شكلت الندوة الدولية رفيعة المستوى حول الشراكة لمكافحة الإرهاب والتنمية في منطقة ساحل الصحراء التي اختتمت أول أمس الخميس بقصر الأمم انطلاقة مشجعة وجادة للدفع بالمنظومة الدولية إلى إجماع واضح وشفاف للتصدي لظاهرة تنامي الجماعات الإرهابية التي تستثمر في غياب نظام دولي عادل ومنصف وتلعب على حبال الخلافات الدولية الناجمة عن مسار الأحادية القطبية التي أخلطت أوراق المجتمع الدولي نتيجة تخلي القوى الكبرى عن التزامها بحماية الأمن والسلم الدوليين ورسم خارطة طريق لاستراتيجيات غامضة دون إشراك الدول الناشئة واصطدام التوجه الأحادي لتلك القوى بعنصر السيادة الوطنية للدول الحديثة. المقاربة الجزائرية للتعاطي مع إشكالية تكريس الأمن والتنمية في منطقة الساحل التي عششت فيها جماعات إرهابية وعصابات الجريمة المنظمة العابرة للحدود وجدت تجاوبا عكسته تصريحات أطراف فاعلة في القرار الدولي وينبغي ان تترجم تلك القناعة إلى أعمال ملموسة من خلال التجاوب مع الاحتياجات الفنية والتقنية لدول الميدان المعنية مباشرة بمواجهة الظاهرة وضخ موارد مالية معتبرة تخصص لمشاريع تنموية جواريه موجهة للسكان المحليين في المنطقة. وفي هذا السياق دعا البيان الختامي للندوة التي حضرها ثمانية وثلاثون وفدا إلى جانب البلدان الأربعة للميدان الجزائر ومالي والنيجر وموريتانيا المعنية بساحل الصحراء بالقارة الإفريقية وكذا ممثلون لدول مجلس الأمن الدولي والشركاء من خارج المنطقة منهم الاتحاد الأوروبي إلى عمل مشترك في التصدي للإرهاب بكافة أشكاله مع ترقية وتحسين المستوى المعيشي للسكان المحليين خاصة في المناطق المحرومة والفقيرة، وطالبت الندوة أن تكون الشراكة والتعاون وفقا لاحتياجات دول الإقليم وطبقا لما حددته بنفسها كونها أدرى بالأمر على الأرض، كما خصص اهتمام لمسالة تجفيف منابع ومن جانبه أعلن الوزير المنتدب للشؤون المغاربية والإفريقية السيد عبد القادر مساهل في جلسة الاختتام لندوة الجزائر عن عقد اجتماع دولي حول الإرهاب في غضون ستة أشهر بأحد بلدان الميدان للمنطقة وذلك بهدف جعل الديناميكية التي أنتجتها ندوة الجزائر عملا مستمرا مع توقعه بالتوصل عندها إلى نتائج خاصة وان بلدان الميدان أظهرت للشركاء قدرتها نظرة مشتركة خاصة حول الربط بين الأمن والتنمية وأضاف أن الإرهاب وتهديداته يؤكد قناعة أن لا منطقة في منأى ومن ثمة الشراكة المدعمة والمفهومة يمكنها أن تساعد على القضاء عليه، ونفس القناعة دوليا للتصدي للجريمة المنظمة التي ينبغي أن تكافح أيضا بلا هوادة أحاديا ودوليا في إطار الأممالمتحدة من خلال إستراتيجية عالمية وهي نفس القناعة لمكافحة الفقر وإزالته باعتباره خطرا امنيا على السكان والبلدان. ندوة الجزائر التي تؤسس لانطلاقة سليمة بهذا الخصوص منحت للشركاء من خارج الإقليم فرصة لمس حقائق عن إستراتيجية عملية لدول الميدان ورؤيتها الموحدة في الموضوع المتمثل في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة والفقر والتهميش بالإضافة إلى تأكيد العلاقة الجدلية بين الأمن والتنمية، وهما محوران متلازمان لا يصح الواحد دون الآخر وهو طرح ترتكز عليه المقاربة الجزائرية ويجد مشاطرة من الشركاء. وهذه المقاربة ليست وليدة تصورات نظرية أو استشرافية فيها ارتجال وإنما ناتجة عن تراكم تجربة مريرة كابدتها الجزائر طيلة أكثر من عشرية في مواجهة هجمة إرهابية مدعومة لوجستيكيا وماليا وإعلاميا ودبلوماسيا من عواصم وأوساط رفضت في البداية الإصغاء للحقيقة وهي أن الإرهاب تهديد عابر للحدود وينقلب على الساكتين عنه أو داعميه وهذا ما تأكد بعدها ليستفيق العالم على هول الظاهرة التي تضرب في كل الاتجاهات ما يستوقف المنظومة الدولية عند مسؤوليتها في حفظ الأمن والسلم الدوليين والدفع بالتنمية العادلة والشفافة إلى حقيقة ملموسة على الأرض بما يتطابق مع البلدان المعنية دونما أي تهديد للاستقرار أو زعزعة غير مسؤولة للدول ما يوفر مناخا للظاهرة التي تهدد الجميع. وما يجري في ليبيا من تطورات سريعة على الأرض خاصة تنقل الأسلحة الثقيلة ووقوعها بين أيدي أفراد وتنظيمات في غياب سلطة مركزية مسؤولة محليا وإقليميا يؤشر للخطر ويضع المجموعة الدولية أمام مسؤوليتها لكبح الانزلاق وقد أكدت دول أخرى مثل النيجر إلى حقيقة الخطر ومن ثمة مسؤولية السلطة الفعلية هناك ومسؤولية الحلف الأطلسي ما يستوجب موقفا جماعيا يوقفه ويدفع إلى تقويم المسار في بلد لا يعقل أن يترك عرضة لمغامرة توجه غامض. سعيد بن عياد