تقدم المنظومة الاقتصادية الوطنية مؤشرات جعلت جميع الخبراء والمؤسسات المختصة بما فيها صندوق النقد الدولي والبنك العالمي يجمعون على أن الاقتصاد الجزائري لا يزال خارج إطار دوامة الأزمة المالية الدولية التي هزت بداية هذا الخريف أركان النموذج الراهن للنظام الرأسمالي الذي يؤطر الاقتصاد العالمي والقائم على المضاربة والمتاجرة بالديون. وبالطبع للجزائر في ظل حالة الذعر التي تنتاب المستثمرين عبر العالم جملة من الأوراق الايجابية التي ترشحها لان تكون قبلة للرساميل التي لم تلتهمها بعد تلك الأزمة التي إن طالت في المدى الزمني ألقت لا محالة بظلالها على جميع اقتصاديات الدول بما فيها الناجية إلى حد الآن. ومن تلك الأوراق التي تتطلب الحيطة في توظيفها تراكم السيولة المالية للاحتياطي المالي إلى مستوى يبعث الاطمئنان ويبعد هاجس الخوف من ندرة السيولة وكذا السيطرة على العناصر التي تضمن ديمومة مسار النمو مثل التحكم في التضخم الاستقرار النسبي لأسعار صرف العملة الوطنية والتريث في خوصصة البنوك والتراجع الكبير لحجم المديونية إلى مستوى كان الى وقت قريب بمثابة حلم لا يتحقق... لكن ما ينبغي تفاديه في مثل هذا الظرف الدولي المتقلب هو خطر الوقوع في شراك الإفراط في الثقة في النفس ومن ثمة إطلاق اليد للتصرف في احتياطي الصرف من السيولة الموفرة بالعملة الصعبة يمينا وشمالا تحت شعار الاستثمار الذي يتطلب اليوم أكثر من أي وقت مضى وبالذات في الشق العمومي منه تاطيره بما يلزم من الضمانات بما يقطع الطريق أمام منتهزي الفرص الذين يجيدون استغلال الأزمات. إن الاستقرار الاقتصادي الكلي الذي بلغته البلاد جاء نتيجة انتهاج مسار صارم تميز بالتقشف والضغط على الجانب الاجتماعي منذ مطلع التسعينات وبفاتورة بدأت تعطي ثمارها مع السنوات الأولى للعشرية الأخيرة من خلال برامج استثمارية عمومية شملت قطاعات البنية التحتية والهياكل القاعدية التي تهيئ الشروط المادية للتنمية المستدامة التي تضع الإنسان في صلبها كغاية لا تحدها آجال أو معوقات مهما كان حجمها وهنا تتعاظم مسؤولية البنوك تحت رقابة بنك الجزائر في تسليط أضواء الرقابة على تسيير القروض الاستثمارية من جهة وعلى الدوائر القطاعية المختلفة أيضا في كبح جماح الاستيراد الذي أطلق له العنان وحان وقت كبح جماحه وفقا لقاعدة لا إفراط ولا تفريط. ------------------------------------------------------------------------