تتجه الأسواق في كل القطاعات إلى اعتماد الوسائط التكنولوجية في مختلف المعاملات، ولذلك أصبح مسار رقمنة الاقتصاد من أبرز التحدّيات في مرحلة التحوّلات التي تعرفها البلاد، ذلك أن للرقمنة انعكاسات ايجابية على مؤشرات النمو وتعزز إيرادات المؤسسات شريطة أن يكون هناك استعمال منسجم للأدوات التكنولوجية مع إحاطتها بالضمانات التي تحمي حقوق المتعاملين، في وقت يسجل فيه عبر العالم كثير من الاختراقات التي تستهدف الأنظمة والشبكات المعلوماتية، خاصة البنوك وقواعد البيانات للمؤسسات. انطلاقا من هذا كان لزاما أن يراق مسار الرقمنة بإرساء بنية تشريعية صلبة ومتكاملة توفر الشروط القانونية اللازمة لتأمين المعاملات المعلوماتية في مختلف الأسواق خاصة التجارية منها في ظل ازدهار التجارة الالكترونية في العالم، والتي لا تزال في بلادنا على درجة من التواضع. فرقة البحث حول رقمنة المعاملات المدنية والتجارية بكلية الحقوق سعيد حمدين (جامعة الجزائر 1) نظمت يومي 22/23 أكتوبر 2019 ملتقى وطني تناول مسألة «تأثير الرقمنة على المفاهيم التقليدية للمعاملات المدنية والتجارية بين مستجدات التشريع وصعوبة التطبيق». الملتقى الذي وضع تحت الرئاسة الشرفية لرئيس جامعة الجزائر 1 أ. د. بن تليس عبد الحكيم وبإدارة عميد كلية الحقوق د. وادي عماد وترأسته د. أمقران راضية، جلب مشاركة قوية من المتخصصين في المسائل القانونية من مختلف الجامعات الجزائرية وهيئات لها علاقة بالرقمنة من حيث مواكبة البنية التشريعية لمسار الرقمنة، فأثاروا من خلال نقاش أكاديمي دقيق كافة النقائص المسجلة على مستوى التجارة الالكترونية. وفيما يلي عينات من مداخلات تشخص الوضع وتقترح حلولا من شأنها أن تساعد على ترقية الأحكام القانونية بما يعزز الأداء الاقتصادي. التشريع مرّ بثلاث مراحل الأستاذ زايدي حميد (جامعة مولود معمري تيزي وزو) عدّد ثلاث مراحل لمسار تطور التشريع الجزائري في تنظيم المعلنات الالكترونية وهي مرحلة تنظيم المعلومات قبل صدور قانون 2005 تليها مرحلة ما بعد صدور التشريع والثالثة بصدور قانون 2018. أوضح أن هذا النشاط كان خلال المرحلة الأولى يطبعه ملامح صدور المرسوم التنفيذي 98-257 المتعلق بكيفيات وشروط إقامة خدمات الانترنت واستغلاله (مرسوم معدل لاحقا) وقانون النقد والقرض رقم 03-11 المعدل والمتمم (المادة 69). وبعد سنة 2005 تم تعديل القانون التجاري في نفس السنة بموجب قانون 05-02 لتنظيم السفتجة والشيك الالكترونيين، تعديل القانون المدني بموجب قانون 05-10 لتنظيم قواعد الإثبات الالكتروني وصدور المرسوم التنفيذي رقم 07-162 المتعلق باستغلال انواع الشبكات لمختلف خدمات المواصلات السلكية واللاسلكية وأخيرا صدور القانون 15-04 المحدد للقواعد العامة المتعلقة بالتوقيع والتصديق الالكترونيين. وفي 2018، يضيف المحاضر تم وضع قانون خاص بالتجارة الالكترونية بالقانون 18-05 ، كما صدر قانون 18-07 المتعلق لحماية الأشخاص الطبيعيين في معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي وغيرها من النصوص ذات الصلة. التحكيم التجاري الدولي وحماية البيانات زواني نادية (جامعة الجزائر 1) تناولت التحكيم الالكتروني كآلية لتسوية المنازعات في سوق تحكمها الرقمنة أوضحت ان إبرام صفقات عبر شبكة الانترنت فرضت على أصحابها تسوية النزاعات المحتملة عن طريق التحكيم التجاري الدولي الإلكتروني لأن اللجوء إلى المحاكم التقليدية ،كما أوضحت لا يتناسب مع طبيعة هذه المنازعات التي تنشأ نتيجة استخدام الانترنت في المعاملات سواء كانت مدنية أو تجارية متسائلة حول مدى نجاعة هذا النظام في حل المنازعات الالكترونية. أما ممثل وزارة البريد والمواصلات السلكية واللاسلكية والتكنولوجيات والرقمنة عباد محمد رئيس نكتب إعداد النصوص التشريعية والتنظيمية تناول قانون التجارة الالكترونية في سياق تعزيز الاقتصاد الرقمي مبرزا في مداخلته في اليوم