ثمّن وفد صندوق النقد الدولي الأداءات المالية بالجزائر.. خلال سنة 2011، بناءا على دراسة عميقة وتحليل دقيق للمؤشرات الاقتصادية المسجلة في قطاعات حيوية واصفا ذلك، بأن نجاعة الاقتصاد الكلي في الجزائر تبقى قوية في سنة 2011”. وهذا الإعتراف لم يأت من فراغ، بل هو نتاج سياسة اقتصادية صارمة، راعت فيها السلطات العمومية كل المقاييس المعمول بها في نطاق الالتزامات تجاه المؤسسات المالية الدولية، في إطار التكيف مع المنظومة المصرفية العالمية، وفي هذا الشأن لم تصدر البعثة التي أقامت بالجزائر من 13 أكتوبر الى غاية 26 منه أي تحفظ إزاء الحرص الذي تبديه الجزائر في مجال الإحاطة القوية بالنظام المالي للبنك المركزي في حين هناك تحفظات حيال توجهات أخرى ما هي في حقيقة الأمر سوى توصيات عملية لتجاوزها في المراحل القادمة. وضمن هذا الإطار، فإن هناك ثلاث ملاحظات عمل الوفد “الأفامي” على إثارتها، ليست بأحكام مسبقة تجاه مسعى اقتصادي شامل، وإنما عبارة عن دعوات ملحة، قد تعمل السلطات العمومية مستقبلا على تفاديها رويدا رويدا، حتى وإن كان الأمر يمتاز بالصعوبة، نظرا لإعتبارات موضوعية وقل حتى ظرفية ناجمة عن السياقات ذات التوجهات الاجتماعية، التي لا يمكن التخلص منها بهذه السهولة المرجوة، بل تتطلب المزيد من الوقت للشروع في “معالجتها”، كونها تصب ضمن السياسات الاجتماعية، التي توليها الجزائر، كل العناية اللازمة، لأنها جزء لا يتجزأ من الإطار العام لخيارات البلد على أكثر من صعيد، لذلك فإن ما قامت به البعثة هو تسجيلها لنقاط تقنية بحتة يمكن التحكم فيها في الآفاق القادمة وهذا على ضوء إقدام السلطات العمومية على تصحيح تلك المسارات عندما يحين السياق اللازم، والقضية ليست مرتبطة بتاتا بتعهدات معينة، بل هي مجرد إشارات، تدرك الجهات المعنية أبعادها على ثقل الميزانية السنوية. وفي هذا الصدد، فإن مسؤولي صندوق النقد الدولي أشادوا بالفعالية في الاقتصاد الكلي الجزائري سنة 2011، لكنهم أوردوا ثلاثة أراء وهي عقلنة وترشيد النفقات العمومية وتنويع عمل الاقتصاد وتحسين المناخ العام للأعمال، ونشير هنا الى أن هذه “الأفكار” ليست جديدة علينا، بل أن هناك علم بها من التقرير الظرفي الصادر عن بنك الجزائر، خاصة ما تعلق بجانب »النفقات العمومية” في هذا الفصل.. فإن ما لم يستطع مسؤولو “الأفامي” فهمه بصورة قطعية وفصلية هو أنهم يتجاهلون الورشات الكبرى المفتوحة في الجزائر منها الميترو والطريق السريع شرق غرب، التراموي، المليون سكن، مليونا منصب شغل، السدود، الفلاحة، وغيرها من القطاعات الاستراتيجية التي تتطلب نفقات كبيرة جدا، حتى تستكمل في الآجال المحددة لها وتتوّج بالقيمة الاستعمالية لها، وهذه الورشات سجلت نموا ملموسا في نسبها، والأرقام موجودة لدى كل هذه الوزارات صاحبة هذه المشاريع. ويكفي فقط العودة الى كل تلك الأعداد والنسب والمبالغ الموجودة بالميزانية ليتم التأكد من هذا التوجه القائم على تمويل المشاريع الكبرى، المنضوية تحت عنوان الوزرات الوصية ولا يجب أن يبدي مسؤولو “الأفامي” اندهاشهم واستغرابهم من الإعتمادات المالية المخصصة للبرامج التنموية المسطرة، هذا يدخل في إطار خيارات حيوية للبلد، التي استدركت تأخرا مهولا منذ الثمانينيات وبخاصة مع انهيار سعر النفط الى ما بين 7 و 8 دولارات، لابد أن يعي وفد “الأفامي” هذه التحديات الكبرى لأن الأمر لا يتعلق بتقييم أداء إقتصادي معين، بل يجب أن ننظر الى ما بعد أو ما وراء هذه المؤشرات، فقد عرفت الجزائر منذ سنة 2000 نقلة نوعية في محاور التنمية الوطنية، كل المشاريع التي كانت متوقفة جرى بعثها من جديد، وتقرر أن يتم العمل على توقيف التدهور الحاصل في الاقتصاد الجزائري بشكل نهائي، وتغيير الوجهة نحو سياسة اقتصادية تعتمد على التنمية الشاملة. فالنفقات العمومية تصرف في مشاريع تنموية فقط ولا تستعمل في استهلاك الكماليات، والأشياء، التي لا تعود بالفائدة على المجموعة الوطنية، وإن كان هناك هامش ركز عليه الوفد، فهو ما يحصل في الكثير من البلدان التي تنحو هذا المنحى التنموي. بالنسبة لتنويع الاقتصاد الوطني، فإن بعثة “الأفامي” تشير ضمنيا الى أن الاقتصاد الجزائري غير متنوع أي أنه أحادي الجانب باعتماده على مداخيل البترول فقط، إلا أن ما يلاحظ هنا هو أنه لم يبرز هؤلاء المجهود القائم من أجل تشجيع الصادرات خارج المحروقات وهذا في شتى المواد الحيوية التي تصل الى الكثير من موانئ العالم، بالعلامة الجزائرية، وهي خطوات لاتتم بين عشية وضحاها وإنما تتطلب وقتا كافيا، وكذلك تشترط مرافقة من قبل المعنيين على الصعيد المؤسساتي في الخارج الذين عليهم التوقف في الكيل بمكيالين. وفيما يتعلق بمناخ المال والأعمال، فإن هناك ترسانة من القوانين في مجال الاستثمار تسير هذا القطاع ولا يمكن القفز عليها، لذلك فإن البيروقراطية التي لم يذكرها التقرير مباشرة تعود الى ثقل الملفات الإدارية في هذا الشأن وهناك عمل قائم على مسألة الشباك الموحد، يسعى المهتمون من أجل تعميمه على باقي مناطق الوطن، كما أن هناك تشديدا على تبسيط إجراءات الاستثمار، وتقديم تحفيزات لكل من يرغب في ذلك، فهناك العديد من الشركات العالمية في الهاتف النقال والفندقة والصناعات الخفيفة، استثمرت في الجزائر وأحوالها تسير على أحسن ما يرام في مجال الربح وتحويل أموالها الى الخارج، وهي ترغب في كل مرة في توسيع استثماراتها وفتح اختصاصات أخرى، قضية النفقات العمومية، وتنويع الاقتصاد الجزائري وتحسين مناخ الأعمال الصادرة عن توصيات بعثة “الأفامي” يمكن للجزائر أن تسويها في آجال قياسية لأنها في متناولها أي كل أدوات الحل في أيديها.