شاءت الأقدار أن يغادر نائب وزير الدفاع الوطني قائد أركان الجيش الوطني الشعبي الفريق أحمد ڤايد صالح، الحياة، أمس، وقد استكمل مهمته على أكمل وجه، فقد ترك رئيسا منتخبا، ومؤسسات استعادت شرعيتها وهو الذي حرص على إيصال الجزائر سالمة معافاة إلى بر الأمان بعد أزمة سياسية كادت أن تعصف بمؤسساتها الدستورية وأمنها واستقرارها، لولا لطف الله، و يقظة «القائد المغوار» الذي عاهد فوفى، وأدى الرسالة وسلم الأمانة، دون أن تسيل قطرة من دماء الجزائريين. سيكتب التاريخ بأحرف من ذهب قصة كفاح أخرى للمجاهد الراحل الفريق ڤايد صالح بعد تلك التي خاضها قبل الاستقلال وهو يحارب المستعمر الفرنسي على كل الجبهات إذ التحق مبكرا بالثورة التحريرية المضفرة، وواصل بعد الاستقلال حيث حرص على استعادة السيادة الشعبية حينما حاولت العصابة مصادرتها بعد أن استولت على أختام الدولة دون وجه حق خدمة لمصالحها الضيقة، فوقف إلى جانب مطالب الشعب التي رفعها في حراك شعبي دام أكثر من 10 أشهر، فطالب بتفعيل مواد الدستور 7 و 8 و 102، و حرص على ذلك بالدعوة إلى تنظيم انتخابات رئاسية اكتفى بتأمينها على أساس أن الجيش الوطني الشعبي الضامن الحقيقي والفعلي للسيادة الوطنية وفق ما تنص عليه المادة 28 من الدستور، وأدى الواجب الوطني من باب أن أفراد الجيش هم معنيون كذلك بأداء الواجب الانتخابي حسب ما تنص عليه القوانين والنظم وما تمليه عليهم المواطنة باعتبارها حقا وواجبا. ولم يكن التزام الفقيد يومها، بالنهج الدستوري وليد بداية المسيرات السلمية يوم 22 فيفري، بل هو موقف كرسه انطلاقا من التزامه بمهامه الدستورية، بعد أن حاولت بعض الأطراف الزج بالمؤسسة العسكرية في الشأن السياسي لفتح باب التدخل الأجنبي بحجة حماية الديمقراطية، وهو ما قابله بالرفض في كل المراحل الحساسة التي مرت بها البلاد منذ إعلان تنحي رئيس الجمهورية السابق عن سدة الحكم بتاريخ 2 أفريل 2019، وإعلان تأجيل الإنتخابات الرئاسية التي كانت مقررة يوم 18 أفريل 2019 إلى تاريخ لاحق حدده رئيس الدولة المنصب لتولي تسيير شؤون البلاد يوم 4 جويلية 2019 في بداية الأمر ثم 12 ديسمبر 2019، وهو التاريخ الذي حرص الراحل على التقيد به لإجراء ثامن انتخابات رئاسية، وكأنه كان يشعر بدنو أجله فأراد أن يكون شاهدا على انتقال السلطة وفق الآليات القانونية والدستورية التي تضفي الشرعية على خيار الشعب. بالمقابل واصل ڤايد صالح رحمه الله، مهمة تطهير البلاد من الخونة والعملاء وأذناب العصابة وهذا سيظل «نبراسا» يضيء مسيرته المليئة بالعطاء في سبيل الوطن، ووشاحا يزين صدر إنجازاته، فسمحت مقاربة الجيش الوطني الشعبي بشل تحركات العصابة وأذنابها من خلال توفير المناخ المناسب للعدالة لمباشرة عمليات مكافحة الفساد بحزم وصرامة، وتقديم الضالعين في نهب المال العام والمساس بأمن ووحدة الجزائر أمام القضاء. ولم يغفل وهو في أوج محاربة العصابة، و تأمين المسيرات الشعبية إلى غاية نجاح العرس الانتخابي، القيام بمهمته الأساسية في مواصلة تحديث المؤسسة العسكرية بإدخال التقنيات والأسلحة المتطورة وإسداء التوجيهات للإطارات والقادة والجنود بالمضي قدما على نهج جيش التحرير الوطني والتمسك بقيم نوفمبر الخالدة، كما حرص شخصيا على متابعة التحضير القتالي لكافة الوحدات، من خلال زيارات ميدانية تواصلت دون انقطاع، وقف من خلالها على مدى جاهزية جميع القوات سيما تلك المرابطة على الحدود، وحضر عدة مناورات وتمارين تطبيقية لمختلف الأسلحة والقوات للتأكد من مدى استعداد جميع أفراد النواحي العسكرية وقادة القطاعات العملياتية والوحدات، لحماية الوطن من كل التهديدات والآفات، وهي مسؤولية حرص على تأديتها بكل أمانة رغم الإرهاصات، وظلت عيونه ساهرة لا تنام من أجل حرية الوطن وأمن المواطن. لن نرثيك اليوم لأن الرثاء للموتى، وأنت «شهيد الوطن» ستبقى حيا ترزق بأعمالك الصادقة ومواقفك التاريخية المشهود لها.