هي نجمة من النجمات اللواتي تحدين الصعاب وترقبن الأمل في النجاح والتألق عند كل موعد، مارست الغناء وكتبت الشعر الفصيح والملحون منذ نعومة أظافرها، تقمّصت عدّة أدوار ضمن أفلام كوميدية واجتماعية وتربوية، ألّفت نصّ مونولوغ وألقته على الجمهور فأبهرت متتبعيها ولا تزال تتحيّن فرص التقاط مواقف فنية تفجّر من خلالها مواهبها التي لا تنتهي. هي هكذا أنيسة ذويفي، عاشت يتيمة وبائسة بفعل تكفل جدتها بها منذ بلوغها العامين من عمرها عقب طلاق أمها من أبيها واختيار كل منهما لحياته الخاصة بعيدا عن بكاء أنيسة وابتسامتها، فساقها القدر إلى الانخراط ضمن صفوف الكشافة منذ السنّ الخامسة ولفترة 5 سنوات قبل أن تلتحق بجمعية دار الغرناطية بالقليعة لفترة 5 سنوات أخرى، فتعلّمّت مبادئ الموسيقى والغناء الهادئ بالتوازي مع ممارسة الرياضة بصفة منتظمة بأحد الفضاءات المجاورة. اكتشفت أنيسة أنّ جدتها الحنونة لم تكن أمها الحقيقية في السنّ العاشرة من باب الصدفة فأثّر ذلك كثيرا على نفسيتها وشرعت حينذاك ومنذ تلك اللحظة التاريخية في كتابة أولى قصائدها والتي كان مطلعها: «أيتها الحزينة عيناك نابضتان ونبضات قلبك حزينة». فقامت بعرضها على معلمها الذي لم يصدق بأنّها من كلمات أنيسة بالنظر إلى تجانسها وقوة وزنها، ما شجّعها على مواصلة كتابة الشعر. وتوالت المصائب على أنيسة بفعل مغادرتها لمقاعد الدراسة مع نهاية المرحلة الابتدائية وولوجها بيت الزوجية في سن الخامس عشر، بترغيب من جدتها، إلا أنّ عدم توافق ثقافتها الراقية ومستواها الفكري الكبير مع زوجها حينذاك عجّل بطلاقها منه في سنّ التاسعة عشر. وعانت بعدها في صمت لأكثر من عقد من الزمن في ظروف اجتماعية قاهرة، الأمر الذي ترك آثار عميقة داخل قلبها وهي الأزمات التي أسهمت فعلا في ميلاد الهمة وبروز أشكال متعدّدة من المواهب لدى أنيسة المرحة والحنونة. وأضحت أنيسة توفّر للفن الجزائري أكثر مما تستفيد منه بالرغم من كونها تقتات منه وتوفر السعادة لنفسها بمعية ابنها سيد علي مما تقبضه من تقمصها لأدوار مختلفة في عدة أعمال فنية، إضافة إلى ممارستها لبعض مواهبها الحرفية المرتبطة بالحلاقة والطرز. ولأنّ أنيسة كانت من المولعين بالمسلسلات التي تعرض على القناة الوطنية وبحكم تواصلها مع المجتمع من خلال الأعراس والحفلات العامة فقد أهّلها هذا الواقع، لأن تشارك بالعديد من الأعمال الفنية على غرار ملحمة ثورية لفرقة مسرحية من البليدة ومسلسل دار البهجة للمخرج جعفر قاسم وفيلم الوجه الآخر الذي تمّ تصويره العام المنصرم دون أن يتمّ بثه إلى حدّ الساعة لأسباب مجهولة، إضافة إلى المساهمة بشكل مباشر بعدّة أعمال فكاهية ودرامية من بينها تلك التي بثتها قناة الشروق خلال العام المنصرم، والأهم من ذلك كلّه إقدام الفنانة أنيسة على كتابة نصّ مونولوغ بعنوان العنوسة عالجت من خلاله قضية العنوسة من جذورها وبعثت من خلاله رسالة أمل لكل إمرأة عانسة لم يكتب لها الحظ في الارتباط في سنّ مبكرة، وهو العمل الذي شهد له الأعداء قبل الأصدقاء بالتألق والابداع وذلك عقب عرضه من طرفها بدار الثقافة الدكتور أحمد عروة بالقليعة، بالنظر إلى جمع أنيسة بين كتابة النص والديكور والموسيقى والتمثيل، مع أنّ أنيسة لم تلج أقدامها أيّ معهد للتكوين في الفنون الدرامية أو المسرحية، ما يترجم قدرتها الفائقة على التأقلم مع واقع الفن بطريقة عصامية وذاتية تخفي وراءها منبعا لا ينضب من المواهب والثقافة الراقية. ولم تتوقف أنيسة عند أدوار التمثيل بالأفلام كما بالمسرح، ولكنها أقحمت نفسها بجدارة واستحقاق ضمن قوائم الشعراء الجزائريين باللونين الفصيح والملحون أو الشعبي وهي تحتفظ بجعبتها حاليا بديواني شعر بكلا اللونين (الهواء الدافئ والأمواج الصامتة) وتتحيّن فرص نشرهما بالطريقة التي تجعلها تتلذّذ بقطف منتوجها المقدّس لاسيما وأنّها أضحت تترك وراءها فراغا رهيبا يحسب له ألف حساب حين تغيب عن الملتقيات الشعرية بدار الثقافة للقليعة، حسب ما علمناه من بعض المتردّدين على الدار، كما تتقن 5 لغات مختلفة، إضافة إلى اللهجات العربية المختلفة وتمارس فنّ الخياطة والطرز والحلاقة النسوية بطريقة ملفتة للانتباه ما جلب لها كما كبيرا من طلبات الخدمة التي غيّرت ولو نسبيا من المستوى المعيشي لأنيسة التي أضحت تشكّل ظاهرة يصعب تفسيرها لاسيما حينما يتعلق الأمر بمحيطها ومعارفها.