من السّهل سرد عيوب الغير وتناولها بالتّحليل والتّفصيل، لكن من الصّعب جدًّا قبول أنّ عيبا ما يشيننا، كالجمل لا يرى إلّا حدبة غيره. كثيرة هي الصّفات الذّميمة والسّلوكيات المُشينة الّتي لصقت بأفراد مجتمعنا في الآونة الأخيرة، سواء تعلّق الأمر بالجانب الاجتماعي (تعامل النّاس فيما بينهم) أو الجانب النّفسي الشّخصي، فصعُب إلى حدّ بعيد الحفاظ على المبادئ و المُثل السّامية في التّعامل مع الغير وكذا الأخلاق وصفاء السّريرة، كيف لا وطغيان العادات الشّريرة وسوء الظن والكذب والغشّ والخداع والاحتيال وعبادة المادّة، وغيرها من الأدواء النّفسيّة المُستعصية منتشرة عند غالبيّة النّاس وفي كلّ مكان حتىّ غدت النّفس الزّكيّة كالنّقطة البيضاء في الثّور الأسود. وهاهنا أريد أن أركّز في هذه الأسطر على ميول مرضي خطير انتشر كالنّار في الهشيم لدى غالبيّة أفراد المجتمع وهو تقديس الأموال، نعم المال، الذي تحوّل والعياذ بالله إلى معبود، حيث يسعى الجميع لكسبه وتحصيل مزيد منه وبكلّ الطّرق المُمكنة، وبأقصى الجهود ومنتهى الحرص ظنّاً منهم أنّ السّعادة وهناء العيش إنّما يكون عند حيازة الملايير منه والتّقلب فيما يُقتنى به من شقق وفيلات، وعقارات وسيارات، وسهرات وسفر وغيرها من المُتع والملذّات، وحينما بلغ الحال بنا إلى اعتماد هذا الهوس بالمال والحرص على حيازته وبكلّ الطرق لاسيما غير المشروعة ثقافة، اضمحلّت قيمنا وتبدّدت الثّقة بيننا وقست القلوب على بعضها البعض، واحتال كلّ أحد على الآخر ولو كان ذا قربى، وهجر الأخ أخاه من أجل المال وتخلّص الابن من الوالد حتّى يبيع بيته ويقبض ثمنه، وفرّ المُؤتمن على خزينة الشّركة بمحتواها إلى الخارج، ونصب المسؤول على الموظّف والتّاجر على زبونه والطبيب على مريضه والأستاذ على تلميذه والزّوجة على زوجها..المهمّ الغنى الفاحش والمظاهر ولو على حساب الأخلاق وصفاء السّرائر. لأجل هذا وجب علينا جميعًا أن نُمعن النّظر بجد، وفي عجالة في حالنا لمداواة هذا الدّاء العضال ومراجعة أنفسنا، والحرص على تدارك الوضع قبل أن يُقال لنا: «تتنحاو ڤاااع».