فاز العرض المسرحي الجزائري «جي بي إس»، بالنسخة التاسعة لجائزة سموالشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي لأفضل عمل مسرحي في مهرجان المسرح العربي بدورته 12، التي احتضنتها هذه السنة العاصمة الأردنية عمان. العرض الذي أخرجه وصممه محمد شرشال وأنتجه المسرح الوطني الجزائري، يعتمد على لغة الجسد متخليا عن الحوار، ويعتبر ثاني تجربة لشرشال في هذا السياق، بعد «ما بقات هدرة» الذي كاد يفتك جائزة دورة تونس قبل سنتين. عادت جائزة المهرجان العربي ال12 للمسرحية الجزائرية «جي بي أس»، التي أنتجها المسرح الوطني الجزائري. وأعلنت لجنة التحكيم، التي يرأسها خالد جلال من مصر، وتتكون من د.شذى سالم من العراق، ولينا خوري من لبنان، ود.عادل حربي من السودان، وإيهاب زاهدة من فلسطين، عن فوز المسرحية، في حفل ختام المهرجان مساء أول أمس الخميس، في قاعة المؤتمرات بالمركز الثقافي الملكي بالعاصمة الأردنية عمّان. كما شهد حفل الختام تكريمات وتوزيع الجوائز على الفائزين في مختلف مسابقات المهرجان، وإعلان أمين عام الهيئة العربية للمسرح، رئيس المهرجان إسماعيل عبد الله، عن استضافة المغرب للدورة المقبلة ال13 لمهرجان المسرح العربي. وتعتبر مسرحية «جي بي أس» «GPS» حلقة ثانية من تجربة انطلق فيها المخرج محمد شرشال بمسرحية «ما بقات هدرة»، وإذا كانت هذه الأخيرة قد تضمنت قسمين، قسم أوّل يعتمد على الحوار وقسمٌ ثانٍ يرتكز بشكل حصريّ على الإيماء ولغة الجسد، فقد جاءت «جي بي أس» متخلية بشكل كامل عن الحوار، ومعتمدة على اللغة الجسدية في خليط بين الإيماء (البانتومايم) وفن المهرّج، مع توظيف قويّ للموسيقى والمؤثرات الصوتية والديكور والإضاءة، إلى جانب حركة المؤدّين واستغلالهم الجيّد للفضاء الركحي. ويحتمل عنوان «جي بي أس» العديد من الدلالات، فكونه نظام تحديد المواقع قد يعني حالة تيه وضياع وبحث عن طريق الخلاص، كما قد يعني عصر التكنولوجيا بما له من سلبيات على الفرد. وقد قُسّمت اللمسرحية إلى لوحات، ما يجمع بينها هوذلك الخيط الكرونولوجي في حياة الشخصيات، من الولادة إلى التكوين إلى البلوغ فالشيخوخة. أما الثيمة الغالبة في المسرحية فهي ثيمة الوقت، وما يُشتقّ منها على غرار العمر، الانتظار، والتقدم والتأخر. وتنطلق المسرحية بصافرة قطار، كما تدور اللوحتان الأخيرتان من المسرحية في محطة قطار يمرّ دون أن يتوقف ليصعد الركّاب، هؤلاء تربطهم علاقات صراعية صدامية، ويمثّلون مجتمعين عيّنة من مجتمع مصغّر. وكما قد يحمل القطار رمزية الوقت الذي يمرّ ولا ينتظر، وهوما نجد معناه في عبارة «فاته القطار»، فإنه قد يحمل أيضا معنى التأخّر والتخلّف الحضاري والعلمي، نتيجة قوالب تقيّد الشخصيات، ولا يخرج عنها سوى الفنان الذي نميّزه بفضل آلته الموسيقية. ولعلّ تغييب الحوار والكلام المنطوق، جعل من التفسيرات والقراءات التي يمكن تقديمها للعرض عددا كبيرا، حتى لا نقول إنه لا منتهٍ، من الاحتمالات. كما وجب التنويه بمجهود الممثلين الذين يرتكز عليهم العمل بشكل شبه كامل، على غرار محمد لحواس، عديلة سوالم، صبرينة بوقرعة، سارة غربي، عبد النور يسعد، مراد مجرام، محمود بوحموم، وياسين براهمي. وقد اشتغل على موسيقى العرض عادل لعمامرة بينما أنجز السينوغرافيا عبد المالك يحي ونفذ الإضاءة شوقي المسافي. وكان محمد شرشال قد قال خلال الندوة التي سبقت العرض، إن المسرحية تجربة مختبرية، جاءت بعد تجارب وبحوث متواصلة في الأعمال المسرحية العالمية، وهي امتداد لتجربة سبقتها هي مسرحية «ما بقات هدرة». وقد استمر العمل على المسرحية أربعة أشهر، في شكل ورشة يومية اشتغل فيها فريق العمل. واعتبر شرشال أنه بعد نجاح «ما بقات هدرة» التي رشحت لنيل جائزة أفضل عرض مسرحي في الدورة العاشرة من مهرجان المسرح العربي بتونس، تشكلت لديه فكرة إلغاء الحوار في نص المسرحي، وتعويضه بالحركة التعبيرية لدى الممثل الذي يعتبر أنه الفاعل المحوري في العمل المسرحي. وسبق لمحمد شرشال أن صرّح للإعلام الجزائري خلال الصالون الدولي للكتاب أنه لا يجد سببا مقنعا للعودة مرة أخرى إلى الحوار، ورأى بأنه قتل الكاتب الذي بداخله من أجل أن يعيش كمخرج، بل وقد يعمل على إلغاء مكونات أخرى في المستقبل على السينوغرافيا والموسيقى والتركيز فقط على الممثل.