يشكل الممثل فتحي كافي، حلقة قوية في سلسلة الأعمال المسرحية الجديدة المنتجة عبر المسارح الجهوية أو الخشبة الوطنية، خريج معهد برج الكيفان للفنون الدرامية، صاحب لسان متصالح مع اللغة العربية، وهو ما برهن عليه في مسرحية “المرآة" لمسرح معسكر الجهوي. التقته “الجزائر نيوز" على هامش المهرجان المحترف بالعاصمة، سألناه عن مونولوغ “عزيز طرازان" للمخرج قادة شلبي، وخلفية شخصية “طاهر أرقاز" الأمازيغي. كافي قال إنه مناضل من أجل القضية الأمازيغية في تيارت. أريد العودة معك إلى شخصية “الطاهر أرقاز" في المونولوغ الأخير الذي كتبت نصه وأديته بعنوان “عزيزي طرازان"، ثمة من استغرب إظهارك لشخصية القبائلي في صورته النمطية دائما، وهي الرجل السكير الفاقد لتوازنه؟ لا أعرف إن كنت تابعت مجمل العرض أم اكتفيت بهذا المشهد فقط، إلا أنني أستغرب أن يتوقف الحكم على هذه الشخصية من هذا الباب فقط، مع أنها -في رأيي نظرة- ضيقة لما أردت إيصاله من رسائل وفكرة للجمهور. سؤالك يعطيني فرصة لتوضيح اللُّبس، إن حدث فعلا، بين بعض المتفرجين، وهي أني أولا أسميت شخصيتي ب “الطاهر أرقاز" بكل ما يحمل الاسم من دلالة، سواء من الطهر والصفاء وصولا إلى شيمة الرجولة والمروءة التي تعنيها كلمة “أرقاز" باللغة الأمازيغية. ليس حكما مسبقا ولا قيميا كما تعتقد بل مجرد نقل بعض ردود الفعل هناك في مهرجان مسرح الهواة بمستغانم الشهر الفائت؟ شخصيا، لم تصلني أي ردود، وقد سبق أن قدمت المونولوغ في مدن عدة كانت فيها نسبة الأمازيغ أكبر بكثير من مستغانم، ونلت رضى الجميع ولم يتذمر أحد. ومع هذا أريد القول إنه من خلال “طاهر أرقاز" أردت تكريم الرجل القبائلي أو الأمازيغي الأصيل، وهو كناية على رجل عاش في مديني تيارت، وكان شخصا مميزا، الكل يشهد له بمواقفه وصفاته. ومع ذلك أرى أن ملاحظتك في محلها، لأنها مرتبطة بانشغال بعض الزملاء الذين نصحوني في بداية العمل تجنب الإشارة إلى هذه الشخصية، وإمكانية قراءة مدلولها قراءة سيئة. إلا أني أثناء الكتابة لم أترك شيئا يمر دون مبرر، بما فيه “طاهر أرقاز"، فأنا من منطقة يشكل فيها القبائليون أو الأمازيغ أقلية، إلا أنهم عاشوا وسطنا بسهولة ودون مشاعر الاختلاف، أصلا هم جزائريون حافظوا على البعد الأمازيغي في هويتهم. متأثر أنت إذن بتواجد العنصر الأمازيغي في حياتك؟ لست غريبا على الأمر، في 2003 بمناسبة تظاهرة الجزائر في فرنسا، كانت لي الفرصة لأداء مقاطع الشاعر الحكيم لونيس آيت منڤلات، فرحت أحفظ قصائده عن ظهر مع أني لا أجيد اللغة الأمازيغية. فأنا أشعر دائما أنني مناضل القضية الأمازيغية، كنت من أشد المتحمسين للدفاع عنها أيام الجامعة والدراسة. إلى أين وصل نضالك في هذا المجال؟ أناضل من أجل إقامة مسرح أمازيغي في تيارت التي تنتظر مسرحها الجهوي منذ عشر سنوات ولا تر شيئا في الأفق، وأنا ضد حصر الأمازيغية بين بجاية وتيزي وزو، أصلا في كل منطقة في بلادنا تعثرين على آثار تؤكد انتمائنا إلى هذه الثقافة. أتذكر طفولتي ونحن نحتفل برأس السنة الأمازيغية “يناير"، اليوم تخليت عن العادة، للأسف، فثمة أناس سيّسوا كل شيء... لهذا عندما ضمنت المونولوغ هذا البعد، أحببت ألا يتوقف المتلقي عند حدود الظاهر، لأن المسرح فكرة وتفكير، وعلينا جميعا أن نتعمق في قراءة أي نص حتى نتجنب الأحكام المسبقة. ماذا يحمل فتحي الفنان من مدينته تيارت؟ أنا من السوقر تحديدا، قرية فلاحية كانت ممر البدو الرحل بثقافتهم القبلية التي خلفوها وراءهم، وتأثرنا جميعا بها، بما فيهم أنا، خاصة في الشعر الملحون. فتيارت بكل نواحيها خزان للخيال، هناك الحلقة والقوالين والمداحين في سوق السبت، ما أزال أسترجع صورهم لحظة بلحظة. واليوم ماذا بقي من تلك الصور؟ لم تعد تيارت تشبه وجهها الجميل في الثمانينيات وقبلها. بعد التسعينيات فقدت المدينة مميزاتها الحضرية والثقافية للأسف، فالآن ثمة أجيال لا يتذوقون الحياة والثقافة، في السابق كنا نملك قاعتين للسينما، وكانت إحداها “فوكس" يتردد عليها التيارتيون بكثرة، وكانت تخصص عروض للنساء فقط، أما اليوم فبالكاد استرجعنا ملحقة السينماتيك، حيث أشتغل منذ خمسة أعوام. بمن يقتدي فتحي في مساره الفني؟ كثيرون ربما أعجبت بأدائهم وفنهم المسرحي، فقد مر وقت أمنا برجال سرعان ما تغيروا بمجرد تقلدهم منصب ما. بصراحة، أؤمن أنه لا يجب أن نبهر باسم على قيد الحياة، فهو مؤهل ليخيب ظنك في أي لحظة، لهذا فالميت أولى بالاقتداء والائتمان. أعتقد أن الرمز الذي لا خلاف عليه هو شهيد الفن علي معاشي، ابن تيارت، الذي أعطى شبابه من أجل الوطن. وأمام ذكرى هذا الرجل أشعر بالخجل، وأرى نفسي صغيرا أمام عزيمته التحريرية. أنا معجب أيضا بشي غيفارا والشيخ إمام وأحب الممثل الجزائري الراحل حسن الحسني. ماذا بعد تجربة كتابة مونولوغ “عزيز طرازان"؟ أشعر أن التجربة فتحت شهيتي لتجريب نصوص أخرى، فأنا أشعر فعلا أن هناك أزمة نص في المسرح الجزائري، وأن من يكتبون للخشبة حاليا هم روائيون أو شعراء، وهذا قد لا يخدم الكتابة الدرامية تحديدا بكل ما تلزم صاحبها احترام خصائص الفن الرابع. ليس لدينا كتّاب مثل ترسانة المؤلفين للمسرح في مصر مثلا... لدينا كاتب ياسين وعبد القادر علولة وعبد الرحمن كاكي...؟ شخصيا، لا أصنف كاتب ياسين ككاتب دراماتورجي، فهو بالدرجة الأولى شاعر، وأعماله فكرية أكثر منها فنية.. أطمح في كتابة سيناريوهات للتلفزيون، أرى أن تجربة الاقتباس من الرواية مفيدة لنا، وبعد محاولة مراد سنوسي في “امراة من ورق" لواسيني الأعرج، الذي أقرأ له كل أعماله، اقترحت على المؤلف، مؤخرا، الاشتغال على نصه “رمل الماية" وقد أبدى قبولا وترحيبا بزاوية الطرح التي أريد تناولها مسرحيا.