجّح هذه الفرضية. نتساءل دائما عندما تتواجد مثل هذه الجماعات في مناطق معينة حول ثرواتها، ومن هذا المنطلق أنا أستبعد أن تكون هذه الجماعات تتحرك وفقا لعقيدة بل هناك من يحرّك خيوط لعبة هذه الجماعات لنشر الفوضى واستدعاء الأزمات وأيضا خلق مبررات للتدخل في جغرافيات مناطق معينة مهمة سواء من الناحية الجيوسياسية، أو من ناحية امتلاكها لثروات أو لأنها جزء من مخططات أخرى لتدمير بعض الدول التي ربما تشكل تهديدا أو هي أيضا عبارة عن بؤر توتر. كيف تتصوّرون مآل الوضع الأمني في المنطقة بعد أن تتعزّز التنظيمات الدموية التقليدية، بجحافل الإرهابيين القادمين من مناطق التوتر والمسلحين بشكل جيد؟ عندما نتكلم عن المغرب العربي ربما الدولة التي تتحمّل العبء الأكبر هي الجزائر لأن لديها امتداد جغرافي كبير وحدود تربطها مع كل الدول الملتهبة تقريبا بما فيها ليبيا ومنطقة الساحل بكل دولها، يضاف إليها مناطق أخرى وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدلّ على أن الجزائر هي من تتحمّل العبء، وهي كما يقال لا خيار أمامها إلا مواجهة هذه المخططات. وفي اعتقادي، أن الدولة الجزائرية والمؤسسة العسكرية بالذات، اتخذت احتياطات كبيرة تحسبا لمواجهة هكذا خطر من خلال تأمين الحدود بكل الإمكانيات وهكذا تحقّق بنسبة كبيرة، لكن هذا لا يعني أن الخطر الموجود في المحيط قد ينتهي خاصة في ظلّ وجود أطراف تحرّك هذه الجماعات كما قلنا، أي أن هناك دولا بعينها مستهدفة والدولة التي لديها إمكانيات وقادرة على المواجهة وبنسبة كبيرة هي الجزائر، لكن دول الساحل أكثريتها ليست قادرة على مثل هذا التحدي وفي نهاية المطاف نجد أن الجزائر تتحمل العبء الأكبر لمواجهة هذه الجماعات. وعلى العموم، يمكن القول إن المرحلة خطيرة وصعبة على كل دول المنطقة، خاصة أن الخطر أصبح يداهم الجميع وهذا يتطلّب عملا أحاديا من طرف الجزائر وعملا إقليميا بالتنسيق مع الدول التي يتهدّدها هذا الخطر سواء في إطار اتحاد المغرب العربي أو الاتحاد الإفريقي وفي الإطار الدولي ككل. أمام الخطر الذي سكن حديقتها الخلفية، تبدو الجزائر عازمة على حماية أمنها والتصدي لكل محاولات اختراق الدمويين لحدودها تحت غطاء المهاجرين أو اللاجئين، فكيف تقيّمون هذه المهمة وكيف السبيل إلى إنجاحها؟ الجزائر كما سبق وذكرت أخذت احتياطاتها وهي تدرك جيدا أن هناك عديد الأغطية التي تتغطى بها هذه الجماعات، لذلك هي حريصة ومتيقظة لكل هذه المخططات، وهناك عمل أمني كبير جدا يرافقه عمل توعوي سواء في الحدود أو في مناطق أخرى لمواجهة هذا الخطر ولا ننسى هنا أن نفتح قوسا للتذكير، بأن الجزائر سبق وأن عانت من هذه الظاهرة في التسعينات وبالتالي تجربة مكافحتها لا تنقصها. الفرق الآن هو في الثورة المعلوماتية الكبيرة ووسائل الاتصال الحديثة والمتطوّرة التي أصبحت في خدمة هذه الجماعات الإرهابية، مما يعقد المشهد وإجراءات مواجهاتها، ولكن مع ذلك أعتقد أن على الجزائر رفع التحدي وإفشال كل هذه المخططات بما تمتلكه من خبرة كبيرة وأيضا بما اتخذته من احتياطات أمنية عسكرية واجتماعية في كل الأبعاد للتصدي لكل هذه المخططات التي تهدف لضرب استقرار الإقليم ككل. هناك من ينظّم تحركات الإرهابيين لنشر الفوضى تنقل الإرهابيين تحت غطاء المهاجرين واللاجئين على حدودنا الجنوبية، يذكرنا بتنقلهم إلى سوريا عبر بوابة تركيا، ما يؤكد أن جهات معينة هي من تشرف على تغيير مواقعهم ضمن أجندات تدميرية محدّدة، ما قولكم؟ كما قلت منذ البداية، أنا أرجّح فرضية وجود أطراف تحرّك هذه الجماعات التي لا تتحرّك من فراغ، خاصة إذا أخذنا تطوّر وسائل الاتصال لديها، وأيضا من خلال ما حصل سواء في سوريا أو في نقاط كثيرة وصلت التقارير الأمنية لهذه الدول التي مرّت بتجربة مريرة إلى نتيجة أساسية وهي أن هناك أطرافا سواء إقليمية أو دولية هي من تحرّك هذه الجماعات، وعليه فإن الجزائر لا تتفاجأ بأن خطورة هذا الملف هو وجود أطراف وراء تحرّك هذه الجماعات إقليميا أو على المستوى الدولي. لا شك أن تعثر حل الأزمة الليبية، يفتح أبواب جهنم على المنطقة، فالفوضى الأمنية وانتشار السلاح وغياب سلطة الدولة يفتح المجال أمام الدمويين ليستقطبوا جموع الدمويين القادمين من بلاد الشام والرافدين ويكوّنوا بؤرة توتر أخرى، ما تعليقكم؟ منذ بداية الأزمة الليبية، كان هناك توقعات باستمرارها لسنوات هذا من ناحية، من ناحية أخرى كما سبق وذكرت، ليبيا وضعها أخطر نظرا لغياب مؤسسات الدولة، بالإضافة إلى أنها تعاني من حالة انفلات ووجود مليشيات وداعش وعناصر كثيرة تعرقل المشهد، وتسهل انتشار التطرّف والإجرام، وكل الظواهر الخطيرة تشكل تهديدا على دول الجوار ولذلك حذّرت الجزائر مند البداية من الحلول العسكرية للأزمة الليبية التي قد تكون لها نتائج وخيمة، خاصة أن الدول التي أشرفت على إسقاط النظام الليبي باستعمال حلف الناتو لم تكمّل مهمتها في إعادة بناء الدولة الليبية والتأسيس لمرحلة جديدة بنظام قوي لديه ذراع عسكري وأمني وأيضا سياسي يستطيع أن يقود البلاد إلى بر الأمان، وهو ما يطرح علامة استفهام عن الدول التي أسقطت الدولة الليبية وما إذا كانت تعمّدت إبقاءها في حالة الفوضى هذه أو ما يسمى بالفوضى الخلاقة من أجل خلق بؤرة توتر جديدة ترهق كل دول الجوار. انحسار الظاهرة الإرهابية سيكون مع قيام نظام متعدّد الأقطاب كثر الحديث في الأشهر الماضية عن مجموعة (الساحل 5)، لكن على أرض الواقع لا يبدوا لها أي ّأثر، فهل فعلا بإمكان الأفارقة أن يواجهوا بأنفسهم الخطر الإرهابي؟ نسبة كبيرة من الدول الإفريقية لا تحمل المقومات الأمنية والتقنية والعسكرية لمواجهة هذا الخطر لوحدها، هناك الكثير من الدول الفاشلة والضعيفة، وهذا الوضع يتطلّب خلق آليات لمساعدة هذه الدول على أن تنجح في هذه المهمة والقضاء على هذه الظاهرة، لكن ما يُعقّد هذا المشهد، أن هناك من يحركها وبالتالي لو كانت تتحرّك وفقا لأجندة خاصة كان يسهل القضاء عليها وإنهائها، ومدام هناك من يحرّكها فهذا يعني أن هذا الأمر سيستمر إلى فترة أتوقعها قد تصل إلى عام 2025، لماذا؟ لأن الخبراء يعتقدون أن هذا التاريخ هو تاريخ التحوّل في العلاقات الدولية إلى نظام دولي جديد وهو نظام تعدّد الأقطاب، هذا النظام الذي ربما سيغير الوضع وسيخرجنا من الحرب على الإرهاب إلى صراعات أخرى بين هذه الأقطاب المرشحة لقيادة النظام الدولي الجديد. التنمية وسيلة لاجتثاث العنف والتطرّف في كلمة أخيرة، كيف يمكن للساحل والمنطقة عموما درء الخطر الإرهابي؟ الآليات الجماعية للتنسيق كثيرة سواء في إطار الاتحاد الإفريقي والمبادرات الأمنية التي تقودها الجزائر فيما يتعلّق بدول الميدان، هناك مبادرات جدية في إطار الاتحاد الإفريقي من بينها أيضا خلق نوع من التنمية والقضاء على الفقر الذي هو آفة الآفات، وبالتالي مساعدة الدول الإفريقية التي تعاني من هذه الظاهرة على التنمية لاجتثاث الظواهر التي تتولّد على الفقر ومنها ظاهرة التطرّف. لذلك، أعتقد أن درء خطر الإرهاب معادلة معقّدة تتطلّب مجهودا جماعيا، بل ودوليا وإن كنا نحن نعرف أن الدول الكبرى لا تتحرّك إلا عندما يصبح هذا الأمر يتهدّدها وفي حال لم يكن كذلك تترك الدول الأضعف تعاني لوحدها وهذا ما يحدث منذ تاريخ طويل.