الأول أن الإطار التشريعي مسّ نقاطا قانونية منها ما يتعلق بالركائز الأساسية لبناء اقتصاد رقمي وطني سليم والتي تتمثل في العقد الالكتروني، حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي الدفع الالكتروني والتصديق الالكترونيين، حماية أنظمة الإعلام والإشهار الالكتروني. الأمر مرتبط بثقافة أطراف السوق تساءل الأستاذ سبتي عبد القادر، دكتور القانون (جامعة المدية)، في مداخلة عن خصوصية الالتزام بالإعلام في إطار عقود التجارة الالكترونية وهو شرط جوهري لإحداث التوازن العقدي لما له من أهمية في التعرف على السلع والخدمات بحيث يمكن للمستهلك التعاقد عن علم ودراية بمحتوى العقد، وهي جوانب تم التكفل بها ضمن قانون حماية المستهلك، كما أوضحه. يعفي التعاقد الالكتروني الأطراف من الحضور الفعلي، كون الإعفاء يتماشى مع قواعد القانون التجاري الذي يتميز بالسرعة ويمكن للرقمنة أن تتجسد فيه بسرعة إذا تكرست ثقافة التعاطي معها من كافة المتدخلين في السوق ومدى قناعته بانجاز التحول والانخراط فيه. الدفع الالكتروني أوّل خطوة من جانبه، أشار بوجلطي عز الدين (كلية الحقوق جامعة الجزائر 1) إلى أن أول توقيع الكتروني تم استعماله كان من خلال الدفع الالكتروني لدى البنوك والصرافات باستخدام البطاقة البنكية، وقد ظهر هذا النوع من التوقيع غير المادي في القانون المدني عند تعديله سنة 2005 بموجب المادتين 323 مكرر فقرة 1 و327 التي يستفاد منهما اعترافه الصريح بالسند الالكتروني والحاقه بنظيره التقليدي في مجال الحجية في الإثبات. غير أن اتساع مساحة المعاملات والعقود أصبح يطرح إشكالات قانونية خاصة في مجال الإثبات. وتساءل حول مدى كفاية اعتماد المشرع الجزائري للإثبات الالكتروني لإضفاء الحماية القانونية على التجارة الالكترونية. أشار إلى تسجيل قلة الدراسات والأبحاث والتصنيفات العلمية والأكاديمية التي تهتم بالوقف الرقمي، مؤكدا انه صار لازما وضروريا تشجيع رقمنة عقود الوقف ذلك أن الوقف الرقمي يثير بحسبه إشكالات مثل الإثبات وكيفية إثبات الحق الذي ينشئه الوقف الرقمي بمعنى وسائل إثبات الحق في هذا النوع من العقود. استحداث محاكم تقنية إلكترونية زيدان محمد (أستاذ محاضر بكلية الحقوق) تناول المحاضر مسألة التقاضي الالكتروني بين الواقع والآفاق، مسجلا أن عصرنة العدالة لم يتجاوز نطاق التعامل الإداري دون أن يتوسع ليشمل عصرنة مختلف إجراءات التقاضي ليصبح التقاضي في حالة منازعات الكترونيا، كما هو عدد من البلدان لاسيما الانجلوسكسونية. يعنى بالتقاضي الالكتروني استحداث محاكم تقنية الكترونية ضمن خطوط شبكية عالية التقنية عن طريق إنشاء وسائل ونظم جديدة لتسجيل الدعاوى وحضور الأطراف والتمثيل القانوني والترافع وتقديم الطعون ومتابعتها إلى الحصول على الأحكام وتنفيذها. ويقصد بهذا بحسبه مباشرة الإجراءات أمام القضاء بوسائل غير تقليدية تتميز بالحداثة والسرعة الفائقة والدقة في المواعيد دون أن يكون ذلك شخصيا من المعنيين. ويوضح أن هذا الجهاز (المحاكم الرقمية) يتطلب انخراط فئتين معنيتين هما القضاة المعلوماتيون والإداريون القائمون على هذا النوع من المحاكم وهذا من اجل تقديم وضمان الخدمة إلى كل من المحامين، المتقاضين ومختلف مؤسسات السلطات العمومية المعنية. التطبيق يصطدم بممارسات تعيق الرقمنة بدوره كان للباحث في التاريخ حضوره، إذ سجل الأستاذ محمد كاكي (أستاذ محاضر بجامعة الجلفة) منطلقا من خلفية تاريخية واجتماعية أن التطبيق يصطدم بممارسات تعيق انتشار الرقمنة، مبررا ذلك أن السبب مرّده لدرجة ثقافة الزبون وعدم الثقة في الممارسات التجارية والمعاملات الالكترونية علاوة على عدم الضمان من جانب الجهة التي تسوّق الخدمة التي بدورها ما تعكس ضعفا ورداءة خاصة في مرحلة ما يبعد البيع. سجل من جانبه وجود بطء من جانب القضاء في معالجة سريعة ومنصفة للحقوق والتبعات الناشئة عن نزاعات في سوق مرقمنة.